غزة | لليوم الثلاثين على التوالي، تصاعدت المواجهات على مختلف جبهات القتال في قطاع غزة، مع تسجيل امتدادها إلى جبهات أخرى في القطاع. وعلى رغم تقدّم دباباته مئات الأمتار في بعض الأحياء الحضرية، إلا أن جيش الاحتلال لم ينجح حتى الآن في تحقيق أيّ خرق نوعي عميق، يمكّنه من الدخول إلى مراكز المدن في الشمال ومدينة غزة. وفي هذا الإطار، تؤكّد المقاومة على لسان المتحدّث باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة، أن جيش العدو، وأيّاً كان مستوى تقدّمه أو تراجعه، فلن يستطيع المحافظة على تثبيت قواته بأيّ شكل من الأشكال. وعلى خطٍّ موازٍ، واصلت الطائرات الحربية الإسرائيلية، ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، ولم تستثنِ منزلاً ولا مستشفى ولا سوقاً ولا مسجداً ولا كنيسة، حيث أضحت تلك الأهداف، بالنسبة إلى العدو، آخر السبل المتوفّرة، لتفريغ العجز، ولا سيّما أن جيشه قد مُني في خلال 48 ساعة من القتال، بخسائر كبيرة شملت تدمير عشرات الدبابات، بينما اعترف هو بارتفاع عدد جنوده القتلى إلى 30، وسط تقديرات في أوساط المقاومة بمقتل وإصابة نحو 400 جندي إسرائيلي منذ بدء الهجوم البري، بالنظر إلى أن كلّ دبابة يجري استهدافها بقذائف «الياسين 105»، يتكوّن طاقمها من 6 جنود على الأقل، بخلاف من يسقطون في اشتباكات الالتحام المباشر وعمليات القصف بالطائرات المُسيّرة، وعمليات القنص التي زخرت بها الأيام الماضية.
خريطة المواجهات
سجّل المحور الغربي لمدينة غزة، القتال الأكثر ضراوة خلال الساعات الماضية. فبعد أن تراجعت دبابات الاحتلال بضع مئات من الأمتار، حاولت التقدّم مجدّداً، من محاور مخيم الشاطئ وأطراف حيَّي الشيخ رضوان والنصر، حيث دار القتال على الخط الأول من الكتلة العمرانية المحاذية لشاطئ البحر. وفي تلك المناطق الممتدة والخالية من المباني بنسبة 80%، خاض مقاتلو «القسام» مواجهات مباشرة مع الدبابات الغازية، فيما أظهرت المقاطع المصوّرة التي بثّها الإعلام العسكري، تمكّن المقاومين من تفجير نحو 10 آليات، بل تمكّن أحدهم من حرق جرافة «d9» بواسطة ولّاعة سجائر، ورفع راية حركة «حماس» فوق برجها. وفي محور «إيرز» وشمال مدينة بيت حانون، تقدّمت دبابات الاحتلال على أطراف المدينة المُخلاة من السكان. وهناك، دارت مواجهات عنيفة جداً بين القوات الخاصة التي تحصّنت في بعض المباني، ومقاومي «القسام» الذين أطبقوا عليها الخناق من عدّة اتجاهات، قبل أن يستهدفوا المبنى بقذائف الـ«آر بي جي» والـ«تي بي جي» الفراغية المضادّة للأفراد والدشم. كذلك، أعلنت «كتائب القسام»، ظهر أمس، أنها دمّرت دبابتين على أطراف مدينة بيت حانون.
أما المحور الجديد الذي دُشِّن خلال اليومين الماضيين، فهو محور أطراف حي تل الهوا، في المنطقة الفاصلة بين حي المغراقة ومدينة الزهراء. وتلك، مناطق رخوة تفصل بينها وبين الحدود الشرقية للقطاع مساحة واسعة من الفلوات الخالية من الكتل العمرانية. وبحسب «القسام»، فقد شهدت هذه الجبهة تدمير عدد من الآليات، اثنتان منها دُمّرتا عند الواحدة بعد ظهر أمس، بقذائف من نوع «الياسين 105» المضادّة للدروع. وعصراً، أكّدت الكتائب تدمير دبابة متوغّلة جنوب غرب تل الهوا. كما بثّ الإعلام العسكري مشاهد لمقاتلي «القسام» وهم يخوضون اشتباكات مع القوات المتوغّلة شرق جحر الديك. كذلك، قصف مقاتلو الكتائب تل أبيب برشقة صاروخية رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين، بعدما كانوا قد قصفوا أيضاً بئر السبع.
