قرّرت نجمة «البلاي باك» اللبنانية اليسا أن تدلي برأيها السياسي مجدداً وسط الأحداث اللّاهبة، فقالت بما معناه إنّ «عليها استئناف الأنشطة الفنية، إذ لا يمكن الاستمرار في حال توقّف المهندس والمحامي وصاحب المطعم والمصرفي عن العمل. ولا يجوز الإصغاء لبعض الفشلة الذين لا يعجبهم ذلك، لا بل يزايدون على وطنيتها». تصريح جاء قبل أن ترتدي الكاجوال وتطير إلى السعودية، لإحياء حفلة أمس ضمن «موسم الرياض». إذاً، كيف يمكن لدورة الكون أن تتعاقب، في حال توقّفت هي عن الغناء؟! وهل قلت غناء؟ نعم إذا كان في الاستديو، لا بد من أنّ هذا الذي تقصفنا به منذ قرابة ربع قرن من الزمن، سيكون غناءً. لم يعن صاحبة «حبّك وجع» كلّ تلك المرّات التي سقطت فيها فقط بمجرّد دخولها ميداناً ليست أهلاً له، أي السياسة، فأرادت أخيراً أن تكمل حلقة جديدة من مسلسل قديم من منطقها الساذج في قراءة الواقع السياسي، وطريقة التعاطي الفني معه! بالفعل، لا يمكن للمغني أن يتوقف، لكن عليه أن يطوّع فنه إذا كان يملك فناً أصلاً للتضامن مع سيل الدماء المسفوك في فلسطين ومقاومة الجرائم الصهيونية في إبادة شعبٍ كامل حتى ولو بأغنية! ويمكن إحالة إليسا لو أرادت إلى البروفيسورة والباحثة والمغنية الفلسطينية دلال أبو آمنة إن لم تسمع عنها، كي تعرف مثلاً كيف يقاوَم البارود والرصاص بالغناء والفن والرقص!

(خليل بن ديب)

من ناحية ثانية، يمكن القول بدون مواربة إنه في بعض الأوقات يكون التضامن من شخصيات معينة بمثابة تهمة حقيقية مثبتة بالدلائل. فكرة تنطبق حرفياً على إليسا. أكبر مثال على ذلك عندما كانت النجمة المصرية شيرين عبد الوهّاب تمرّ بأزمة عاصفة أدخلتها المستشفى. حينها، قررت «ملكة النشاز» الملقّبة بـ «ملكة الإحساس»، الغناء لشيرين على المسرح واختارت إحدى أجمل أغنياتها «مشاعر» (كلمات أحمد مرزوق ـــ ألحان محمد رحيم ـــ توزيع أحمد إبراهيم ــــ تتر مسلسل «حكاية حياة») فإذا بأدائها كأنه يمثّل بالأغنية حرفياً، بسبب النشاز الصريح، والخروج عن الطبقة الصحيحة، وربما نسيان كلمات الأغنية... على الهيئة نفسها، سبق لها أن استيقظت وفي بالها كلمات قصيدة «موطني»، فأرادت أن تغنّيها! فكانت النتيجة كارثةً فنيةً بكل المقاييس. القصيدة الوطنية التي كانت نشيد فلسطين لمدّة، تحوّلت عبر زمن الانهيار العربي المتلاحق إلى نشيد يسكن وجدان الجمهور أكثر من أيّ أغنية وطنية ثانية. وقد أبدعت أصوات عدّة في أدائها، إلى أن جاء أحد مشتركي «أراب آيدول»، فغناها ليثير شهية صاحبة «حبك تعب». هكذا، جرّبت حظها في اعتلاء منبر القصيدة والغناء الملتزم، من دون أن تكلّف نفسها عناء قراءة الكلام بتشكيله الصحيح وحروفه السليمة، أو الاطلاع على تاريخ القصيدة ومكانتها الشهيرين.
جرّبت حظها في اعتلاء منبر القصيدة والغناء الملتزم

المهم أنّ حنجرة إليسا صدحت «موتِني» بدلاً من «موطني». علماً أن كل ما فعلته حينها هو نسخ فيديو الأغنية ذاتها التي يؤديها خرّيج «سوبر ستار» الفلسطيني مراد السويطي، ولجوئها إلى تكتيك «قص لصق» بالنسبة إلى الطريقة واللحن والتوزيع ذاتها، إلى درجة أنّها وقعت في الأخطاء اللغوية نفسها التي سقط فيها، من دون أن تجاريه في خامة الصوت والحضور والإحساس. حوّرت الكلام وبدّدت مضمونه الحقيقي، سواءً لناحية الأداء «السكسي» أو لناحية المعنى عندما قلبت «همّه أن تستقلَّ»، والمقصود فلسطين طبعاً إلى «همّه أن يستقلْ» كأنها تغني لفتى أحلامها! وما الضير في ذلك طالما أنّها أدّت النشيد بأسلوب الغنج المبالغ فيه وهو ورقتها الرابحة دوماً؟ ثم لعبت بالتشكيل على هواها وسكّنت نهاية الحروف كيفما اتفق!
طيّب، هل يمكن أن ننتظر بمن عبثت بقصيدة الراحل الكبير إبراهيم طوقان وشوّهت نشيداً قومياً تغنّت به الأجيال، أن تخرج بأفضل ممّا أفادتنا به إليسا على حساباتها الرسمية؟! لو حصل عكس ذلك لتفاجأنا، لكن على هذه الهيئة تبدو الأمور في نصابها بالنسبة إلى «ملكة» لا تملك ناضجاً واحداً في كلّ بلاطها!