رام الله | لا تفتأ شهوة الانتقام والإرهاب تتأجّج في نفوس قادة الاحتلال، ربّما من جرّاء شعورهم بالهزيمة التي باتت تلاحق مؤسّستهم العسكرية وجنودهم، منذ عملية «طوفان الأقصى». وعلى هذه الخلفية، يمارس العدو ومستوطنوه عمليات تنكيل جماعية، تتصدّرها الاقتحامات المتلاحقة لمنازل الفلسطينيين، وعمليات الاعتقال من البيوت وعلى الحواجز العسكرية، والتي طغت عليها مشاهد التعذيب والتهديد بالقتل، وأحياناً بالاغتصاب. ففي الـ 26 من تشرين الأول الماضي، اعتَقلت قوات الاحتلال الكاتبة لمى خاطر من مدينة الخليل، واحتجزتها بداية في مستوطنة «كريات أربع» المقامة على أراضي الخليل، حيث تعرّضت لتهديدات من أحد الضباط باغتصابها. وفي تفاصيل ما جرى، قال المحامي المختصّ بقضايا الأسرى، حسن عبادي، في تصريحات صحافية، إن خاطر تعرّضت لانتهاكات خطيرة، ومنها تهديدها من أحد ضباط استخبارات الاحتلال بـ«الاغتصاب»، إذ قال لها: «معي 20 جندياً، بدنا نغتصبك (...) بدّي اعتقل أولادك وأحرقهم. أنتم أسرى حرب وبيطلعلنا نعمل فيكم شو بدنا». كما حُرمت خاطر، في سجن «عوفر»، من مياه الشرب، وعانت من القيود البلاستيكية التي وضعتها قوات الاحتلال في يديها، قبل أن تنقلها إلى سجن «الشارون» وتحتجزها في زنزانة لا تتوفّر فيها أيّ مقوّمات الحياة، ومن ثمّ تعرّضها على أيدي السجينات لـ«التفتيش العاري».وبالمجمل، طاولت الاعتقالات، منذ السابع من تشرين الأول الماضي، أكثر من 60 امرأة، غالبيتهنّ جرى الإفراج عنهنّ لاحقاً، بعد اعتقالهنّ كرهائن للضغط على أولادهن أو أقاربهن لتسليم أنفسهم، وارتُكبت بحقهنّ جملة من الجرائم من خلال اقتحام منازلهنّ بطريقة وحشية، حيث جرى استخدام أنواع السلاح كافة ضدّهن، بما في ذلك الكلاب البوليسية. لا بل إن قوات الاحتلال وجّهت إليهنّ تهديدات بقتل أبنائهنّ، واستخدمت ألفاظاً نابية في حقّهنّ، فضلاً عن تنفيذها عمليات تخريب وتدمير واسعة لمنازلهنّ. وكانت من بين مَن تمّ اعتقالهنّ: أسيرات سابقات، وأمهات لأسرى، وطالبات جامعيات، ونساء مسنّات، وطفلات.
وفي الرابع من تشرين الثاني الجاري، سلّمت قوات الاحتلال جثمان الشهيد وسيم عياش، وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد اختفائه ليومين، إلى أهله في بلدة رافات في محافظة سلفيت، وقد ظهرت عليه علامات تعذيب، ليتبيّن لاحقاً أنه استشهد إثر التعذيب في أحد معتقلات الاحتلال. ومساء ذلك اليوم، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية عن استشهاد عاملَين من قطاع غزة في معسكرات الاعتقال التي أقامها الاحتلال في مواقع عسكرية تابعة للجيش في الضفة الغربية المحتلّة، من دون الإتيان على الظروف والأسباب التي أدّت إلى استشهادهما.
عمليات الانتقام هذه لم يَسلم منها أيضاً الأسرى في السجون، بمَن فيهم الأطفال والأشبال، إذ قالت «هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين» إن سلطات الاحتلال، منذ بدء الحرب على قطاع غزة، كثّفت انتقامها من الأسرى، عبر تعذيبهم، مستغلّةً انشغال الرأي العام بالعدوان على القطاع. كذلك، فرضت قوات الاحتلال عقوبات على الأشبال، متناسيةً صغر سنهم ووضعهم النفسي، فقامت بعزلهم كليّاً عن ذويهم وعن العالم الخارجي، ومنعتهم من التواصل عبر الهاتف، كما منعت عنهم الزيارات ولقاءات المحامين. أيضاً، سحبت كل الأجهزة الكهربائية، من تلفزيونات وثلاجات وسخانات مياه وبلاطات أكل وراديو، من الأقسام، إلى جانب إخلائها الغرف من الطعام والطاولات والكراسي وإغلاقها «الكانتين»، فيما كثّفت من اعتداءاتها بالضرب والتعذيب عند الاعتقال والتحقيق، إذ تعرّض معظم الأشبال لضرب مبرّح بالأيدي والأرجل وأعقاب البنادق، وضُربت رؤوسهم بالحائط، فضلاً عن التحقيق معهم لساعات طويلة، وتهديدهم بالاعتداء على ذويهم لإجبارهم على الاعتراف بأمور لم يقوموا بها أصلاً.
