نتيجة الأعمال القتالية ضدّ «حماس»، هناك حاجة إلى إخلاء السكان المدنيّين من ميادين القتال. وستعمل إسرائيل على إخلاء السّكان نحو سيناء. وفي المرحلة الأولى، ستُنشأ مدن خيامٍ في منطقة سيناء. وفي وقتٍ لاحق، تُتاح إقامة ممرٍّ إنساني لمساعدة السكان الغزيّين، وبناء مدن في منطقة إعادة توطينهم شمالي سيناء. ويجب إيجاد منطقة عازلة خالية بعمق كيلومترات عدة داخل الأراضي المصرية، وعدم السماح بعودة السكان إلى النشاط أو السكن قريباً من حدود إسرائيل، وخلق منطقة عازلة أمنية في المنطقة الملاصقة للحدود مع مصر. وفي المرحلة الأولى، تُنفّذ العمليات الجوية مع التركيز على شمالي القطاع، من أجل فسح المجال أمام المناورة البرية في المنطقة التي ستُخلى، إذ لا تتطلب قتالاً في مناطق مكتظة بالسكان المدنيّين. وتتمثّل المرحلة الثانية بمناورةٍ برية، تهدف إلى احتلال الأرض بالتدريج، ابتداءً من الشمال وعلى امتداد الحدود الشرقية، وصولاً إلى احتلال كلّ القطاع، وتطهير الأنفاق من مقاتلي «حماس». وإنّ مرحلة المناورة البرية المكثّفة ستستغرق وقتاً أقل، إذا ما قورنت بالخيارين الأول والثاني. كما أنها ستقلّل من احتمالات المخاطرة بفتح الجبهة الشمالية، بالتوازي مع القتال في قطاع غزة، وأنه يجب ترك مجال لممرات باتجاه الجنوب لإتاحة الفرصة لإخلاء المدنيين باتجاه رفح.
وللوهلة الأولى، يبدو أنّ خيار إخلاء واسع النطاق للسكان، قد يكون معقّداً من ناحية الشرعية الدولية. لكنّ القتال بعد تهجير السكان سيؤدي إلى سقوط عددٍ أقل من الضحايا المدنيين. وأن الهجرة الجماعية من مناطق القتال (سواءً في سوريا أو أفغانستان أو أوكرانيا) هي نتيجة طبيعية، لا بل مطلوبة، على ضوء المخاطر المترتبة على البقاء في مناطق القتال. وأنه حتى قبل الحرب، كان هنالك سعيٌ كبيرٌ بين سكان القطاع للهجرة، ومن المتوقّع أن تؤدي الحرب إلى زيادة هذه الظاهرة.
أما من الناحية القانونية، فالحديث يدور عن حربٍ دفاعية ضد تنظيمٍ إرهابي قام بغزوٍ عسكري للأراضي الإسرائيلية. كما أنّ مطلب إجلاء السكان غير المقاتلين، هو منطق مقبول من شأنه إنقاذ حياة البشر، وهذا ما فعله الأميركيون في العراق في عام 2003. وأنّ مصر ملزمة، من ناحية القانون الدولي، بالسماح بمرور السكان.
بناءً عليه، ستعمل إسرائيل باتجاه مبادرة ديبلوماسية واسعة النطاق لاستقطاب دولٍ تقدّم المساعدة للسكان الذين سيُهجّروا، إذ توافق هذه الدول على استيعابهم كمهاجرين. وعلى المدى الطويل، سيحظى هذا الخيار بشرعيّة أوسع، إذ يدور الحديث عن سكان مدنيّين يُدمجون في إطار الدول المستضيفة، مع منحهم الجنسية.
على أوروبا وكندا والعرب تمويل عملية توطين السكان وإفهامهم بأن لا عودة إلى غزة


من ناحية التداعيات الإستراتيجية، فإنّ هذا الخيار سيُتيح فرض ردعٍ كبير في الإقليم بأكمله، وسيشكل رسالة صارمة موجهةً إلى حزب الله، حتى لا يتم تنفيذ إجراء مماثل في الجنوب اللبناني. كما أنّ الإطاحة بحكم «حماس» سيحظى بدعم دول الخليج.
إنّ هذا الخيار سيقوّي السيطرة المصرية على شمالي سيناء. ويجب الاهتمام بالحدّ من إدخال السلاح إلى تلك المنطقة، ونزع الشرعية لأيّ تغيير في بنود نزع السلاح المنصوص عليها في معاهدة السلام. ويجب تزامن الأمر مع جهودٍ أوسع للتنديد بالإخوان المسلمين في مصر خصوصاً، وفي العالم بصورة عامة، وتحويل تنظيم الإخوان إلى تنظيم معزول ومكروه كما هي حال «داعش»، من ناحية قانونية، في العالم بأسره، وفي مصر خصوصاً.
