يُظهر عدد شاحنات المساعدات التي يجري إدخالها من تركيا إلى سوريا، تراجعاً ملحوظاً مقارنة بالفترات السابقة، وسط توقّعات باستمرار هذا التراجع، في ظلّ تخفيض الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ودول في الاتحاد الأوروبي تلك المساعدات بنسبة وصلت حتى الآن إلى نحو 60%. ويأتي ذلك بعد أقلّ من أربعة أشهر على خوض واشنطن معركة دبلوماسية في أروقة مجلس الأمن لعرقلة مشروع قرار روسي يهدف إلى تعزيز مشاريع «التعافي المبكر»، وتحقيق التوزيع العادل للمساعدات، بذريعة أن المشروع الروسي «يعرقل» وصول المعونة إلى مئات آلاف السوريين المحتشدين في مخيمات عشوائية قرب الشريط الحدودي مع تركيا. كما يأتي بعد أقلّ من ثلاثة أشهر على تقديم دمشق رخصة سيادية تسمح بإدخال المساعدات من دون شروط لمدّة ستة أشهر.
وبحسب إحصاءات نشرها «فريق منسّقي الاستجابة»، فإن عدد الشاحنات التي دخلت إلى سوريا لم يتجاوز 155 شاحنة في شهر تشرين الأول الماضي، مقارنة بـ257 شاحنة دخلت في شهر أيلول الفائت، مرّت عبر معبرَين من أصل ثلاثة معابر سمحت سوريا باستعمالها. وسجّل تشرين الأول انخفاضاً في دخول الشاحنات عبر معبر باب الهوى في إدلب، حيث عبرت 126 شاحنة فقط، بانخفاض وصل إلى نحو 86%، مقارنةً بما سجّله الشهر الذي سبقه. أما معبر باب السلامة في ريف حلب، فسجّل عبور 29 شاحنة فقط، في حين لم يسجّل معبر الراعي في ريف حلب أيّ نشاط بهذا الخصوص.

ظهر بلينكن وهو يرتدي سترة واقية خلال جولة ميدانية في العراق (أ ف ب)

وخلال مداولات مجلس الأمن في شهر تموز الماضي، مع انتهاء مفاعيل القرار الذي يسمح بتمرير المساعدات عبر الحدود، ركّزت دمشق وموسكو على مسألة انخفاض كمية المساعدات بشكل غير مسبوق، الأمر الذي يقضي بضرورة تنشيط مشاريع «التعافي المبكر» التي تسمح بتأهيل البنى التحتية اللازمة لعودة النازحين واللاجئين، ما يعني ضرورة استدامة المساعدات المتوافرة. إلا أن واشنطن رفضت ذلك المقترح لمعارضتها عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم، كونها تعني انتفاء إمكانية استعمالهم كورقة ضغط سياسية معتادة. وكانت كثّفت الولايات المتحدة ضغوطها على الأردن ولبنان، وتمكّنت - حتى الآن - من عرقلة خطة تشارك فيها «جامعة الدول العربية»، تهدف إلى فتح الباب أمام عودة اللاجئين من دول الجوار، الأمر الذي وضع اللاجئين السوريين أمام ضغوط جديدة وغير مسبوقة في ظلّ تدنّي المساعدات من جهة، والضغوط التي تعانيها الدول المستضيفة، والتي تضاعفت مع العدوان الإسرائيلي على غزة.
وفي وقت لم يعد فيه الملفّ الإنساني السوري يشكّل أولولية للولايات المتحدة وحلفائها، تضاعف الاهتمام الأميركي بتحصين القواعد غير الشرعية في الشمال الشرقي من البلاد، وفي منطقة التنف جنوباً، حيث استقدمت واشنطن ثلاث قوافل عسكرية خلال الأيام العشرة الماضية. وتضمّنت تلك القوافل معدات وأسلحة وعربات قتالية تمّ توزيعها على القواعد التي تتعرّض منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، وإعلان الولايات المتحدة دعمها المطلق لحرب الإبادة القائمة، لهجمات متواصلة من فصائل المقاومة، آخرها هجومان استهدف أحدهما قاعدة «تل بيدر» في الحسكة، والآخر قاعدة «كونيكو» في ريف دير الزور. ويأتي تصاعد هذه الهجمات، وتطوّر نوعيتها، على رغم التحصينات الأميركية والتحرّكات السياسية الموازية، ومن بينها زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، للعراق، حيث ظهر وهو يرتدي سترة واقية خلال جولة ميدانية، في وقت تتكتّم فيه بلاده عن خسائرها الحقيقية من جرّاء تلك العمليات.
في هذا الوقت، وفي سياق الحرب الإعلامية الموازية للحرب على غزة، كثّفت وسائل إعلام، خلال الأسبوع الماضي، عمليات رصد نشاط الطائرات الإيرانية التي تحطّ في سوريا، والتي حُوّل مسارها إلى مطار اللاذقية الدولي بعد تعرّض مطارَي دمشق وحلب لاعتداءات إسرائيلية أخرجتهما من الخدمة. وبدت واضحة محاولة ربط حركة الطائرات الإيرانية بفتور العلاقة بين روسيا وإسرائيل، جرّاء موقف موسكو من العدوان على غزة، وإدانتها المستمرة للاعتداءات التي تشنّها دولة الاختلال على سوريا. ووصل فتور علاقتهما إلى مرحلة متقدّمة تجاهلت خلالها إسرائيل «آلية الاتصال» التي تنظّم حركة الطائرات لمنع التصادم، حيث أكّدت موسكو صحة التسريبات التي نشرتها شبكة «بلومبيرغ» الأميركية حول توقف «الخط الساخن» الروسي - الإسرائيلي، وفق تصريحات نقلتها وكالة «تاس» الروسية عن نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، الذي قال إن الغارات الإسرائيلية على مطارَي دمشق وحلب كانت «مفاجأة كاملة لنا»، وفق تعبيره. وفي السياق نفسه، أكّدت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أنّ «الغارات الإسرائيلية المتواصلة على الأراضي السورية تعقّد الوضع بشكل جدّي»، مضيفةً، خلال مؤتمر صحافي، أن «المناورات العسكرية الأميركية الاستفزازية في شرق البحر الأبيض المتوسط تولّد تأثيراً مزعزعاً لاستقرار الوضع في الشرق الأوسط».
تأتي التصريحات الروسية الجديدة حول النشاط الإسرائيلي والأميركي لتعيد التذكير بالدور الذي تلعبه واشنطن في تسهيل الاعتداءات الإسرائيلية


