رام الله | إلى مخيّم جنين، يعود جيش الاحتلال مرّة تلو أخرى، بحثاً عن «صورة نصر» لا يَظهر أنّ أبناء المخيم سيمنحونها له؛ فقبل 21 عاماً، وعلى رغم تدميره إياه، وارتكابه جرائم إبادة فيه، خرج العدو منه مثخناً بالجراح، يجرّ خلفه جثث العشرات من جنوده القتلى؛ وأما اليوم، فيستمرّ المكان الذي يتعرّض لاقتحامات دورية، في كونه عصيّاً على الانكسار، وإنْ اعتقد الاحتلال بأنه سيجد «صورة نصر» فيه. هكذا، بعدما التقط صورة لجنوده تحت أسوار مدخل المخيم، في استنساخ لصورة شهيرة التقطها مقاومو «كتيبة جنين» في المكان نفسه، تعرّض على إثره لانتقادات جمّة، عاد فجر الاثنين ليهدم تلك الأسوار.وشهد مخيم جنين، ليل الأحد - الاثنين، عملية عسكرية واسعة، هي الأكبر منذ تموز الماضي، في وقت يحاول فيه جيش العدو صناعة «انتصار»، يحدّ من وطأة انكسار «هيبته» في السابع من تشرين الأول. وبعدما فشل في مسعاه هذا، جرّب حظّه عند محور «نتساريم» في شارع صلاح الدين في غزة، والذي وصلت إحدى دباباته إليه، عير أن المقاومة حرمته من ذلك أيضاً، بفعل تصدّيها له، ما «اضطرّه» مجدّداً للّجوء إلى الانتقام، قتلاً وتدميراً. وكانت قواته قد اقتحمت جنين، من عدّة محاور، على متن أكثر من 100 مركبة عسكرية، ترافقها جرافتان عسكريتان، اعتدتا على النصب التذكاري للمدينة، ودمّرتا «حصان الحرية» المنصوب على مدخل المخيم، والذي صنعه متضامنون أجانب، قبل 20 عاماً، من بقايا سيارة الإسعاف التي كان يستقلّها الدكتور خليل سليمان، وقصفها الاحتلال آنذاك. لكن جرافةً للعدو قامت بجرّ الحصان، لتجول به في المخيم، في رسالة تحدٍّ إلى السكان.
وتعمّد جيش الاحتلال، خلال الاقتحام، تدمير البنية التحتية للمخيم، بدءاً بالشوارع، وفي طريقها مركبات المواطنين، ليُصار لاحقاً إلى استهداف محوّلات الكهرباء عند المدخل الرئيسيّ، ما تسبّب في انقطاع التيار الكهربائي عن بعض المناطق. كما هاجمت جرافتان الجدران الخارجية لمستشفى جنين الحكومي، فيما جرى الاعتداء على محال تجارية. كذلك، استهدفت طائرة إسرائيلية منزلاً في جنين، ما اضطرّ عائلات فلسطينية إلى إخلاء مساكنها بفعل حريق شبّ في إحدى الشقق. لكن المقاومة تمكّنت من صدّ الاقتحام، وفق شهود أكدوا أن المقاتلين خاضوا اشتباكات من مسافة صفر مع الاحتلال، واستهدفوا آلياته عند أطراف المخيم بالرصاص والعبوات الناسفة، مكبّدين إيّاه خسائر كبيرة، وأمطروا قواته بالأكواع المحلية الصنع، ما دفع المقتحمين إلى استخدام الطائرات لقصف بعض الأهداف، بينما هرع أحد الجنود تاركاً خلفه خوذته المليئة بالدماء في أحد الأزقة. وأظهرت مقاطع مصوّرة، التقطتها كاميرات المراقبة، انفجار العديد من العبوات الناسفة بالآليات، فيما استشهد 4 شبان، وأصيب 9 آخرون.