وبشأن الدول والهيئات التي يمكنها المساهمة في حلّ الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، فإن في مقدور الولايات المتحدة المساعدة للدفع قدماً بهذه المبادرة تجاه كثير من الدول، ويشمل ذلك ممارسة الضغط على كلّ من مصر، وتركيا، وقطر، والسعودية، والإمارات، من أجل تمويل المبادرة، إمّا من ناحية الموارد، وإمّا من ناحية استيعاب النازحين.
وهناك مصلحة أميركية بتحقيق نصر إسرائيلي واضح، واستعادة الغرب بأسره قدرة الردع، وهي قدرة تضرّرت في أعقاب تنفيذ الهجوم على إسرائيل. وتستعيد الولايات المتحدة مكانتها بصفتها قائدة العالم، ودولة رائدة في مجال حلّ الأزمات. المصلحة المتمثلة في فرض تغيير إقليمي مهم، وضرب المحور الراديكالي.
أما مصر، فعليها فتح المعابر واستيعاب سكان غزة، الذين سيخرجون ويتجمّعون في مواقع متعدّدة في سيناء؛ وتخصيص مناطق للتوطين؛ وممارسة الضغط السياسي على تركيا وغيرها من الدول لتشجيع ذلك، بدلاً من اضطرارها لاستيعاب عدد كبير من المهجّرين؛ تأمين غلاف أمني محيط بالمناطق الأولية التي يتم فيها استيعاب المهجّرين خارج قطاع غزة. ويمكن تحفيز مصر عبر مساعدات مالية لحل مشكلات الأزمة الاقتصادية الراهنة في مصر.
بالنسبة إلى السعودية، فعليها تخصيص ميزانية لتنظيم جهود نقل السكان إلى مختلف الدول؛ وبطريقة غير علنية: تخصيص ميزانيات لحملات تُظهر الضرر الذي تتسبب به «حماس». وأن أميركا ستقدّم الحوافز عبر التزامها باستخدام المظلّة الدفاعية التي حُوّلت إلى الإقليم (حاملات الطائرات الأميركية) لمواجهة إيران، الاهتمام بوضع السعودية في مكانة مقدّم العون للمسلمين في الأزمات؛ المصلحة السعودية الكامنة في تحقّق الانتصار الإسرائيلي الواضح على حركة «حماس».
وهناك دور للدول الأوروبية، الواقعة على شاطئ البحر المتوسط، مثل اليونان وإسبانيا، بالمساهمة في الاستيعاب والتوطين، مقابل توفير ميزانيات ودعم مالي من جانب الدول الغربية. كما يمكن لدول أُخرى في شمالي أفريقيا (المغرب، ليبيا، تونس) المساهمة بعملية الاستيعاب والتوطين؛ وتقديم المساعدة الفورية في مناطق تنظيم المهجّرين خارج حدود قطاع غزة. على أن تلقى هذه الدول أيضاً، الموازنات المخصّصة للاستيعاب، والدعم المالي لمصلحة تنفيذ هذه العملية من جانب الدول العربية. إضافة إلى دورٍ لبلدٍ مثل كندا، من أجل استيعاب سكان غزة وتوطينهم في إطار سياسة الهجرة المتسامحة لديها.



المكاتب الإعلانية الكبرى
الدعوة إلى إطلاق حملات تروّج للبرنامج في العالم الغربي، وتروّج للجهود المبذولة لحل الأزمة بصورة لا تحرّض ضد إسرائيل أو تشوّه سمعتها؛ عبر حملات إعلانية مخصّصة للدول غير المؤيدة لإسرائيل، يُركّز فيها على رسائل مساعدة الأخوة الفلسطينيين، وإعادة تأهيلهم، حتى لو تطلّب ذلك استخدام لهجة التقريع، أو حتى لهجة مؤذية، موجهة إلى إسرائيل، ويجب أن يُستخدم هذا الأسلوب مع السكان الذين لن يتقبّلوا أيّ رسائل أُخرى.
كما يجب إطلاق حملات إعلانية موجّهة إلى سكان قطاع غزة أنفسهم، تدفعهم إلى الموافقة على المخطّط، ويجب أن تتمحور الرسائل حول فقدان الأرض، بمعنى أن يكون واضحاً لدى هؤلاء أنه ما من أملٍ أبداً في العودة إلى الأراضي التي ستقوم إسرائيل باحتلالها في الفترة المقبلة، بغضّ النظر عن صحة ذلك. ويجب أن تتمثل الرسالة بما يعني الجملة الآتية: «لقد قضى الله بأن تخسروا هذه الأرض بسبب قيادة حركة "حماس"، ولا خيار أمامكم سوى الانتقال إلى موقع آخر، بمساعدة إخوانكم المسلمين».