تستعدّ المنظومة الأمنية الإسرائيلية لحرب متعدّدة الجبهات، وهي شرعت بالفعل في احتساب تكلفة الحرب الكبرى والطويلة الأمد، في موازاة انشغالها بمساعدة الجيش على التجهّز لحرب من هذا النوع، قد تندلع «في الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة». ويدور الحديث، وفق مراسل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، يوآف زيتون، عن «عملية تزوّد عتاد كبيرة، لم يسبق أن خبر الجيش مثيلاً لها في حروبه الماضية»، حيث «تتدفّق عشرات آلاف الصواريخ والقنابل والرادارات، ومعدّات الرؤية الليلية، وأجهزة الاتصال اللاسلكي، والآليات العسكرية، فضلاً عن الطائرات غير المأهولة، ووسائل قتالية من مختلف الأنواع، إلى إسرائيل على مدار الساعة». أمّا بالنسبة إلى الصناعات «الدفاعية» الإسرائيلية، فقد جمّدت الشركات المصنّعة، بناءً على طلب وزارة الأمن، عقود إنتاج وتوريد وسائل قتالية إلى الجيوش الأجنبية، وذلك بعد تفعيل بند خاص في العقود الموقّعة يسمح بإعادة الوسائل القتالية المنقولة، إلى الجيش الإسرائيلي. وفي هذا الجانب، لفت زيتون إلى أنه «في بعض الحالات، قام المديرون التنفيذيون في وزارات دفاع دول أوروبية مختلفة، من تلقاء أنفسهم، بالاتصال بالجنرال في الاحتياط، أيال زمير، ليبلغوه بموافقتهم على إعادة الأسلحة التي اشتروها من الصناعات الحربية الإسرائيلية، إلى إسرائيل، خصوصاً أنهم لم يزوّدوا جيوشهم بها بعد».
وفي الأيام الأخيرة الماضية «احتسب الاقتصاديون في وزارة الأمن، مع نظرائهم في وزارة المالية كلفة اليوم الواحد للحرب الراهنة»، وتبيّن لهم أن «التكلفة الصافية، للجوانب الأمنية فحسب، والشاملة إطعام الجنود، ودفع رواتب 350 ألفاً من عناصر الاحتياط الذين أُخرجوا من سوق العمل، والوقود اللازم للدبابات والطائرات، والتسليح وما إلى ذلك... تبلغ مليارات الشواكل لليوم الواحد»، وفق زيتون. وطبقاً لمسؤول في المنظومة الأمنية الإسرائيلية، فإن «الكلفة الحقيقية أكبر من ذلك بكثير، فيما ثمّة جهد يُبذل للحؤول دون نشر الرقم الحقيقي حتى لا يتسبّب ذلك في أضرار جسيمة إضافية على صعيد التصنيف الائتماني لإسرائيل عالمياً». ولفت المسؤول نفسه إلى أن «حرب يوم الغفران، عام 1973، كانت مؤلمة وقاسية، ولكنها استمرّت 21 يوماً فقط، فيما نحن دخلنا بالفعل حرباً قد تمتدّ لأشهر، وعلى أكثر من جبهة، والمحدّد الأساسي لتقدير الكلفة فيها هو الحرب المتعدّدة الجبهات».
