غزة | لا يبدو في أعقاب تطوير الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة إلى مرحلته «الثانية»، منذ أربعة أيام، أن الميدان البرّي يلعب في مصلحة العدو؛ إذ لاقى هذا الأخير، منذ مساء الجمعة الماضي، مقاومة شرسة في محاور القتال كافة، على الرغم من إفراطه في توظيف القوة النارية من مختلف الوسائط البرية والبحرية والجوية في التمهيد لدخول المدرّعات. ولعلّ ما حاول الاحتلال إنجازه خلال الأيام الماضية، ينحصر في صناعة صورة انتصار جزئية، من مثل ما قام به أول من أمس، من تقدّم إلى شاليه «الطناني» السياحي، أقصى شمال مدينة بيت لاهيا، وهو أوّل مبنى مجاور للمنطقة الجرداء المنبسطة في ذلك المحور، حيث رفع علمه فوق المبنى، ليُصدِر مقطعاً مصوّراً حول هذا «المنجز الكبير».الخرق الثاني شهده محور جحر الديك، وهو خاصرة القطاع الأضيق، والتي لا تتجاوز مساحتها من الحدود الشرقية وحتى ساحل المنطقة الوسطى، أكثر من ستة كيلومترات. هناك تقدّمت دبابة وجرافة في عمق 3 كيلومترات، واستطاعت قطع شارع صلاح الدين الذي يصل شمال القطاع بجنوبه، لبضع ساعات، أمس، قبل أن تتعرّض القوة الإسرائيلية المتقدّمة لهجوم بالصواريخ المضادّة للدروع، أجبرها على التراجع تحت غطاء ناري كثيف. أمّا في محور القتال في منطقة معبر بيت حانون - «إيرز»، فتقدّم عدد من الآليات بضع مئات من الأمتار في المنطقة المكشوفة، قبل أن تتعرّض لمقتلة كبيرة، حيث نفّذت «كتائب القسام» عملية إنزال خلف الخطوط، وبادرت بالاشتباك مع القوات الإسرائيلية من اتجاهين، في حدث استمرّ لأكثر من ثلاث ساعات من مساء يوم الأحد، ووصفه المراسلون العسكريون الإسرائيليون بأنه «صعب للغاية».
وبالطريقة نفسها، تصدّى المقاومون لقوات الاحتلال التي تقدّمت على محور «الأميركية» شمال مدينة بيت لاهيا، حيث هاجم تلك القوات عشرون مقاوماً تسلّلوا خلفها وأوقعوا فيها إصابات محقّقة، فيما استُهدفت آليات العدو بطائرة انتحارية من طراز «الزواري». وفي المناطق الجرداء أيضاً في أقصى شمال مدينة بيت حانون الحدودية، أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها خاضوا اشتباكات عنيفة مع حشود الاحتلال. وفي خلال ليلتَي السبت والأحد ونهار الإثنين، كرّرت قوات العدو محاولات تنفيذ عمليات إبرار من بحر مخيم الشاطئ. إلّا أنه برغم القصف الجوي الذي استمرّ لأربع ساعات، وتخلّله تنفيذ عدد من الأحزمة النارية، مُنيت القوات الإسرائيلية التي حاولت التقدّم بفشل كبير، إذ واصل المقاومون استهدافَها بالصواريخ الموجّهة، ما دفع جنود العدو إلى إطلاق رصاص «خطاط» في سماء المنطقة للإشارة إلى ضرورة إنقاذهم.
لا يمكن الزعم بانتفاء قدرة جيش الاحتلال على تنفيذ عمليات اختراق، نظراً إلى أن العمل الدفاعي يبدأ عادة بعد تمركز القوات


وكان ملاحظاً، منذ بدء عمليات التوغّل البرّي، أن الكثافة النارية، تضاعفت خمس مرّات، حيث تُسمع في مختلف مناطق القطاع أكثر من ثلاثة انفجارات في خلال كلّ دقيقة. ومع ذلك، فإن ما يمكن تأكيده بثقة حتى اللحظة، هو أن القوات الغازية، لم تستطِع تثبيت تمركزها في أيّ من النقاط التي تقدّمت إليها، برغم أن تلك المساحات هي مناطق محروقة ومكشوفة بالمعنى العسكري، أي لا تعطي تضاريسها المنبسطة للمدافعين أيّ هامش للاختباء والمناورة. كما أن القوات الغازية لم تستطِع الدخول إلى المناطق الحضرية العمرانية حتى المُخلاة من السكان منها بفعل التدمير الكلّي الذي طاولها، إذ لا يأمن جيش العدو ما ينتظره هناك من مفاجآت.
إضافة إلى ما تقدّم، تشير عمليات «كتائب القسام» في محورَي «إيرز» وشمال بيت لاهيا، إلى أن المقاومة سمحت قصداً للآليات العسكرية بالتقدّم من دون أيّ اعتراض، لتسمح لمقاتليها بتنفيذ كمائن متزامنة، من خلف الخطوط وأمامها. وحتى اللحظة، لا يمكن الزعم بانتفاء قدرة جيش الاحتلال على تنفيذ عمليات اختراق أو حتى توغل موضوعية، نظراً إلى أن العمل الدفاعي يبدأ عادة بعد تمركز القوات، غير أن سلوك المقاومة، يُظهر أنها تعمّدت جعل التقدّم الإسرائيلي مكلفاً، حيث أدّت الخطوط الدفاعية المتقدّمة دورها، ولعبت الأسلحة المضادة للدروع دوراً في إيقاع إصابات مباشرة ومحقّقة. وفي هذا السياق، كشفت «القسام»، لأول مرة، عن تدشين أسلحة مصنّعة محلياً، من مثل قذيفة «الياسين» الترادفية المضادة للدروع، وفي ذلك إشارة، إلى وفرة الوسائط القتالية المُعدّة سلفاً للتصدي لتقدّم من هذا النوع.