تتدرّج تركيا في تصعيد موقفها من إسرائيل، احتجاجاً على عدوانها الوحشي على غزة، بما يمكن أن يترك آثاره السلبية في العلاقات الثنائية بين البلدَين، وإنْ كانت أنقرة لم تنتقل بعد إلى مرحلة الإجراءات العملية. ويأتي هذا التصعيد في موازاة وصول وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى العاصمة التركية، حيث يبدأ، اليوم الإثنين، بحث الوضع المتفجّر في غزة، وذلك بعدما أعلنت وزارة الخارجية التركية، استدعاء سفيرها في تل أبيب، شاكر أوزكان طورونلر، «للتشاور»، على خلفية «رفْض إسرائيل نداءات وقف إطلاق النار، واستمرار اعتداءاتها على الشعب المدني في غزة، ومنْعها دخول المساعدات الإنسانية إليه»، وفقاً لبيان الوزارة، علماً أن الخطوة هذه لم تصل إلى مرحلة خفض مستوى التمثيل الديبلوماسي، أو القطع الكامل للعلاقات.وكان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، قد أعلن، في 28 تشرين الأول الماضي، في مهرجان كبير أقامه «حزب العدالة والتنمية» في إسطنبول، تضامناً مع فلسطين، أن إسرائيل ترتكب «جريمة حرب»، بفعل هجماتها على المدنيين في غزة، قائلاً إنه «سيشهّر» بها في العالم، و«سيدرس الخطوات المطلوبة لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية»، وهو ما اندفع وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، إلى وضعه في إطار «معاداة السامية». واستكمل إردوغان مسار التصعيد لدى عودته، أول من أمس، من العاصمة الكازاخية، أستانا - حيث حضر المؤتمر الثامن لـ«منظمة الدول الناطقة باللغة التركية» -، حين اعتبر أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، «لم يَعُد بأيّ شكل من الأشكال مخاطَباً بالنسبة إلينا» في تركيا، و«قد مَحوْناه ورميناه». كذلك، تطرّق الرئيس التركي إلى «صيغة الضمانة» التي اقترحتها بلاده لحلّ الأزمة في غزة، لافتاً إلى أنه «كما في قبرص، حيث تركيا واليونان وبريطانيا هي دول ضامنة للوضع هناك، فلماذا لا نعمل في غزة على وضع شبيه، إذ تكون تركيا إحدى الدول الضامنة للحلّ. وهذا أمر طبيعي بالنسبة إلى تركيا الجاهزة لذلك». ورأى أن «هذا الدور يمكن أن يكون أمنيّاً أو سياسيّاً، وفي الأساس هناك دور ذو بُعد ثقافي وتاريخي»، قائلاً: «يجب أن تتولّى تركيا دوراً رئيسياً في ذلك»، ومتّهماً أميركا والغرب بالتحريض الكامل على ارتكاب إسرائيل المجازر في غزة. وأضاف إردوغان أن «إسرائيل تتّخذ خطوات خطأ جدّاً، والمسؤول الأول عن ذلك هو نتنياهو، وعليه أن يتراجع عن إجراءاته»، لأن «العالم بدأ يرفع صوته، ومن ذلك قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار، الذي أيّدته 121 دولة، ولم تعارضه سوى 14»، وتابع: «إذا وضعنا الولايات المتحدة جانباً، فلن يبقى أحد مهمّ بجانبك يا إسرائيل. هذا يعني أنه مهما امتلكتِ من سلاح ومن مال، فلن ينفعكِ».
ربما يكون إردوغان قد أرسل رسائل سلبية إلى أميركا في خصوص عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي»

وفي جانب آخر، أوضح الرئيس التركي أن بلاده «ترسل كثيراً من المساعدات إلى غزة، لكن إسرائيل لا تسمح بوصولها»، مؤكداً أنه لن يترك غزة وحيدة. وإذ اعتبر إردوغان أن نتنياهو لم يَعُد المخاطب بالنسبة إليه، «وقد محوناه ورميناه»، فهو أكد أنه ليس في صدد قطع العلاقات مع إسرائيل، لأن «القطع الكامل للعلاقات غير موجود بعد في الديبلوماسية الدولية». لذا، «ستواصل تركيا الاتصالات مع إسرائيل والفلسطينيين عبر وزير الخارجية والوزراء المعنيين ورئيس الاستخبارات»، و«هدفنا الأساسي هو إقامة سلام نهائي» كما قال، داعياً إلى مؤتمر دولي للسلام. وأضاف أنه لا يَنتظر شيئاً من أوروبا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، التي عرضت مواقف «غير عادلة ولا ثقة لنا بها». وعن التوراة التي يستشهد بها نتيناهو لتبرير مجازره، قال إردوغان: «(إننا) لا نعترف بالتوراة المزيف، والمصدر الوحيد الذي نثق به هو القرآن الكريم... ولكن الوصايا العشر تبدأ بـ«لا تقتل»... نتنياهو يقتل الأطفال والمدنيين. فلا التوراة ولا الإنجيل يقرّان بذلك»، مبيّناً أن مواقف تركيا الواضحة ستعرض أمام قمّة «منظمة التعاون الإسلامي» التي ستعقد بعد أيام، والتي يعوّل على القرارات التي ستتّخذها.
وبالعودة إلى زيارة بلينكن، تذكر صحيفة «حرييات»، في عددها الصادر أمس، أن وزير الخارجية الأميركي يجيء إلى أنقرة لبحث أربع قضايا، هي: اتفاق عاجل لوقف إطلاق النار، عدم توسّع الحرب إقليمياً، بحث صيغة الدول الضامنة، والمساعدات الإنسانية لغزة. ووفقاً للصحيفة، فإن موقف تركيا وبعض الدول واضح لجهة تطبيق وقف فوري لإطلاق النار، وهو ما تعارضه الولايات المتحدة وأوروبا، فيما تعمل تركيا، من جهتها، على «منع توسّع الحرب. والطريق إلى ذلك يكون بعقد مؤتمر دولي تبحث فيه صيغة حلّ بضمانات دولية تكون تركيا أحد أطرافه».
بدوره، يكتب مليح ألتين أوك، في صحيفة «صباح»، أن استدعاء السفير التركي من تل أبيب، عشية زيارة بلينكن، رسالة «قاسية»، عادّاً اعتبار إردوغان أن نتنياهو لم يَعُد المخاطَب بالنسبة إليه، أول خطوة تركية ملموسة تجاه إسرائيل. ووفقاً للكاتب، فإن تركيا بذلك «ترسم خطوطها الحمراء»، علماً أن الولايات المتحدة «بذلت جهوداً كبيرة من أجل استبعاد تركيا عن المشهد الشرق أوسطي. لكن ديبلوماسية إردوغان أَجبرت أميركا على الركوع على قدميها، وأن يأتي بلينكن بنفسه إلى أنقرة». ومن جهته، يرى الكاتب مراد يتكين أن إردوغان ربّما يكون قد أرسل رسائل سلبية إلى أميركا في خصوص عضوية السويد في «حلف شمال الأطلسي»، عندما قال إن الأخيرة لم توقف بعد نشاطات «حزب العمال الكردستاني» على أراضيها. وكان الرئيس التركي قد أحال، أخيراً، مسألة البتّ بعضوية السويد إلى البرلمان التركي لاتخاذ القرار المناسب، وهو سيقرّر ذلك بعد الانتهاء من مناقشات الموازنة التركية.