فرضت أجواء الحرب أجندتها على ما عداها. مشاهد تموز 2006 لا تزال حاضرة في ذهن من عايش الـ 33 يوماً من التدمير والحصار. ورغم تهديد العدوّ المستمر للبنان بالدمار، و«إعادته خمسين سنة إلى الوراء»، غابت أجهزة الدولة الرسمية من وزارات وإدارات عامة عن التخطيط لإنشاء جبهة داخلية حقيقية أبعد من المؤتمرات الصحافية، وانشغلت السلطة السياسية بتعبئة وقت الفراغ السياسي بوضع تقارير وخطط على ورق من دون معرفة حجم العمل المطلوب على الأرض.من جهتها، البلديات، خصوصاً في المناطق المستهدفة بأيّ حرب، ولا سيما في الضاحية الجنوبية، تجهّز نفسها لأي طارئ مستفيدة من دروس عدوان تموز قبل 17 عاماً، وتنشئ ما يشبه جبهةً داخليةً توزع فيها الأدوار وفقاً للإمكانيات، وخصوصاً بعدما تبيّن «عدم استعداد لبنان، على المستوى الرسمي، لحرب على صورة ما يجري في غزة اليوم، أو حتى حرب مشابهة لتموز 2006»، وفق تأكيد مسؤول بلدي.
ويتمحور عمل البلديات في حال اندلاع أي مواجهة مع العدو الإسرائيلي حول أمرين: الأشغال العامة من رفع أنقاض وصيانة وفتح طرقات، والثاني، «الأخطر»، يتعلق بإدارة ملف النزوح.
«المعدات الثقيلة الخاصة برفع الأنقاض نقلت إلى أماكن آمنة استعداداً لأي طارئ»، وفق مسؤول بلدي في الضاحية، كما باشرت فرق من البلديات استطلاع الأماكن التي يمكن استخدامها لإيواء النازحين داخل نطاق الضاحية الجنوبية وخارجها بالتنسيق مع بلديات المناطق المجاورة، من دون تحديد عناوين تجنّباً لوقوع مشاكل ذات طابع سياسي. وحول دور البلديات في العمل على ملف إيواء النازحين، أشار عضو اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية أحمد حاطوم إلى «المساعدة فقط، فهذا دور الإدارات الرسمية من وزارات وحكومة، إلا أنّ الدولة كلّها في حالة غيبوبة الآن».
«الضاحية الجنوبية ليست بحاجة إلى خطط جديدة»، بحسب حاطوم، بل إلى «زيادة الاستنفار والحيطة والحذر». بلديات المنطقة، منذ عام 2006، تخرج من كارثة لتدخل في أخرى، فما إن انتهت حرب تموز وورشة إعادة الإعمار حتى بدأت موجة التفجيرات، ومن بعدها أتت جائحة كورونا، وبالتالي «فرق العمل في حالة تأهب دائم». وحول البلديات المعنية مباشرةً، ذكر حاطوم «برج البراجنة، حارة حريك والغبيري»، أما البلديات المحيطة بالضاحية من الشياح والحدت وفرن الشباك والدكوانة والشويفات، فيجري التنسيق معها بشكل دائم، وفي حال حصول أيّ طارئ يفعّل التعاون أكثر. وعن دور الدولة في المساعدة على إدارة «خطة الحرب»، أكد أن «الضاحية تقلّع شوكها بيديها، والأجهزة الرسمية لا تحضر إلا على مستوى التعاميم التي ترسل على مدّ عينك والنظر من الوزارات والمحافظة». البلديات تتولى كلّ شيء في منطقة ناهز عدد سكانها المليون نسمة، وتعمل بـ«الممكن والمتوافر».


النزوح في الضاحية
بعد نحو شهر على عملية «طوفان الأقصى» وبدء الحرب العدوانية على قطاع غزو، لا يزال النزوح «محدوداً جداً» من الضاحية، بحسب عضو اتحاد بلديات الضاحية أحمد حاطوم. المنطقة الأكثر استهدافاً في حرب تموز 2006 ليست «بلوكاً واحداً»، فـ«الناس لم تخرج من كل أحياء الضاحية خلال عدوان تموز، بل حسب المكان المستهدف»، مشيراً إلى أن من غادروا عدد قليل جداً ممن يمتلكون منازل في مناطق قريبة مثل قرى جبل لبنان المحيطة.


بلديات الجنوب: نستعد منذ 15 سنة
تستعد البلديات الجنوبية، ولا سيّما المحاذية للحدود الفلسطينية المحتلّة، لتكرار مشهد تموز 2006 منذ عام 2009، بحسب رئيس اتحاد بلديات جبل عامل علي الزين. ولهذه الغاية، تمّ العمل على تجهيز 187 سيارة إسعاف، تغطي كامل بلديات المنطقة، 38 آلية إطفاء تابعة للبلديات، إضافة الى عدد من آليات مكافحة الحرائق تتبع للجمعيات الأهلية العاملة في المنطقة. وفي مواجهة «نقطة الضعف الأساسية في المناطق الجنوبية»، المتعلقة بقدرة العدو على عزلها عبر قصف الطرقات، جهّز الاتحاد 9 آليات قادرة على رفع أوزان تصل إلى 20 طناً، مع فرق عمل متخصّصة بغية المساعدة في أعمال الإنقاذ عند وقوع أيّ طارئ.
وعلى مستوى التنسيق، أشار الزين الى «وجود غرفة عمليات مشتركة بين البلديات والجهات الفاعلة في المنطقة قادرة على تنسيق جهود فرق العمل بين مختلف البلديات، وتشارك فيها جهات رسمية مثل الدفاع المدني، وجهات ذات طابع دولي مثل الجمعيات الأهلية والصليب الأحمر».