غزة | كشف ضوء النهار، أمس، مدى عدم دقّة جملة من الادّعاءات الإسرائيلية حول حدود التقدّم البري، والتي جرى تداولها على نحو واسع خلال اليومين السابقين. وقامت «الأخبار» بجولة على عدد من النقاط العميقة في محور غرب شمال غزة، والتي أُثيرت عاصفة من الشائعات حول تمكّن الدبابات المعادية من التمركز فيها. أمّا في محاور القتال الأخرى، فبقيت يد المقاومة هي العليا. في المقابل، ضاعف جيش العدوّ من ارتكاب المجازر بحقّ الأحياء المدنية ذاتها، حيث كان لمخيّم جباليا أيضاً النصيب الأكبر من فاتورة الدم.
محاور القتال
كان المحور الحدودي لمدينة بيت حانون، أكثر نقاط المواجهة اشتعالاً. هناك، خاضت فصائل المقاومة، ولا سيما «كتائب القسام» و«سرايا القدس»، مواجهات جرى فيها التحام بشكل مباشر، ومن مسافة صفر، مع جنود الاحتلال. ففي تمام الساعة 11.32 من قبل ظهر أمس، أعلنت «كتائب القسام» قصف قوة إسرائيلية راجلة في محور بيت حانون بقذيفة مضادة للأفراد، أسقطتها من طائرة مسيّرة. وأظهرت مشاهد نشرها «الإعلام العسكري» سقوط عدد من القتلى بين الجنود. كما قالت الكتائب إن مجاهديها تمكّنوا في تمام الساعة الثانية بعد الظهر، من تدمير 4 آليات بقذائف صاروخية من نوع «الياسين 105»، والإجهاز على قوة راجلة متمركزة داخل أحد المباني في بيت حانون. كذلك تمكّن المقاتلون من مباغتة قوة راجلة صهيونية غرب «إيرز» من خلف الخطوط، حيث أجهزوا على 3 جنود من مسافة صفر. وفي عصر اليوم ذاته، أكدت «سرايا القدس» أنها قامت، بمشاركة «كتائب القسام»، بقصف حشود العدو على المحور نفسه، بقذائف الهاون.
الشكل الذي سارت به المواجهات على هذا المحور، يشير إلى قدرة المقاومة العالية على المبادرة. كما لوحظ أن معظم العمليات استهدفت الخطوط الخلفية للقوات البرية، في ظلّ المحافظة على أدنى مستويات المواجهة مع طليعة القوات المتوغلة. ويمكن التقدير، والحال هذه، أن ثمّة هدفاً تكتيكياً يتمثّل في قطع التواصل بين رأس القوات الغازية وذيلها إلى جهة الحدود والمواقع العسكرية، الأمر الذي من شأنه أن يحاصر كتلة عددية كبيرة من الآليات بالنار، ويغيّر أولويات جيش العدو من التوسّع أفقياً في المساحات الفارغة، وعمودياً في اتجاه عمق الأحياء الحضرية والعمرانية، إلى إنقاذ القوات المقطّعة الأوصال من الكمائن المحكمة التي ستواجهها في المستوى الدفاعي الثاني.
لا صحّة لتمركز دبابات العدوّ عند مفترق بهلول في منطقة النصر، والأمن العام والكرامة على أطراف «الشيخ رضوان» والتوام


أمّا على المحور الغربي لشمال قطاع غزة، والذي كان قد شهد أول من أمس الزخم الأكبر من المواجهات، فقد أُشيع طوال اليومين الماضيين أن دبابات العدو توغّلت إلى عمق المواقع الحضرية فيه، وتحديداً مفترق بهلول في منطقة النصر، والأمن العام والكرامة على أطراف حيّ الشيخ رضوان، والتوام. لكن «الأخبار» جالت صباح أمس، على كلّ تلك المواقع، حيث تبيّن لها أنه على رغم الدمار الكبير الذي تسبّب به القصف الجوي لها، فإنها لا تزال خالية من أيّ آليات، وحتى الطرق المؤدّية إليها لم يَظهر تقدّم الدبابات فيها. وخلال ساعات النهار، دارت اشتباكات بين مقاتلي «القسام» وقوة راجلة صهيونية في منطقة العطاطرة شمال غرب بيت لاهيا، فيما التحم مقاومو «سرايا القدس» بجنود العدو على المحور نفسه من مسافة صفر. كذلك، قصفت المقاومة حشود العدو هناك بالعشرات من قذائف الهاون.
المحور الثالث الذي شهد مواجهات ضارية، هو شرق حيّ الزيتون جنوب مدينة غزة، حيث استهدفت «القسام» القوات الراجلة الإسرائيلية بصاروخ من طائرة «الزواري» المسيّرة، وقصفت حشود العدو عند بوابة النسر شرق المحافظة الوسطى برشقات صاروخية. وبدا جلياً أن تكتيك المقاومة ركّز على تنفيذ الكمائن تجاه القوات الراجلة، بتنفيذها أكثر من خمسة كمائن، فيما اعترف جيش الاحتلال بمقتل 16 جندياً حتى بعد ظهر أمس. وأقرّ وزير الحرب، يوآف غالانت، بأن الخسائر البشرية في المعارك البرية كبيرة، وأنه لا بدّ من دفع ثمن كهذا.

الخطة الميدانية
تشير خريطة انتشار قوات العدو على جبهات القتال، إلى وجود خطة هجوم تهدف إلى صناعة طوق بري من الجهات الشرقية لأحياء الزيتون والشجاعية والتفاح شرقي مدينة غزة، وتتكامل مع هجوم موازٍ يستهدف مدينة النور، وآخر من محور جحر الديك بالقرب من وادي غزة، هدفه عزل مدينة غزة وشمالها عن وسط القطاع وجنوبه. وبدأت الدبابات الإسرائيلية القيام بمناورات برية من أقصى شمال غزة، وتحديداً من محورَي شرق وشمال مدينة بيت حانون ومعبر «إيرز»، ومن الأحياء الغربية لشمال غزة، وبالتحديد من محور مدينة بيت لاهيا حيث أحياء العطاطرة والأميركية والعمودي والتوام، وصولاً إلى أحياء الكرامة والمخابرات والسودانية، وذلك بهدف تقييم مستوى الخطوط الدفاعية للمقاومة. وبناءً عليه، يتمّ تطوير الهجوم في وقت لاحق، وصولاً إلى التقاء القوات بعضها ببعض وإتمام الطوق الذي يهدف، بالتزامن مع انتهاج سياسة المجازر الجماعية في قلب المخيمات والأحياء المزدحمة بالسكان، إلى تضييق الخناق على القيادة السياسية والميدانية للمقاومة، ما سيحسّن بالنتيجة موقف جيش الاحتلال في مسارات التفاوض على وقف إطلاق النار على مستوى آنيّ، من مثل القبول بهدنة مؤقتة وإدخال المساعدات مقابل أثمان كبيرة، كالإفراج عن الأسرى المدنيّين وتقديم إيضاحات عن مصير الجنود. أمّا على المستوى التكتيكي، فالهدف إجبار قيادة المقاومة على تغيير الروتين الأمني، كالانتقال إلى مربعات أكثر أمناً، ما يتيح فرصة لاستهدافها واغتيالها.