وسبق أن أعلنت «القسام» أن مقاوميها استطاعوا الإجهاز على خمسة جنود إسرائيليين، أول من أمس، بعدما هاجموهم في أحد المباني في شمال قطاع غزة، كما قصفوا تجمّعاً لجنود الاحتلال بالعشرات من قذائف الهاون في المحور نفسه. ومن جهتها، أعلنت «سرايا القدس» أن مقاوميها خاضوا اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال المتوغّلة على المحور الشمالي من القطاع.
الدخول إلى الأحياء المأهولة، أو التي تتراكم فيها كتل المباني المدمّرة، يوفّر فرصة كبيرة للمقاومة للتخفّي والتنقّل الآمنيْن نسبياً


وفي المحور البعيد عن ميدان القتال الرئيسيّ في شمال القطاع ومدينة غزة، وفي محاولة لتحقيق انتصار معنوي، زعم جيش الاحتلال أن قواته نفّذت تدخّلاً برياً عميقاً، تمكّنت خلاله من مسح مبانٍ واستهداف عدد من مقاتلي «القسام» في منطقة الفراحين والعمور شرق مدينة خانيونس جنوب غزة. إلا أن المقاومة أبدت، هناك أيضاً، جهوزية كبيرة للتصدّي، إذ دمّر مقاتلوها ثلاث آليات، واستهدفوا الحشود بوابل من قذائف الهاون.
وأمام حدّة المواجهات الميدانية، قالت إذاعة الجيش الإسرئيلي إن القوات المتوغّلة في غزة تلقّت أوامر بعدم التجمّع في مناطق مكشوفة من الجو، وعدم سير الدبابات في خطوط مستقيمة، وإقامة سواتر ترابية لحماية الدبابات من هجمات الأسلحة المضادّة للدروع عند التقدّم في العمليات العسكرية، والانتباه عند التقدّم في الحقول الزراعية والمباني السكنية، إلى جانب إبقاء خطوط الاتصال مفتوحة لحظة بلحظة مع قيادة العمليات الجنوبية وسلاح الطيران. وعلى طريق ترميم الصورة المهشّمة بفعل الزخم الكبير من المقاطع المصوّرة التي يبثّها «الإعلام العسكري» للمقاومة، نشرت صفحة المتحدّث باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي، مقطعاً مصوّراً قالت إنه يعرض جانباً من عمليات جيش العدو في شمال غزة، ويظهر عدداً من الآليات التي تعمل بمحاذاة ساحل بحر الشمال، مع تقدّم عدد من الجنود في داخل مبنى، بدا واضحاً أنه على مقربة كبيرة من الشاطئ.

تطويق غزة
المعطيات الميدانية الآتية من محاور القتال، والتي تتّسع أكثر فأكثر، لا تُظهر حتى اللحظة أن جيش العدو في وارد التراجع عن مخطّط تطويق مدينة غزة من الجهات الأربع. ولدى رسم خطوط وهمية لمسار التوغّل البري، يتبيّن أن المخطّط الحالي من شأنه في حال استُكمل، أن يقود إلى التقاء القوات من أقصى شرق حي الزيتون وتل الهوا جنوب المدينة، بتلك المتوغّلة من أقصى شمال القطاع من خلال المناطق الساحلية القريبة من الشاطئ. وعليه، ستكون الخطوة الثانية، في حال نجحت دبابات الاحتلال في تثبيت مواقعها، البدء بقضم بطيء وتدريجي لمساحات أفقية من الكتل العمرانية الطرفية، من محورَي الشرق والغرب، وصولاً إلى التقدم العميق في مراكز الأحياء الشرقية، مثل الشجاعية والتفاح وجباليا البلد والسكة وبيت حانون، والغربية مثل بيت لاهيا والعامودي والشيخ رضوان والنصر والشاطئ. على أن الطريق إلى تحقيق سيناريو كهذا، دونه مجموعة كبيرة من العقبات الكأداء، أبرزها:
- القتال حتى اللحظة يتركّز في الخطوط الدفاعية المتقدّمة؛ إذ لم تخترق آليات الاحتلال رغم القصف الجوي العنيف، أياً من خطوط الدفاع الطرفية التي تنعدم فيها فرص التخفّي، ويضطر المقاومون فيها للالتحام الاستشهادي مع قوات العدو.