في غضون ذلك، يتحضّر الجيش لإبقاء 300 إلى 350 ألف جندي من الاحتياط، جُنّدوا بموجب الأمر رقم ثمانية، قبل ثلاثة أسابيع، على الأقلّ حتى شهر كانون الثاني، في حالة تأهّب، علماً أنه تُقدّر رواتب هؤلاء بما بين سبعة وعشرة مليارات شيكل، وهي الكلفة الأقلّ في موازنة الحرب، بحسب زيتون، الذي نبّه إلى أن «ما تمّ دفعه إلى الآن، منذ اندلاع الحرب، في الجانب الأمني فقط، سيصل، خلال أيام، إلى إجمالي الموازنة السنوية العامة للجيش الإسرائيلي!». وفي هذا الإطار، نُقل عن مصدر أمني قوله إنه «ليس كلّ ما نتلقّاه من الولايات المتحدة هدايا، فهناك مشتريات كبيرة نسدّدها بالشيكل، والوسائل القتالية التي نشتريها من دول أخرى ندفع ثمنها من الموازنة الإسرائيلية». وأضاف المصدر نفسه أن «الأميركيين يبذلون قصارى جهدهم لمساعدتنا، ولم يقولوا «لا» لأيّ طلب، لقد فتحوا لنا مستودعات طوارئ متمركزة في أماكن مختلفة من الشرق الأوسط، ونقلوا إلينا الأسلحة المتوفّرة لدى وحداتهم، فضلاً عن وصول قواتهم إلى المنطقة، واستمرار التنسيق على المستويَين الاستخباري والعمليّاتي». وتقود عملية ضخّ المساعدات العسكرية إلى إسرائيل بشكل يومي، عضو البنتاغون، ساشا بيكر، أحد النواب الأربعة لوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، الذي خصّصت وزارته وحدها أربع طائرات نقل، بالإضافة إلى طائرات «رام» الكبيرة التابعة لسلاح الجو، والمُعدّة لنقل الأسلحة الحربية إلى الجيش الإسرائيلي، على مدار الساعة ومن دون توقّف، لعملية الدعم، فيما تشارك سفن الشحن في المهمّة التي تقودها وزارة الدفاع.
في هذا الوقت، يستمرّ «الجهد الهائل لإصلاح الأضرار الكبيرة التي لحقت بفرقة غزة ومستوطنات الغلاف؛ إذ أرسلت إدارة وزارة الدفاع شركات مقاولات وعمّالاً من قسم البناء لإصلاح الأضرار، ولو بالحدّ الأدنى». كما تبذل مديرية خط التماس جهوداً مماثلة لاستعادة العديد من البنى التحتية التشغيلية لـ»فرقة غزة»، بما في ذلك أبراج المراقبة والتتبّع والمواقع الأمنية والعسكرية، والعوائق التي تمّ تدميرها يوم الهجوم. وتقدّر المؤسّسة الأمنية أنه «ستتمّ إعادة بناء المواقع والقواعد بعد الحرب، في إطار تشكيل مفهوم دفاعي جديد». وتُضاف إلى ما تَقدّم، تكلفة تأمين النقل والمأوى والتمويل لنحو 30 ألف مستوطن تمّ إجلاؤهم في إطار خطّة الطوارئ من المستوطنات الواقعة عند خطوط التماس في الجنوب والشمال، فيما انتقلت «عصا المسؤولية عنهم حالياً من وزارة الأمن، إلى الوزارات الحكومية الأخرى التي من المفترض أن تعتني بهم على نفقة الدولة... وإذا اتّسع نطاق الحرب، فإن عدد الأشخاص الذين سيتمّ إجلاؤهم سيرتفع إلى مئات الآلاف».
وحول ذلك، أفاد مسؤول أمني كبير بـ«(أنّنا) في حالة تأهّب، ونستخدم الاحتياطيات، ونتوقّع من الجميع التعاون، لأن هذا حدث حربي - اقتصادي لا نزال في بدايته، ولم نشهد مثله من قَبل». وأضاف: «نحن نختصر المسارات، ونقلّص البيروقراطية، ونحصل على الضوء الأخضر من البنتاغون لأيّ معدات نشتريها منهم، من المعدات الطبية وصولاً إلى القنابل التي تزن أطناناً. لقد قمنا بتسريع خطوط الإنتاج، ومن دواعي سرورنا تلقّينا توجّهات من الحكومات في جميع أنحاء العالم، حتى أولئك الذين ليسوا أصدقاءنا الدائمين، الذين عرضوا المساعدة بالمعدات العسكرية». يُذكر أنه، حتى قبل بدء الحرب، جمّدت وزارة الدفاع بيع المئات من دبابات «ميركافا» القديمة التي لم تَعُد صالحة للاستخدام، وكان الطلب عليها كبيراً في أوروبا بسبب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. وفي حين لم يُتداول في أمر هذه الدبابات في خضمّ جدول الأعمال المزدحم، «لا تستبعد الأوساط الأمنية والعسكرية الإسرائيلية إمكانية إعادة تشكيل ألوية مدرّعة خلال الهجوم الخاطف، إلى الحدّ الذي تدعو إليه الحاجة». وخلافاً لِما أشيع في بداية الحرب، فإن «النظام الدفاعي لم يَستخدم بعد نظام الاعتراض بالليزر، والذي هو في مراحل متقدّمة من التطوير، ومن المفترض أن يبدأ تشغيله خلال عامين تقريباً، إلّا أن المدير العام لوزارة الأمن أعطى إذناً استثنائياً بإجراء تجربة تشغيلية له خلال الحرب الراهنة»، علماً أن «هذه المنظومة لم تُختبر بعد وليست ثمّة توقعات كبيرة بأن تكون لها مساهمتها في الحرب، كما أن لا نيّة لدى وزارة الأمن للمخاطرة بها حتى لا يتضرّر المشروع (على المستوى الترويجي) الذي يُعتبر ثورة في العالم العسكري».