أهالي مدينة جنين ومخيّمها أظهروا تمسكاً أكبر بالمقاومة والبندقية في أعقاب الاقتحام


من جهتها، قالت «كتائب القسام» في جنين، إن جنودها يخوضون برفقة بقية فصائل المقاومة «اشتباكات عنيفة» على عدة محاور، «استهدفوا خلالها القوات المقتحمة بعبوات ناسفة محلية الصنع وشديدة الانفجار». أمّا «سرايا القدس - كتيبة جنين»، فأكّدت «فشل عملية الاحتلال التي نفّذها فجر اليوم (أمس) باقتحام مخيم جنين، كما تمّ رصْد إصابات وقتلى في صفوف العدو بعد عملية تصدٍّ واسعة نفّذتها الكتيبة سيُعلَن عن تفاصيلها لاحقاً»، مشيرة إلى أن «مقاتليها نفّذوا عمليات تعطيل وإعطاب آليات الاحتلال عند أطراف المخيم». وقالت «كتائب شهداء الأقصى»، بدورها، إن مقاتليها استهدفوا بالرصاص والعبوات الناسفة قوات الاحتلال في المخيم.
وكثّفت هذه القوات، منذ بدء العدوان على غزة، من اقتحاماتها لمدن الضفة الغربية ومخيماتها، وتحديداً معاقل المقاومة، من مثل مخيم جنين، ومخيم نور شمس، وطوباس، ونابلس، والتي تشهد كل مرّة مواجهات شرسة تستمرّ لساعات، تلجأ خلالها قوات الاحتلال إلى التدمير والتخريب، بعد فشلها في الوصول إلى المقاومين. وتهدف تلك الاقتحامات، بالتزامن مع العدوان على غزة، بالدرجة الأولى، إلى استغلال الفرصة واهتمام العالم بما يجري في القطاع، للانقضاض بوحشية على المقاومة في الضفة في محاولة لإنهائها، فضلاً عن توجيه رسالة تهديد إلى «الضفاويين» مفادها أن مَن يقاوم أو يؤيّد المقاومة سيلاقي مصير أبناء غزة نفسه، وأن ما جرى في جنين هو مشهد مصغّر لما تقوم به في غزة. وإذا كان هدف الاحتلال من وراء هدم أسوار مدخل المخيم التي يطلق الأهالي عليها «أسوار العودة»، تحقيق «صورة نصر»، أو التأكيد للسكان أن النكبة مستمرة والعودة بعيدة، إلا أن الأهالي أظهروا بعد انسحاب العدو تمسّكاً أكبر بالمقاومة والبندقية، وسط إصرارهم على إعادة بناء الأسوار مرة أخرى.
ولم يقتصر التصعيد الإسرائيلي على مخيم جنين، إذ اقتحمت قوات الاحتلال مناطق متفرّقة في الضفة الغربية، وشنّت حملة مداهمات واعتقالات طاولت أكثر من 85 مواطناً، لتبلغ حصيلة الاعتقال، منذ 7 تشرين الأول، نحو 1680. كما أجرت سلطات الاحتلال مسحاً لبعض منازل عائلات الأسرى والشهداء شمال شرق رام الله أثناء اقتحامها المدينة بهدف تدميرها لاحقاً. على إثر ذلك، شهدت مناطق مختلفة مواجهات مسلّحة، من بينها نابلس وقلقيلية، فضلاً عن إطلاق النار على المستوطنات قرب طولكرم، وتنفيذ عملية طعن في مدينة القدس أصيب على إثرها عنصر من شرطة الاحتلال بجروح خطيرة، وعملية إطلاق نار على مركبتَين للمستوطنين قرب نابلس، لم تذكر قوات الاحتلال أيّ تفاصيل في شأنها.
وفي مدينة الخليل، استشهد الشاب فؤاد أبو صبحة، عند مدخل يطّا جنوب المدينة، بعدما أطلقت قوات الاحتلال الموجودة قرب البرج العسكري المقام عند «مثلث خرسا»، النار في اتجاه مركبته، ما أدى أيضاً إلى إصابة ثلاثة شبان كانوا داخلها بالرصاص. واندلعت بعدها مواجهات عنيفة أصيب خلالها 22 فلسطينياً بالرصاص في باب الزاوية في الخليل، بينهم واحد إصابته خطيرة في البطن. كما استشهد الشاب أحمد نوفل (23 عاماً) من محافظة رام الله، متأثراً بإصابته برصاص مستوطنين قبل أيام، فيما استشهد الشاب آدم أبو الهوى من القدس برصاص قوات الاحتلال، بزعم تنفيذه عمليّة طعن في المدينة المحتلّة، أمس. وسجلّت أعمال المقاومة النوعية والشعبية في الضفة، منذ بدء الحرب على غزة، 1656 عملاً، بينها 446 إطلاق نار، و90 عملية نوعية، وعمليتا إطلاق صواريخ، و1118 مواجهة متنوعة.