رام الله | خلف طاولة مستطيلة، مليئة بالبنادق الرشاشة الحديثة، وقف وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، مساء أول من أمس، في مستوطنة «كريات ملاخي» جنوب فلسطين المحتلّة، وإلى يمينه ويساره ضباط من الشرطة والأمن، وهم يستقبلون المستوطنين لتسليمهم أسلحة آلية. والمعروف أنّ بن غفير يقود منذ مدّة حملةً لتسليح المستوطنين، وهو شرعَ، مع بدء العدوان على غزة، بتوزيع الآلاف من قطع السلاح عليهم في المستوطنات الشمالية والساحلية، وفي المناطق والمدن المختلَطة، على اعتبار أن هذه السياسة، وفقاً لما يقول، «مهمّة، وأَثبتت جدواها في الدفاع عن المستوطنين وعن إسرائيل». والوزير نفسه، كان قد أعلن، في الـ13 من تشرين الأول الماضي، أنه اشترى نحو أربعة آلاف قطعة سلاح، من أصل 20 ألفاً ستُشترى في الأيام المقبلة، وذلك بعدما وزّع ألفَي قطعة سابقاً. حتى أن بن غفير بدا منتشياً، في تغريدة له عبر موقع «إكس»، يوم أمس، أرفقها بصورة للمستوطنين، وهم يتدرّبون على إطلاق النار، بعنوان «إسرائيل تتسلّح»، لافتاً إلى أن هناك «مئات الآلاف من طلبات الحصول على رخص سلاح شخصية، وصلت إلى قسم الأسلحة النارية، وعشرات آلاف الرخص المشروطة والرخص الفعلية لحيازة سلاح شخصي صدرت، ومئات الفرق الاحتياطية في مختلف أنحاء البلاد، وعشرات التسهيلات والتعديلات التي أُجريت».
ويُعدّ تسليح المستوطنين إحدى ركائز رؤية بن غفير واليمين الفاشي، كونه يسمح بشنّ هجمات دامية ضدّ الفلسطينيين. وتمكّن الوزير اليمينيّ المتطرّف، لدى انضمامه إلى حكومة بنيامين نتنياهو، من إنشاء ما سُمّي «الحرس الوطني»، الذي ارتفعت معه معدّلات منْح تراخيص السلاح، في أعقاب إدخال تعديلات على متطلّبات التراخيص. ووفقاً لتلك التعديلات، فقد بات في مقدور حوالى 400 ألف مستوطن إضافي، التقدّم بطلب الحصول على رخصة سلاح (تصل مدّتها إلى 20 عاماً)، بعدما أتاحت التعديلات لكلّ مستوطن خدم في الجيش، ويزيد عمره على 21 عاماً، الحقّ في الحصول على شهادة «مقاتل».
يُخشى في دوائر صنع السياسات الأميركية، من تصاعُد العنف في الضفة وانفلاته، ما يُفقد سرديّة «الحرب على حماس» جوهرها


كما تشمل التسهيلات، جميع المستوطنين الذين يقطنون الأراضي الفلسطينية المحتلّة عام 1967، إذ إن كلّاً منهم - حتى لو لم يخدم في الجيش - يمكنه التقدُّم بطلب الحصول على رخصة لحمل السلاح، فضلاً عن المهاجرين الجدد، والذين سيُسلَّحون مباشرة، وكذلك فرق التطوّع بالإسعاف (نجمة داود الحمراء)، وفرق الإطفاء والإنقاذ. وتجدر الإشارة إلى أنه، منذ بدء العدوان على غزة، تمّ تلقّي 174 ألفاً و453 طلباً للحصول على رخص لحمل السلاح، وفقاً لما أفاد به الموقع الإلكتروني لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، نهاية الشهر الماضي. أيضاً، قرّرت إسرائيل، عقب عملية «طوفان الأقصى»، تشكيل حوالى 600 فرقة أمن «مدنيّة»، وتسليحها تحت رعايتها، في ما مثّل خطوة أولى متقدّمة على طريق إنشاء ما لا يقلّ عن 1800 فرقة أمن.
إزاء ذلك، بدأ يدور حديث في وسائل الإعلام الأميركية عن خشية المشرّعين ومسؤولي وزارة الخارجية من تسلُّل بعض الأسلحة التي أعلنت واشنطن نيّتها بيعها لتل أبيب، إلى أيدي المستوطنين. ولعلّ هذا ما يفسّر إعراب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي غادر الأراضي المحتلّة وهو يؤكد رفْضه وقف إطلاق النار في غزة، عن قلق بلاده من تصاعد «عنف المستوطنين» في الضفة الغربية (من قتل، وحرق لقرى وبلدات بكاملها، وتهجير)، والذي من شأنه، في حال استمراره وانفلاته، أن يُفقد سرديّة «الحرب على حماس» جوهرها، كلّما تفتّحت غريزة الانتقام في غير محلّها، إلى جانب تداعياته الأمنية والسياسية الخطيرة على دولة الاحتلال ودول الجوار على السواء.
إلّا أن هذا القلق الأميركي من تصاعد العنف، والذي وصفه بلينكن بـ«المزعزع للاستقرار بشكل لا يصدّق»، حاثّاً إسرائيل على وقْفه، لن تكون له بالضرورة أيّ مفاعيل، كما لن يتطوّر إلى عقوبات أو ضغوط، في ظلّ استمرار تسليح المستوطنين، وتدفّق السلاح الأميركي إلى مخازن تل أبيب. وكانت إسرائيل قد تقدّمت، أخيراً، بطلب إلى صانعي السلاح الأميركيين، لشراء بنادق نصف آلية وآلية، تبلغ قيمتها 34 مليون دولار. ومع أن بيع هذه الأنواع من الأسلحة يتطلّب موافقة وزارة الخارجية الأميركية، التي تسودها بلبلة في خصوص تعامل الإدارة مع الحرب، إلا أنّ إسرائيل لم تخفِ نيّتها توزيع هذه البنادق على مستوطنيها. وفي هذا الإطار، قطع موقع «أكسيوس» الأميركي الشكّ إزاء هذه الصفقة، مؤكداً أن إدارة جو بايدن سمحت لإسرائيل بشراء آلاف البنادق من طراز «M16»، بعد التأكد من أن الأسلحة «لن تقع في أيدي المستوطنين» في الضفة الغربية، استناداً إلى ضمانات غير واضحة قدّمها مسؤولو تل أبيب إلى واشنطن.
وتحت غطاء العدوان على قطاع غزة، يشنّ المستوطنون هجمات دموية ضدّ الفلسطينيين، إذ وثّقت «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» ما يزيد على 400 اعتداء، منذ 7 أكتوبر الماضي، ما أدّى إلى استشهاد 9 فلسطينيين. كما أسفرت هجمات المستوطنين عن تهجير 9 تجمّعات فلسطينية بدوية، تتكّون من 100 عائلة تشمل 810 أفراد من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى. أيضاً، دمّر المستوطنون 712 شجرة، وخرّبوا مساحات شاسعة من الأراضي، وقطعوا الطرق، واعتدوا على منازل وممتلكات، تحت حماية جيش الاحتلال.