- الخسائر البشرية الكبيرة، والتدمير السريع لعدد كبير من آليات العدو، والتي زادت على 50 آلية، ما تسبّب بمقتل وإصابة ما لا يقل عن 400 جندي إسرائيلي. ولعلّ هذه الخسائر الكبيرة لا تشكّل عامل إغراء يدفع إلى المزيد من التضحيات، في ظلّ المستوى الصفري من الإنجاز الميداني.
- من شأن الدخول إلى الأحياء المأهولة، أو التي تتراكم فيها كتل المباني المدمّرة، أن يوفّر فرصة كبيرة للمقاومة في التخفّي والتنقّل الآمنيْن نسبياً، ما سيضاعف أعداد القتلى والخسائر في صفوف قوات العدو.
وفضلاً عما سبق كلّه، يظهر أن المقاومة تمتلك قدراً كبيراً من القذائف المضادة للدروع المصنّعة محلياً، ما يعني أن الرهان على الوقت لزيادة استنزاف الذخائر، هو رهان خائب، كما أن الكتلة العددية من المقاومين التي تشارك في القتال، لا تزال في حدودها الدنيا.



ليلة ثقيلة أخرى على غزّة
فيما يراوح العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مكانه، وسط تصدّي المقاومة لمحاولات التقدّم البرّي، شنّ العدو، مساء أمس، حملة قصف جوّي ومدفعي وبحري مكثّفة وغير مسبوقة في اتجاه مختلف مناطق القطاع، طاولت مناطق سكنية مأهولة تعذّر على طواقم الإسعاف الوصول إليها بسبب قطع تام لشبكة الاتصالات والإنترنت من قِبَل الاحتلال.
وبينما وصلت أعداد كبيرة من الجرحى والشهداء إلى مستشفى «الشفاء» في قطاع غزة، والذي تعرّض هو الآخر للقصف أيضاً، خرج الناطق باسم جيش العدو ليعلن عن «شنّ هجوم واسع»، بذريعة أن «حماس تستخدم المساعدات المقدّمة للمستشفيات».
وجاءت عمليات القصف تلك، والتي كانت عبارة عن أحزمة نارية عنيفة تركّزت على مفترقات الطرق في مدينة غزة، وهي السرايا والرمال وشارع الوحدة، واشتملت على إطلاق قنابل دخانية وقنابل مضيئة، بالتزامن مع اشتباكات عنيفة دارت على محورين قرب مدينة غزة. وفي السياق، تحدّث مراسل قناة «فوكس نيوز» المرافق لقوات جيش العدو المتوغّلة، عن وقوع قوة إسرائيلية في كمين للمقاومة، مشيراً إلى مقتل «أكثر من 20 جندياً»، بينما كانوا يحاولون «الوصول إلى البحر»، وذلك بهدف «قطع الجزء الشمالي من غزة عن الجزء الجنوبي».
وفي حين كانت «كتائب القسام» تواصل تدمير آليات العدو وتجهز على عدد من جنوده داخل القطاع، تابعت استهداف الأراضي المحتلة رداً على المجازر بحق المدنيين، مطلقةً رشقات صاروخية اعترف إعلام الاحتلال بسقوط بعض منها على أهدافها، بعدما فشلت «القبة الحديدية» في اعتراضها.