يتحضّر جيش الاحتلال لإبقاء 300-350 ألف جندي من الاحتياط، على الأقل حتى شهر كانون الثاني، في حالة تأهّب


وفي حين تتلكّأ الحكومة في صياغة خطّة التعويضات للمصالح التجارية التي تضرّرت في خلال الحرب، فإن أصحاب هذه المصالح يعيشون حالة من عدم اليقين حيال المستقبل، خصوصاً في مناطق الغلاف حيث يبدو الوضع «مأساوياً بأضعاف مضاعفة». وفي هذا الإطار، قابل استديو «واينت» كلاً من حجاي هوروفيتش، صاحب «كافيه بسيفوف» القائم بجانب النصب التذكاري «السهم الأسود» في مفلاسيم، والذي احترق بالكامل، وكذلك عيدي زوهر، صاحب «مخبز عيدي» في «ياد مردخاي»، وفيدر سيغيف، صاحب صالة الألعاب الرياضية «ذا ليفت» القائمة في «كفار غزة» عن الحالة الضبابية والصعبة التي يعيشونها. وقال هروفيتش إن «محلّي تحوّل إلى ساحة حرب... لقد توجّهت إلي عشرات المنظّمات والجمعيات والمبادرات الخاصة، وكذلك أصدقاء، أمّا مؤسسات الدولة فلم يتحدّث معي أيّ أحد من مسؤوليها». أمّا سيجيف، فقال إنه «من المستحيل الالتزام بهذا المكان. كان محلّي أمام السياج مباشرة في اتّجاه غزة، وقد هاجموا الطريق القريب مني بالضبط.... لم نتلقّ أيّ اتصال من الدولة أو الحكومة». ولفت إلى أن «البيت الذي أسكن فيه في عسقلان تلقّى ضربة مباشرة في السبت الأسود، وكذلك سيارتي التي كانت مركونة بجانبه، لقد تضررتُ من جميع النواحي، ولم أتلقّ شخصيّاً أيّ اهتمام من الحكومة. لقد فقدت 60 زبوناً قُتلوا». ومن جهته، قال زوهار إن «محلّي معرّف الآن على أنه منطقة عسكرية مغلقة، وأساساً، نحن نسترزق فقط من أفراد الجيش. محلّي بعيد 900 متر من غزة ولذلك نحن لا نستطيع الوصول. بالفعل، لقد تلقّيت اتصالاً من نائبة وزير المالية، ميشال فيلدغير، التي قالت لي إنهم يعملون على الخطّة، وإنهم سيعودون إليّ في وقت لاحق. واتصلوا بي بعد ذلك من دائرة الضريبة والأملاك، وقدّمت دعوى، ولكن باستثناء ذلك، لم يتحرّك شيء ولم يفعل أحد أيّ شيء».
يُذكر أن «الكنيست» لم يبادر، إلى الآن، إلى الدفع بتشريع بخصوص دفع تعويضات لأصحاب المصالح المتضرّرة، على الرغم من أن الحرب أنهت أسبوعها الثالث. ومع ذلك، فُتحت الإمكانية أمام أصحاب المصالح، في شمال الكيان وجنوبه، لتقديم طلبات التعويض، حتى قبل رفع الدعاوى. وبحسب سلطة الضرائب، فإن «التعويض المُسبق سيُدفع في غضون سبعة أيام عمل من تقديم الطلب، على أن تكون الأولوية في ذلك لأصحاب المحالّ التجارية الواقعة في مستوطنات غلاف غزة، ومن بينها عسقلان، والمستوطنات الشمالية التي تبعد حتى 2 كلم عن الحدود».