يصل وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى إسرائيل اليوم، في زيارة هي الثالثة له إلى المنطقة، منذ بدء العدوان على غزة، سيسعى إلى حصْر غاياتها بمسائل «إنسانية»، من مِثل إطلاق سراح «المختطفين»، وزيادة المساعدات الإنسانية للقطاع. غير أن ما تقدّم ليس هو وحده ما يميّز الزيارة هذه عن سابقتَيها، ولا سيما أنها قد تكون مقدّمة للمرحلة الأخيرة من الحرب، في ظلّ تعقُّد العملية البرية أمام الجيش الإسرائيلي، والتحوّل الذي بدأ يطرأ على النبرة الأميركية. وفي هذا الإطار، تشير مصادر في العاصمة الأميركية إلى أن هناك مساعيَ لإعلان هدنة إنسانية تستمرّ ليومين، على أن يصار إلى الإعلان عنها اليوم، من قِبَل الجانب الأميركي. وبحسب المصادر، فإن «بلينكن حضر ليتولّى المهمّة مباشرةً، بعد رفض إسرائيل إعلان وقف جزئي لإطلاق النار، الإثنين الماضي، من أجل إنجاز عملية إخراج عدد من المحتجزين المدنيين لدى قوى المقاومة في غزة، وإدخال كميات كبيرة من المساعدات إلى القطاع». وأكّدت المصادر، في الوقت ذاته، أن «المقاومة لن تطلق سوى المدنيين من الأجانب، وأن المدنيين ممّن يحملون الجنسية الإسرائيلية سيكون إطلاق سراحهم رهن إطلاق العدو لعدد من المعتقلين في سجونه»، وهو ما سبق أن رفضه العدو، بحجّة أنه لا يتفاوض مع «جهة إرهابية». ومن جهتها، أفادت مصادر فلسطينية بأن النقاش السياسي لم يبدأ معها بعد، «وإنْ كان هناك تبادل لأفكار بين عدّة عواصم معنية»، مضيفةً أن المقاومة أَبلغت الوسيطَين التركي والقطري، أنها «لن تشارك في أيّ بحث ما لم يحصل وقف كامل لإطلاق النار». ولفتت إلى أن العدو «يريد أن يعزّز حصاره للقطاع»، وأن «يتشدّد في قصف وتدمير المناطق الواقعة شمال غزة بقصد تهجير الناس إلى الجنوب، حيث يجري الحديث عن ترك ممرّ للمدنيين في منطقة طريق الرشيد الساحلي، والذي تسيطر عليه قوات الاحتلال بالنار».وإذا كان من المبكر الحديث عن «نهاية الحرب» (مع التنبيه إلى أن المرحلة الأخيرة قد تكون أطول من سابقاتها)، إلا أنه ليس من المبكر، بحسب ما يَرِد من إسرائيل، القول إن الأهداف التي وضعها الاحتلال، بما يتماشى مع السقوف العالية لدى الجمهور الإسرائيلي، في أعقاب صدمة 7 أكتوبر، لم تَعُد كما كانت عليه. ومع ذلك، تبدو الولايات المتحدة مصرّة، أكثر من إسرائيل حتى، على ضرورة تحقيق الأهداف العالية السقف نفسها، ولو لم يتمكّن الجيش الإسرائيلي من تحقيق إنجازات عسكرية على الأرض، بمعنى «رافعات ضغط» معتدّ بها، لمساعدة المفاوض الأميركي في فرض إرادته. وإذ يصعب التصوّر، وفقاً لميزان القوى القائم إلى الآن، أن يتوصّل الأميركيون إلى ما يهدفون إليه، فممّا يجدر التذكير به هنا هو أنهم لا يستعجلون، حتى لو استطاعوا، «قطف الثمار»، فكيف مع إدراكهم أنه لم يحن موعد قطافها بعد؟ لكن على ما يبدو، فإن الاستعجال المستجدّ لا يرتبط فقط بديناميات القتال المباشر في قطاع غزة، أو بالنكسات التي مُني بها الجيش الإسرائيلي هناك، بل وأيضاً باحتمال أن يتوسّع الصراع إلى حرب إقليمية، تضطرّ أميركا بنتيجتها للتدخّل المباشر، وهو «خطّ أحمر» وضعته واشنطن لنفسها، أخذاً في الاعتبار مجموعة عوامل وموانع، في مقدّمها داخلي أميركي، وإقليمي، وكذلك ما يرتبط بحساباتها على الساحات الدولية.
