في عدوان الاحتلال على لبنان في عام 2006، كانت أولوية قادة الجيش الإسرائيلي الحصول على «صورة نصر» يمكن ترويجها للمجتمع الإسرائيلي. آنذاك، انصبّ الجهد الإسرائيلي على محاولة رفع علم الاحتلال فوق منزل في مدينة بنت جبيل وتصويره، وتنظيم استعراض عسكري لأرتال الدبابات في المدينة في ردّ على الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لـ«حزب الله»، السيد حسن نصرالله، إبّان دحر الاحتلال عام 2000، والذي عُرِف بخطاب «بيت العنكبوت». ما خطّط العدو له في بنت جبيل، هو في الحقيقة نموذج من عقلية الإسرائيلي المهزوم، والتي يبدو أنها لا تزال تسيطر عليه، اليوم، في محاولاته ترميم هيبة جيشه، وإخفاء عدد قتلاه وفشله، وتحصيل «الصورة» نفسها التي بات يبحث عنها في توغّلاته البرية التي كثّفها منذ نحو 3 أيام على حدود قطاع غزة.وعلى رغم قلّة المعلومات الواردة من الحدود الشمالية والشمالية الشرقية للقطاع، حيث ينفّذ جيش الاحتلال عمليات التوغّل البري، لكن ما هو مؤكّد حتى هذه اللحظة أنّ هذه العمليات لا تزال محدودة للغاية، ولم تحقّق أي اختراق، إذ إن آليات العدو لا تكاد تقترب من السياج الفاصل على حدود غزة حتى تعود إلى ما وراءه، وسط تصدّي المقاومة لها بقوة، على الرغم من كثافة الغطاء الجوي الناري الذي يرافق محاولات التوغّل. وبحسب المعلومات المتطابقة، فإن قوات الاحتلال لم تستطع تجاوز سوى 100 متر فقط في منطقة مفتوحة ومعزولة وبعيدة تماماً عن السكان، فيما يعتبر محلّلون عسكريون وخبراء أن التوغّل حتى مسافة 1.5 كلم شمال القطاع، لا يُعدّ إنجازاً عسكرياً، كون تلك المنطقة تُعتبر منطقة مفتوحة وفارغة من السكان والأبنية، بينما الأصعب هو ما يأتي بعدها.
ومع عودة شبكة الاتصالات والإنترنت إلى قطاع غزة، أمس، رشحت بعض المعلومات حول محاولات التوغّل التي ينفذها جيش الاحتلال، والتي لا تزال بطيئة للغاية، ومترافقة مع وقوع خسائر أكيدة، وإن اكتفى الجيش الإسرائيلي، صباح أمس، بالإعلان عن إصابة ضابط بجروح خطيرة بقذيفة «هاون»، وجندي بجروح متوسطة في اشتباك مسلح، ومساءً بالإعلان عن «إصابة 3 جنود بينهم 2 في حالة خطيرة منذ بدء العملية العسكرية البرية».
وفي المقابل، أكّد الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أن المقاومة «ما زالت في انتظارهم كي تذيقهم أصنافاً جديدة من الموت كما فعلت في السابع من أكتوبر»، وأن «هناك هزيمة أكبر مما كان يتوقّع (العدو) أو يخاف»، مضيفاً أن «زمن انكسار الصهيونية قد بدأ، وزمن التفوّق العسكري والاستخباراتي المزعوم قد انتهى». وتابع أن «لعنة العقد الثامن ستحلّ عليهم، وأن زمن بيع الوهم للعالم حول أكذوبة الجيش الذي لا يُقهر والميركافا الخارقة انتهى بعد أن حطّمته المقاومة في غلاف غزة».
وبات واضحاً أن آلية عمل المقاومة تقوم على استدراج القوات إلى كمائن قاتلة من جهة، والتسلّل خلف خطوط العدو من جهة أخرى، وهذا ما تجسّد عصر أمس قرب موقع «إيرز» العسكري، حيث تمكّن مقاومون من التسلّل عبر نفق إلى ما وراء خطوط العدو والاشتباك مع قوات الاحتلال، قرب موقع «إيرز» العسكري، في ما يؤشّر إلى أن الأنفاق ستشكّل كابوساً كبيراً بالنسبة إلى الجيش الإسرائيلي. وأكّدت «كتائب القسام»، في بيانات متتالية، «اشتعال النيران في عدد من الآليات المستهدفة غرب موقع إيرز والإجهاز على عدد من الجنود في داخلها»، و«استهداف دبابتين للقوات المتوغّلة شمال غرب غزة واشتعال النيران فيهما». كما أعلنت أنها دكّت «موقع إيرز الصهيوني بقذائف الهاون والصواريخ لقطع النجدة عن الآليات المشتعلة التي تم استهدافها في محيط الموقع»، وأن «اشتباكات عنيفة بالأسلحة الرشاشة والمضادة للدروع» خاضها مقاتلوها شمال غرب غزة. أيضاً، أعلنت «القسام» استهداف تجمّع لآليات الاحتلال المتوغّلة في منطقة الأميركية شمال غرب بيت لاهيا بطائرة «الزواري» الانتحارية، وأن مجموعة من المقاومين باغتت القوات المتوغّلة شمال غرب بيت لاهيا واشتبكت معها. وكانت «القسام» نشرت، مساء السبت، مشاهد لاستهداف ناقلة «النمر»، القادرة على حمل نحو 15 جندياً، بصاروخ «كورنيت» مضادّ للدروع.
تأتي الضغوط المتزايدة داخل إسرائيل على «كابينت» الحرب، لتفاقم التعقيدات المحيطة بتنفيذ العملية البرية


وإلى جانب معطيات الواقع وشراسة المقاومين في التصدي والاشتباك، تأتي الضغوط المتزايدة داخل إسرائيل على «كابينت» الحرب، لتفاقم التعقيدات المحيطة بتنفيذ العملية البرية، إذ إن أهالي الأسرى باتوا يتظاهرون يومياً في تل أبيب، ويضغطون لإبرام صفقة تبادل، باتوا يردّدون فيها مطالب المقاومة نفسها، أي «الكل مقابل الكل»، ويحذّرون من تأثير المساس بأبنائهم بفعل العملية البرية. وتضاف إلى ما تقدّم، الضغوط الأميركية السرية لتحجيم العملية البرية، والتي أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في شأنها، أمس، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن إسرائيل أوقفت خطط اجتياح واسع النطاق لغزة واستعاضت عنها بتوغّلات برية محدودة، وأن خطط الاجتياح الإسرائيلي الأولية أثارت قلق المسؤولين الأميركيين، الذين أبدوا ارتيابهم من افتقارها إلى أهداف عسكرية قابلة للتحقيق، ومن قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذها.