بغداد | لم يجد رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، العالق عند تقاطع النيران بين أميركا من جهة، وفصائل المقاومة في بلاده من جهة أخرى، مفرّاً من الخروج في جولة إقليمية باحثاً عن حلّ لمشكلته الداخلية التي استفحلت بصورة إضافية، بعد دخول عامل تظاهرات «التيار الصدري» عليها. ومن الطبيعي أن تكون إيران المحطّة الأولى في هذه الجولة، باعتبارها أحد أطراف الصراع الكبير الدائر حالياً بين محور المقاومة من جهة، وإسرائيل والولايات المتحدة والغرب من جهة ثانية. وستعقب زيارة السوداني لطهران زيارات لكلّ من الكويت والسعودية ومصر وتركيا، وذلك غداة لقائه في بغداد، وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي طلب منه إيقاف هجمات فصائل المقاومة العراقية بالطائرات المُسيّرة والصواريخ على القواعد العسكرية التي تضمّ جنوداً أميركيين في سوريا والعراق. وكانت زيارة بلينكن قد قوبلت بغضب شعبي عراقي عارم، عبّرت عنه فصائل المقاومة المنخرطة في العمليات ضدّ الأميركيين، إلى جانب تظاهر الآلاف من أنصار «التيار الصدري» بطلب من زعيمهم، مقتدى الصدر، في «ساحة التحرير» في بغداد، حيث ندّدوا بالزيارة وأحرقوا صوراً للرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وطالبوا بإغلاق سفارة الولايات المتحدة، وطرد السفيرة آلينا رومانوسكي من العراق.وجدّد السوداني، خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، بعيد وصوله إلى طهران، موقف العراق الثابت تجاه القضية الفلسطينية، والذي عبّرت عنه المرجعية العليا والقوى السياسية والوطنية. واعتبر أن «من يريد احتواء الصراع ومنع انتشاره في المنطقة عليه إيقاف عدوان الكيان الصهيوني. فقرار جرّ المنطقة إلى حربٍ شاملة تهدّد السلم الأهلي والأمن فيها وفي العالم، هو بيد الطرف الذي يُمارس العدوان على غزة». وأكّد أن «العراق يلعب دوراً ويتواصل مع دول المنطقة من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة»، مضيفاً «أننا نعمل بكلّ جدّ على فتح الممرات الإنسانية، والعراق أرسل قوافل من المساعدات إلى أهالي غزة».
وتعليقاً على ذلك، يرى قيادي في «الإطار التنسيقي» أن «زيارة السوداني المفاجئة لطهران، تحمل عدّة رسائل، لكنّ أهمها هو الطلب من الإيرانيين الضغط على فصائل المقاومة من أجل وقف هجماتها ضد القواعد العسكرية الأميركية، ولا سيما أن هناك تحذيرات وصلت إلى السوداني من واشنطن بقصف مقارّ تابعة للفصائل على الحدود العراقية أو في سوريا». ويعتقد القيادي، الذي رفض الكشف عن هويته، في حديث إلى «الأخبار»، أن «ذهاب السوداني إلى طهران في هذا التوقيت، ولقاءه القيادات الإيرانية الرفيعة المستوى، يعكسان خطورة التصعيد في المنطقة»، مضيفاً ان «أمراء وملوك الخليج يدركون جيداً حجم الضرر في حال توسّع الحرب». ويكشف أن «هذه الزيارات جاءت بناءً على سلسلة اجتماعات عقدها السوداني مع قيادات الإطار، لبحث مردودها الإيجابي على سمعة العراق وحكومته. ولهذا، الهدف من الزيارات الإقليمية تأكيد موقف العراق من القضية الفلسطينية الراسخ منذ سنوات».
ذهاب السوداني إلى طهران في هذا التوقيت يعكس خطورة التصعيد في المنطقة


من جانبه، يرى عضو لجنة العلاقات الخارجية النيابية، عامر الفائز، أن «العراق يُعدّ الآن محوراً مهماً في معالجة المشكلات الحاصلة في المنطقة. ولهذا، فإن رئيس الحكومة، مع بداية حرب غزة، لم يبقَ مكتوف اليدين، بل يسعى لوقف إطلاق النار والتشاور مع الدول لغرض إرسال المساعدات الإنسانية إلى هناك». ويقول الفائز، لـ«الأخبار»، إن «العراق بات مؤهّلاً للعب دور الوساطات بين الدول، والتأثير عليها»، مضيفاً ان «زيارة السوداني لإيران ومن ثمّ لدول إقليمية أخرى، هي في إطار التهدئة واتخاذ موقف حقيقي لوقف الحرب في غزة، وكذلك ربما ستكون هناك لجنة عربية مشتركة لفضّ النزاعات بين الدول». وبحسب الفائز، فإن لقاء وزير الخارجية الأميركي مع السوداني كان «لغرض تخفيف الصراع في المنطقة، مع الاتفاق على ضرورة عدم التعرّض للمصالح الأميركية».
في السياق نفسه، يرى المحلّل السياسي، وائل المسعودي، أن «السوداني يعمل للتهدئة، فضلاً عن إبعاد العراق عن ساحة الحرب، ولا سيما بعد تصعيد محور المقاومة ضد الأميركيين». ويرجّح أن زيارات السوداني المقبلة سيكون هدفها واحداً، وهو وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، معرباً عن اعتقاده بأن «العراق سينجح من خلال جولات رئيس حكومته في التهدئة ولو بشكل مؤقّت، فضلاً عن إرسال المساعدات بالاتفاق مع دول أخرى عربية».
وبشأن تصعيد الفصائل، يشير المسعودي إلى أن «بعض الفصائل، ولا سيما كتائب حزب الله والإمام علي والنجباء لم تلتزم بكلام السوداني. ولهذا، فالهجمات ستبقى مستمرّة طالما أن التصعيد في غزة مستمرّ، فضلاً عن أن الضغط سيكون أقوى على الحكومة والبرلمان لإخراج القوات الأميركية وإغلاق السفارة».
إلى ذلك، ومع عودة السوداني من طهران، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق» أنها استهدفت، أمس، أربع قواعد للاحتلال الأميركي بستّ هجمات، ثلاث منها على قاعدة عين الأسد غرب العراق، وواحدة على قاعدة الاحتلال قرب مطار أربيل واثنتان على قاعدتَي تل البيدر والتنف في سوريا، مضيفة في بيان انه «تمّ استعمال الأسلحة المناسبة في الهجمات التي أصابت أهدافها بشكل مباشر».