عمدت قوات الاحتلال الخاصة إلى اغتيال أربعة من قادة المقاومة في طولكرم عصر أمس


من جهتها، وثّقت «هيئة الأسرى» تفاصيل اعتداء وحشي تعرض له الأسير (ع. د.) من مدينة رام الله، أثناء اعتقال جنود الاحتلال له، حيث اقتحموا منزله وعمدوا الى تكسير كل محتوياته، وضربه بشكل وحشي، ما أدّى إلى إصابته بكدمات قوية في مختلف أنحاء جسمه، وتورّم عينيه، بالإضافة إلى سيلان الدم من يديه بسبب إحكام المرابط البلاستيكية عليهما، وتعمّد الجنود ضربه بلا توقّف منذ لحظة اعتقاله، حتى وصوله إلى سجن «عوفر». ولم يقتصر التعذيب على الأسرى، بل طاول أيضاً عمّال غزة، الذين تعرّضوا لأصناف تنكيل غير مسبوقة، بما في ذلك تركهم عراة لأيام من دون طعام أو مياه، وتعذيبهم بالضرب والكيّ بالنار والصعق الكهربائي، وتعريضهم للتحرّش الجنسي وتعمّد إهانتهم عبر التبوّل عليهم، في حين رفض المشغلون الإسرائيليون دفع أيّ مستحقّات مالية لهم، واعتدى بعضهم على العمّال جسديّاً ونفسيّاً، بما في ذلك البصق على وجوههم وإهانتهم. وفي هذا الإطار، نقل «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان»، شهادات مروّعة عن التعذيب الوحشي والممارسة الصادمة في حقّ هؤلاء، ومنها ما يتعلّق باستشهاد العامل، منصور نبهان ورش أغا، من سكان شمال القطاع، جراء «التعذيب والضرب المبرح». وبدا العمّال المُطلَق سراحهم في حالة يرثى لها، وإعياء شديد جرّاء ظروف احتجازهم القاسية، والتعذيب الشديد الذي تعرّضوا له على مدار الأسابيع الماضية. ومنذ عملية «طوفان الأقصى»، يتداول المستوطنون على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو وهم ينكّلون بعمّال من قطاع غزة بطرق بشعة، أو يمثّلون بجثث مقاومين في منطقة «غلاف غزة». أيضاً، نقل المرصد شهادة (أ. س.)، البالغ من العمر 62 عاماً، والذي قال: «احتجزونا لمدّة عشرة أيام كاملة تعرّضنا خلالها للتحقيق القاسي. طلبوا منّا معلومات حول الفصائل الفلسطينية، ومَن كان يقول لهم إنه ليس لديه تفاصيل كانوا يضربونه بشدّة ومن دون رحمة. أنا مريض سكري وضغط، ولديّ ديسك في ظهري، منعوا عني الدواء طوال هذه المدّة، وأبقونا لفترات طويلة من دون طعام، الأمر الذي كان يتسبّب بتدهور حالتي الصحية وحرق السكر لديّ. وصلت إلى مكان نزوح عائلتي وسط قطاع غزة غير قادر على الحركة بعد المشي لمسافات طويلة مكبّل القدمين واليدين إلى الخلف ومعصوب العينين».
في هذا الوقت، لا يزال المشهد الميداني في الضفة مشتعلاً من شماله إلى جنوبه؛ ولعلّ الحدث الأبرز تمثّل في اغتيال قوات الاحتلال الخاصة أربعة من قادة المقاومة في طولكرم، عصر أمس، بعد إطلاق النار على مركبتهم التي كانوا يقودونها عند مدخل المخيم. وبحسب المصادر المحلية، فإن هذه القوات كمنت في مركبة عمومية، ولدى مرور المركبة التي يستقلّها المقاومون، أطلقت أكثر من 100 رصاصة عليهم، ما أدّى إلى استشهاد كل من: مؤمن سائد بلعاوي (20 عاماً)، عز الدين رائد عواد (25 عاماً)، جهاد مهراج شحادة (22 عاماً)، وقاسم محمد رجب (20 عاماً).
بالتوازي مع ذلك، شهدت مدينة القدس المحتلّة عملية طعن نوعية قرب مركز شرطة باب الساهرة نفّذها فتى لم يتجاوز الـ 16 عاماً من بلدة العيساوية، أسفرت عن مقتل مجنّدة في حرس الحدود، وإصابة مجنّد بجروح متوسطة، قبل أن يرتقي المنفّذ شهيداً. وفي بلدة حلحول في محافظة الخليل، استشهد الشاب محمود الأطرش (20 عاماً)، وأصيب 3 آخرون بجروح وصفت بالخطيرة، برصاص الاحتلال الإسرائيلي، خلال المواجهات التي اندلعت في البلدة عقب اقتحامها. وشهدت مدن وبلدات الضفة اقتحامات واسعة، فجر أمس، من قِبَل قوات الاحتلال لتنفيذ عمليات اعتقالات، طاولت أكثر من 50 مواطناً، وتصدّى لها الشبان والمقاومون، لتُسجَّل العشرات من نقاط الاشتباك المسلّح والمواجهات.