رام الله | شهدت الضفة الغربية المحتلة، أول من أمس، حدثَين خطيرَين، أحدهما قرب الخليل والآخر في نابلس، يقدّمان صورة مصغّرة عن التهديدات المحدقة بهذه المنطقة، ويختصران جوهر المشروع الاستيطاني فيها، والقائم على قتل الفلسطينيين، وتهجيرهم من مدنهم وقراهم، للاستيلاء عليها، في توجّه يحظى آخر فصوله بدعم حكومة بنيامين نتنياهو، أولاً من خلال توفيرها الدعم المالي والعسكري للمستوطنين المسلّحين، وثانياً من طريق الحماية التي يوفّرها الجيش لهؤلاء.ووقع الحدث الأول في قرية زنوتا جنوب مدينة الظاهرية في أقصى جنوب مدينة الخليل، والتي تصل مساحتها إلى 12 ألف دونم، ويبلغ عدد سكانها قرابة 450 مواطناً، قرّر معظمهم مغادرة أراضيهم في ظلّ تصاعد اعتداءات المستوطنين عليهم (رحل 400 شخص يُشكّلون 36 عائلة)، ولم يبقَ منهم سوى ثلاث أُسر من عائلة الطل، لا يتجاوز عدد أفرادها الـ50 مواطناً. وتشهد هذه القرية، منذ السابع من تشرين الأول، اعتداءات متكرّرة يقودها المستوطنون، طاولت الأهالي وأطفالهم ومنازلهم وماشيتهم، كما شملت محاولة إحراق مدرسة القرية وبعض من المنازل، لكنّ يقظة الأهالي حالت دون ذلك. وفي ظلّ تصاعد الاعتداءات، التي ترافقت مع تسليح المستوطنين من قِبَل وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، تعرّضت زنوتا لهجمات من عصابات «فتية التلال» بالحجارة، وصولاً إلى تهديد سكانها بالحرق والقتل، وإطلاق الرصاص عليهم من دون سابق إنذار، وهو ما تسبّب في حالة من الخوف والهلع لدى الأطفال والنساء، ودفع السكان الذين يعتمدون في معاشهم على رعي الأغنام والمواشي، إلى البحث عن أماكن آمنة لحماية أنفسهم، مدركين في الوقت عينه أن مواجهة مخطّط الاستيطان ليست مستحيلة. والجدير ذكره هنا، أن قرية زنوتا محاطة بالشارع الالتفافي الاستيطاني من جهتها الغربية، وتحاصرها من الجهة الشرقية المنطقة الصناعية الاستيطانية، وجدار الفصل من الجهة الجنوبية، ومن الجهة الشمالية للخربة الأثرية تطوّقها مستوطنات «ميتار وتيما وشمعة».
أمّا الحادثة الثانية، فوقعت في قرية الساوية الصغيرة جنوب نابلس، حيث كان الشاب بلال صالح مع أفراد عائلته يقطفون الزيتون، شأنهم شأن آلاف العائلات في الضفة. لكنّ الشاب تعرّض لهجوم على أيدي عصابات المستوطنين الذين أطلقوا الرصاص بصورة مباشرة عليه، وأردوه. كذلك، شنّ مستوطنون، السبت، عشرات الهجمات على المزارعين في أرجاء الضفة، واعتدوا عليهم بالعصيّ والحجارة، وهدّدوهم بإطلاق النار عليهم، تحت حماية جيش الاحتلال، واقتلعوا أشجار زيتون في مناطق متفرّقة.
ويتزامن تصعيد المستوطنين، مع آخر مماثل يقوده جيش الاحتلال في الضفة، وبات يتكرّر بشكلٍ يومي، ويسفر عن شهداء وأسرى وتدمير واستباحة المدن والقرى. وفي هذا السياق، شهدت غالبية مدن الضفة، فجر أمس، اقتحامات واسعة، تخلّلتها مواجهات عنيفة أسفرت عن استشهاد خمسة شبان. وتصدّر مشهد تلك الاقتحامات، مخيم عسكر، الذي شهد اشتباكات هي الأعنف من نوعها، تمكّن خلالها المقاومون من تفجير عشرات العبوات الناسفة المحلية الصنع، في محاولة لعرقلة هدم منزل الشهيد حسن قطناني - منفّذ عملية الأغوار التي قتل فيها ثلاث مستوطِنات -، قبل أن تفجّره قوات الاحتلال. وكانت مواجهات قد اندلعت، ليل السبت - الأحد، بين شبان فلسطينيين وقوات الاحتلال في مخيم بلاطة، ما أسفرت عن استشهاد شاب من المخيم، وأحد قادة «كتيبة نابلس»، وإصابة 8 فلسطينيين بالرصاص الحي، جروح أحدهم خطيرة. كذلك، اقتحمت قوات الاحتلال أحياء عدة في جنين، حيث دوّت صفارات الإنذار، واندلعت اشتباكات عنيفة بين مقاومين وقوات خاصة ودوريات عسكرية إسرائيلية اقتحمت المدينة، وأسفرت عن إصابة أربعة فلسطينيين برصاص الاحتلال. وقالت «كتيبة جنين»، على إثر ذلك، إنها خاضت مواجهات مع قوات الاحتلال في حيّ المراح في المدينة، وإنها استهدفت بشكل مباشر عدداً من الآليات المقتحمة لبلدة سيلة الحارثية غرب جنين، كما تمكّنت من إسقاط طائرة مُسيّرة خلال الاشتباكات. وفي رام الله، أعلن «الهلال الأحمر الفلسطيني» استشهاد شاب من بلدة بيت ريما، وإصابة 10 آخرين برصاص قوات الاحتلال، عقب اقتحام الأخيرة البلدة الواقعة شمال المدينة، حيث اندلعت مواجهات مع المواطنين، فيما منعت القوات الإسرائيلية سيارات الإسعاف من نقل المصابين إلى مستشفيات رام الله. أيضاً، شهدت مدن بيت لحم، وطولكرم، وطوباس، اقتحامات مشابهة ومواجهات مع الشبان والمقاومين في أكثر من نقطة ومحور.
ثمّة تقديرات ترجّح أن الضفة الغربية مقبلة على مواجهة ساخنة وحاسمة عقب انتهاء العدوان على غزة


وإزاء هذا المشهد الذي تحاول إسرائيل تثبيته بإطلاق يد جيشها ومستوطنيها، تواصل الضفة الغربية الحفاظ على حالة الاشتباك الذي بدأته منذ قرابة عامين، ليمتدّ من نشاط خلايا المقاومة إلى الفعل الجماهيري الميداني، حيث تتوالى المسيرات والتظاهرات الكبيرة ليلاً ونهاراً إسناداً لغزة. ومنذ قطع الاتصالات والإنترنت عن القطاع بالتزامن مع حملة قصف عنيفة وشرسة، والبدء في «المناورات» البرية، تحوّلت مراكز المدن إلى اعتصام مفتوح، بعدما قرّر عشرات الشبان البقاء فيها وعدم مغادرتها، إلى جانب تنظيم مسيرات إلى نقاط التماس والحواجز العسكرية. وإذا كان كل هذا الفعل لا يرتقي، بحسب مراقبين، إلى الدرجة المطلوبة من الاشتباك، إلا أنّ ثمّة تقديرات ترجّح أن الضفة مقبلة على مواجهة ساخنة وحاسمة عقب انتهاء العدوان على غزة.