الإملاء الأميركي بوقف الحرب والبحث عن مخارج، هو ما ينتظر إسرائيل


في المشهد الحالي، ووفق ما تؤشّر إليه المعطيات، يبدو أن الولايات المتحدة نفسها تعاني من محدودية، وربّما انتفاء المخارج السياسية للمعركة التي حذّرت إسرائيل منها، حين طالبتها بأن تلائم عمليتها العسكرية مع الأهداف السياسية التي تريد أن تحقّقها في اليوم الذي يلي. هنا، يبدو أن «نافذة الفرصة» بدأت تضيق، والساعة الرملية تكاد تنفد، فيما الإملاء الأميركي بوقف الحرب والبحث عن مخارج، هو ما ينتظر إسرائيل. وفي التعليقات الواردة من تل أبيب، جملة إشارات دالّة على ذلك، وإنْ كانت الرقابة العسكرية تُمسك بكلّ ما يرد على لسان المعلّقين ووسائل الإعلام. وعلى رغم أنها تسمح للمراسلين بأن يقولوا إنه «ممنوع التوقّف الآن»، وإن «على إسرائيل أن لا تكترث للساعة الرملية»، أو أن لا تهتمّ كثيراً «للحضور وبداية الضغط الأميركي»، لكن علامات التراجع بدأت تظهر بالفعل.
وكان بلينكن أشار إلى توجهات الإدارة الأميركية في ما يخصّ المخرج السياسي للحرب، الثلاثاء الماضي، خلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ، قال فيها إن الخطوة المنطقية، من وجهة نظر إدارته، هي إعادة السلطة الفلسطينية للسيطرة على القطاع، بعد هزيمة حكم «حماس»، موضحاً أن ذلك سيتطلّب خطوات لتعزيز السلطة، وتغيير أساليب عملها، وأن سيناريو جلبها إلى غزة يجب أن يكون تدريجياً، على أن يقتصر في البداية على المجال المدني، ويشمل في النهاية المسؤولية الأمنية أيضاً. غير أن بلينكن لم يحدّد ما الذي سيحصل في الفترة الزمنية التي تسبق هذا الجلب للسلطة، ولا الجهة التي ستتولّى المسؤولية في القطاع إلى حين تجهيز السلطة، كما لم يشر إلى النقطة التي يمكن أن تصل إليها الحرب، لتتيح فرض هكذا حلّ على الفلسطينيين.
هذه الأسئلة هي ما سيبحث بلينكن عن إجابات لها في إسرائيل، وكذلك في الإقليم، شأنه شأن كبار المسؤولين في الإدارة، الذين سيزورون إسرائيل والمنطقة تباعاً بهدف «التواصل مع الشركاء والحلفاء لمواصلة العمل على منع انتشار الصراع إلى أجزاء أخرى من المنطقة»، وفق وسائل إعلام عبرية، وهو ما يمثّل إشارة في ذاته إلى أن الوقت حان لإيجاد المخارج السياسية. وإذ يُتوقّع أن يكرّر بلينكن رسائل الدعم لتل أبيب، بغضّ النظر عمّا سيحدث في الغرف المغلقة، فهو تحدّث قبيل مغادرته واشنطن، عن ثلاثة أهداف للزيارة: أولها: التحدّث مع الحكومة الإسرائيلية «بشكل واضح جداً» حول «كيفية قيامها» بـ«الدفاع عن نفسها»، مع التشديد على «الخطوات التي يتعيّن اتّخاذها لحماية المدنيين»، فضلاً عن إبداء التصميم على «عدم توسّع الصراع»؛ وثانيها، يتعلّق بإدخال المساعدات الإنسانية، و«إخراج مواطنينا» من غزة، والتركيز على «موضوع الرهائن واتّخاذ كل الخطوات الممكنة لتأمين إطلاق سراحهم»؛ وثالثها، «كيفية تهيئة الظروف لتحقيق سلام دائم ومستدام للإسرائيليين والفلسطينيين على حدّ سواء. نحن نفكر في اليوم التالي. وأتوقّع أنكم سترون جهوداً كبيرة للوصول مع الوقت، إلى حلّ يقوم على أساس دولتَين لشعبَين، وهو ما نعتقد أنه الحلّ الأفضل - وربّما الضامن الوحيد - لأمن الإسرائيليين والفلسطينيين». وردّاً على سؤال حول عمليات «حزب الله» الكبيرة، أمس، قال الوزير الأميركي: «نحن مصمّمون على منع التصعيد على كل الجبهات، سواء كان ذلك في لبنان، أو شمال إسرائيل، أو جنوب لبنان، أو الضفة الغربية، أو أي مكان آخر في المنطقة».