توسّع العدوان البري للعدو في قطاع غزة، وشمل في يومه الأول تنفيذ مراحل من خطة الاحتلال لفصل شمال غزة عن جنوبها. وهي مهمة يسعى جيش الاحتلال إلى تنفيذها سريعاً، مستفيداً من الطبيعة الجغرافية في أكثر من منطقة في القطاع. فقد أظهرت المعطيات الميدانية أن التقدّم يجري في المناطق المفتوحة والأراضي الزراعية، فيما ووجهت محاولات التقدّم إلى بعض الأحياء السكنية بمقاومة ضارية أوقعت خسائر كبيرة في صفوف القوات المهاجمة.وقالت مصادر فلسطينية في القطاع إن جيش الاحتلال يسعى إلى تقسيم القطاع إلى جزء شمالي يشمل مدينة غزة والمناطق المتصلة بها شرقاً وغرباً وشمالاً، على أن يترك وادي غزة فاصلاً عن المنطقة الجنوبية. وتشير التقديرات إلى أن العدو يعتبر أن محاصرة الشمال تتيح له تحقيق بعض أهدافه. لكنّ المصادر نقلت عن قيادات في المقاومة تأكيدها أن التقدّم لا معنى له إذا لم يقترن بالقدرة على التثبيت، في ظل فرض الاحتلال رقابة استثنائية على نشاط قواته. علماً أن وزير الحرب يوآف غالانت قال إن التقدّم البري كلّف أثماناً باهظة وتحدّث عن «صعوبات كبيرة».
ولفتت المصادر إلى ظهور عناصر جديدة في المعركة، منها لجوء العدو إلى استخدام أنواع جديدة من القذائف والصواريخ من الواضح أنه حصل عليها من الدعم الأميركي العاجل. كما أن بعض العمليات الميدانية أعطت إشارات إلى وجود دور أميركي يتجاوز الدعم اللوجستي والأمني، بل يكاد يصل إلى مشاركة مباشرة في العمليات، خصوصاً في العمليات التي استهدفت نقاطاً يعتقد العدو أنها مرتبطة بأماكن احتجاز الأسرى لدى المقاومة. وبحسب المصادر نفسها، يمكن القول براحة إن المشاركة الأميركية المباشرة في الحرب لم تعد زعماً أو افتراضاً.
وكعادته، لجأ العدو إلى ارتكاب مزيد من المجازر، إحداها في مخيم جباليا سقط فيها نحو 500 مدني شهداء وجرحى، متذرّعاً بوجود عناصر قيادية من حماس في المنطقة.
المشاركة الأميركية المباشرة في الميدان لم تعد زعماً أو افتراضاً


في هذه الأثناء، انشغلت إسرائيل بإعلان صنعاء رسمياً انخراطها في القتال إلى جانب المقاومة، وإعلان الناطق باسم القوات اليمنية عن قصف مواقع في الأراضي المحتلة بصواريخ باليستية وأخرى مجنّحة ومُسيّرات انتحارية. وأبدى العدو خشيته من هذا التطور، وأعلن عن جهوزية لمواجهة الصواريخ التي أقرّ بأن مداها يتجاوز 2000 كلم، ما يعني قدرتها على الوصول ليس إلى إيلات فقط، بل إلى مناطق أخرى في عمق فلسطين. وتحدّثت مصادر عن صواريخ استهدفت إيلات وحيفا، في حين أقرّ العدو بأنه استخدم للمرة الأولى صاروخ اعتراض من نوع «حيتس» بعيد المدى لإسقاط صاروخ يمني. علماً أن منظومات الدفاع الجوي المنتشرة في الأردن ومصر والسعودية والبحر الأحمر هي التي تولّت اعتراض الصواريخ والمُسيّرات اليمنية. وأشارت المصادر إلى أنه ليس مستغرباً قيام العدو الأميركي بمساعدة إسرائيل، لكن ما هي حجة مصر والسعودية والأردن للمشاركة في التصدّي للصواريخ. وبحسب المصادر، فإن الجانب الأميركي طلب من سلطنة عمان إبلاغ صنعاء بوجوب عدم التدخل في الحرب وأن الردّ كان بالإعلان عن العمليات.
في غضون ذلك، لم يطرأ جديد على المساعي السياسية. وبات واضحاً لقوى محور المقاومة أن كل الجهود التي يُزعم أنها تُبذل تحت عنوان «الهدنة الإنسانية»، تستهدف تحرير داعمي إسرائيل من ضغوط شعبية جرّاء المجازر الكبيرة التي يرتكبها العدو في غزة. فرغم الحديث الأميركي عن قرار أُبلغ إلى المصريين بالموافقة على توسيع دائرة المساعدات التي تدخل إلى القطاع، والسماح بخروج جرحى لتلقّي العلاج، لا يزال العدو يرفض الالتزام بأيّ هدنة. وقالت المصادر إن الوساطة القطرية لإطلاق سراح المدنيين من المحتجزين لدى المقاومة تواجه تعنّتاً من العدو الذي يرفض إطالة الهدنة لأكثر من يومين، بينما تصرّ المقاومة على أسبوع أو خمسة أيام كحدّ أدنى. كما أبلغ العدو بأنه لن يطلق سراح أسرى فلسطينيين من سجونه، وهو ما عبّر عنه مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بالقول إنه «لا اتفاق يلوح في الأفق» بشأن الأسرى لدى «حماس». وإن كان الأميركيون عادوا وقالوا إن الإسرائيليين سيوافقون على إطلاق سراح أسيرات ومصابين بأمراض مزمنة، إضافة إلى إدخال كمية من المساعدات إلى القطاع.
وفي هذا السياق، أكّد الناطق باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أن العدو لم يتمكن من الوصول إلى أيّ من الأسرى، وكشف أنه سيتم الإفراج عن عدد من الأجانب في الأيام المقبلة.
وبالتوازي، التقى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في الدوحة أمس رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، وتبلّغ منه «آخر تطورات الحرب». والتقى الوزير الإيراني أيضاً أمير قطر تميم بن حمد ورئيس حكومته محمد آل ثاني، وأكّد أنه «من الطبيعي ألا تسكت مجموعات وحركات المقاومة على كل هذه الجرائم وعلى دعم أميركا الكامل للكيان الصهيوني»، داعياً إلى اغتنام «آخر الفرص السياسية» لوقف التصعيد.