وتأتي التصريحات الروسية الجديدة حول النشاط الإسرائيلي والأميركي، لتعيد التذكير بالدور الذي تلعبه واشنطن في تسهيل الاعتداءات الإسرائيلية، والتي تمّ بعضُها عبر منطقة «التنف» من فوق القاعدة الأميركية غير الشرعية، علماً أن هذه الأخيرة تؤكد موسكو ودمشق ارتباطها بنشاط تنظيم «داعش» في البادية السورية، عبر تقديم الدعم لمقاتلي التنظيم الذين رفعوا وتيرة هجماتهم بشكل واضح خلال الأسبوعين الماضيين. كذلك، تحمل التصريحات الروسية إشارة غير مباشرة إلى أن النشاط الإسرائيلي الجوي هو الذي تسبّب بإسقاط الدفاعات الجوية السورية طائرة روسية عن طريق الخطأ، أثناء التصدّي لاعتداء كانت تنفّذه طائرة إسرائيلية اختبأت وراء مسار طائرة روسية عام 2018.
ميدانياً، تتابع القوات السورية والروسية المشتركة عمليات استهداف نشاط مقاتلي «هيئة تحرير الشام» والفصائل التابعة لها، وبشكل خاص عناصر «الحزب الإسلامي التركستاني» و«أنصار التوحيد» الذين ينتشرون على طول الشريط الفاصل بين مواقع انتشار الجيش السوري ومواقع سيطرة الفصائل في الشمال الغربي من البلاد. وفي هذا السياق، نُفّذت سلسلة استهدافات أكّد مصدر ميداني، تحدّث إلى «الأخبار»، أنها حقّقت إصابات مباشرة، فيما تمّ تدمير نقطة كانت تُستعمل لإطلاق القذائف، وإسقاط عدد من الطائرات المُسيّرة في حلب وريف اللاذقية وريف حماة. وأعلنت وزارتا الدفاع السورية والروسية، أخيراً، حصيلة «العمليات المشتركة» التي تمّ تنفيذها ضدّ مواقع الفصائل المتشدّدة، منذ ما بعد المجزرة التي شهدتها الكلية الحربية في حمص في الخامس من الشهر الماضي، وحتى السادس من الشهر الحالي. و«أدّت هذه العمليات إلى تدمير جميع المواقع والمقرّات المستهدفة، ومن ضمنها مستودعات الذخيرة والعتاد، والقضاء على مئات الإرهابيين التابعين لما تسمّى "هيئة تحرير الشام" و"الحزب الإسلامي التركستاني" وغيرهما من التنظيمات الإرهابية، وإلى شلّ القدرات القتالية والتنظيمية للإرهابيين»، بحسب ما أفاد به مدير «الإدارة السياسية» في الجيش السوري، اللواء حسن سليمان، خلال مؤتمر صحافي سوري - روسي مشترك. كذلك، ذكر رئيس مركز «التنسيق الروسي في دمشق والمنطقة الوسطى»، اللواء فاديم كوليت، أن العمليات المشتركة «شملت تنفيذ أكثر من 230 غارة جوية من قِبل الطيران الروسي، وتنفيذ أكثر من 900 مهمة نارية من قِبل المدفعية الروسية والسورية على مواقع للتنظيمات الإرهابية تمّ خلالها القضاء على أكثر من 630 إرهابياً، بينهم 34 من المتزعّمين، و15 خبيراً من جنسيات أجنبية، وإصابة 450 آخرين، وتدمير 1125 هدفاً شملت 467 نقطة وأسلحة وأعتدة للإرهابيين، بينها 153 مركبة».