وعلى أيّ حال، يمكن تسجيل الآتي:
- أميركا، ومعها الأسرة الدولية (الغربية) مستعدّة لمنح إسرائيل ما تريد من وقت ومعونة سياسية ومادية ولوجستية وتغطية ديبلوماسية، لو كانت الأخيرة قادرة على تحقيق الأهداف التي وضعتها لنفسها، والتي يدور حولها خلاف مع الحلفاء، وفي مقدّمهم الجانب الأميركي.
- تدرك إسرائيل، ومعها الولايات المتحدة، أن إيقاف الحرب يعني إقراراً بأنهما خسرتاها، وخاصة في ظلّ فشل العملية البرية، بما سيؤثّر بطبيعة الحال، ليس في صورة المنتصر والمهزوم في الوعي العام، على أهمية ذلك، فحسب، بل أيضاً في مسار الترجمة السياسية، أو ما يُسمّى المخارج السياسية من الحرب.
سيكون التفاوض غير المباشر حول اليوم الذي يلي في غزة مع «حماس» نفسها
- ومهما يكن التقدير في تل أبيب وواشنطن، فإنه يصعب عليهما إعلان وقف إطلاق النار حالياً، وإن كانتا معنيّتَين به، ولا سيما في ظلّ ما آلت إليه الأمور ميدانياً. في المقابل، سيكون من الصعب أيضاً الاستمرار في الحرب من دون توقّع إنجازات، مع انتظار مزيد من الخسائر التي ستؤثّر في القدرة على فرض الإرادة لاحقاً على الفلسطينيين.
- كذلك، يدرك الجانبان أن مواصلة الحرب بلا أهداف قابلة للتحقّق، يعظّم أيضاً من إمكانية انفلاشها إقليمياً، وهو ما لا يريدانه.
- الموازنة بين المحدّدات والضوابط المذكورة، ومنع ما أمكن من تبعات سلبية، مع الإبقاء على صورة المقتدر والمبادر الذي يصرّ على إنجاز المهمة، يمثّلان مصلحة أميركية - إسرائيلية مشتركة لا بدّ منها، مهما كان تباين الموقف بينهما إزاء ترتيبات اليوم التالي.
- تتحقّق هذه المواءمة من خلال الإصرار على رفض وقف الحرب، وهو ما لا يزال سارياً إلى الآن، بالتوازي مع العمل على شراء المزيد من الوقت، وإنْ في ظلّ المراوحة الميدانية، وذلك عبر هدن مؤقّتة، تحت عناوين إنسانية مختلفة، يريد من خلالها الطرفان التمهيد للانتقال إلى مسار التفاوض، من دون أن يفقدا رافعة الضغط الميدانية. وبغير ما ذُكر، تكون زيارة بلينكن لإسرائيل لزوم ما لا يلزم، بالنظر إلى أن كلّ ما يُذكر عنها، وفقاً للروايات الرسمية، متحقّق ولا يلزمه مجيء رأس الديبلوماسية الأميركية إلى تل أبيب.
بالنتيجة، تبدو زيارة بلينكن أقرب إلى ردّة فعل على نتائج ميدانية، أهمّها صمود المقاومين في غزة، والذي دفع إسرائيل إلى تجميد العملية البرية في مرحلتها الأولى. كما أنها تَظهر مدفوعةً بعامل الوقت الذي بات ضاغطاً على الإدارة، وخاصة أنه لا أفق ولا نتائج استراتيجية لمزيد من القتال. صحيح أنه لن يُعلن وقف إطلاق النار غداً، لكن يمكن القول إن المرحلة الأخيرة من الحرب بدأت، لتبدأ معها المعركة السياسية. وفي هذا المجال، يمكن التقدير أن التفاوض حول ما سيكون عليه الوضع في غزة سياسياً وأمنياً، والذي أرادت إسرائيل وأميركا أن يكون بينهما وبين «الحلفاء» في المنطقة، سيكون تفاوضاً غير مباشر مع «حماس» نفسها، وهو ما ستتكاثر الإشارات إليه في الساعات والأيام المقبلة.
وعكس بلينكن انخفاض سقف التوقّعات الأميركية في شأن العملية البرية، وذلك في تصريحاته المباشرة في ختام الزيارة، حينما قال إنه ناقش مع نتنياهو مسألة «هدنة إنسانية وترتيبات على الأرض توفّر الأمن للمدنيين وتسمح بتوصيل المساعدات الإنسانية بشكل أكثر فعالية واستدامة». وإذ أعاد تأكيد «حق إسرائيل وواجبها في الدفاع عن نفسها»، رأى أن «حل الدولتين لشعبين هو الطريق الوحيد لضمان الأمن الدائم لإسرائيل يهودية وديموقراطية»، وجدّد تأكيد «التصميم على ألّا تكون هناك جبهة ثانية أو ثالثة». وأشار إلى أن ما سمعه «كان التزاماً واضحاً من الحكومة الإسرائيلية بالتعامل مع عنف المتطرفين (المستوطنين) في الضفة الغربية».