رام الله | يدرك الفلسطينيون في الضفة الغربية أن مصيرهم مرتبط بما يجري في قطاع غزة، وأن ما يثبّتهم في أرضهم هو صمود المقاومة وانتصارها، وأن العدو لن يتأخر في تطبيق مشروع تهجيرهم في حال سقوط غزة، وخصوصاً في ظلّ الحرب الموازية التي يشنّها جيش الاحتلال ومستوطنوه عليهم، والتي يُراد لها أن تبقى من دون ردٍّ أو تصعيد، وفق ما أوصى به وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في أكثر من مناسبة، السلطة الفلسطينية، مثنياً على «دورها» في الحفاظ على «الهدوء والاستقرار». في مقابل هذا «الحرص» الأميركي، يشعر الفلسطينيون بأن السيناريو الذي يأمل العدو تنفيذه في الضفة، يشبه إلى حدّ كبير حالة التهجير الجماعية التي شهدها عام 1948، وذلك ربطاً بنيّات تسليح المستوطنين الذين يعتزمون شنّ هجمات جماعية مسلّحة على القرى والبلدات الفلسطينية. وعلى هذه الخلفية، ترتفع الدعوات والمطالبات بتحشيد الشارع وزيادة زخم الفعل المقاوم، بالتزامن مع العدوان على غزة.وعلى رغم الدور الذي تضطلع به السلطة في هذا السياق، إلّا أن رئاسة الوزراء الإسرائيلية نقلت، أمس، تحذيرَ أجهزتها الأمنية من «تصعيد خطير» في الضفة، مستندةً في ذلك إلى التقييمات الأمنية، وسط اتّساع رقعة المواجهة التي تزداد زخماً، وتراكم الغضب الشعبي الذي يكاد ينفجر، فضلاً عن هجمات المستوطنين التي باتت أكثر دموية، بفعل حملات التسليح التي يقودها وزراء حكومة بنيامين نتنياهو. وبالإضافة إلى ما تَقدّم، تمثّل الأزمة المالية التي تعانيها السلطة الفلسطينية، والتي أثّرت على صرف رواتب موظفيها، عاملاً إضافيّاً في تأجيج الأوضاع الأمنية، وفق ما يرى مسؤولون أمنيون إسرائيليون.
وفي موازاة خشية الاحتلال من تصاعُد الأوضاع في الضفة، نقلت الصحافة العبرية تفاصيل مكالمة هاتفية جرت بين رئيس جهاز «الشاباك» رونين بار، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، رفض خلالها الأخير التوقيع على قرار تحويل أموال المقاصة إلى السلطة الفلسطينية، على رغم صدور قرار عن «الكابينت» بذلك. وفي المكالمة، طلب بار من سموتريتش التوقيع على القرار في أسرع وقت ممكن، على اعتبار أن عدم تحويل أموال المقاصة قد يؤدّي إلى تدهور الوضع الأمني في الضفة، ليوافق سموتريتش على التوقيع، ولكن بعد استقطاع الأموال المخصّصة لقطاع غزة. وقوبل هذا الإجراء برفض السلطة تسلّم الأموال، وفق ما أكد أمين سر اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، حسين الشيخ، الذي أشار إلى أن أَوْجه الصرف لميزانية السلطة تحدّدها حكومة فلسطين. ومن شأن هذا القرار، في حال إصرار رام الله عليه، أن يَخلق أزمة جديدة بين تل أبيب وواشنطن، ولا سيما أن الأخيرة تدفع في اتجاه تقوية السلطة الفلسطينية اقتصادياً، انسجاماً مع توجّه الإدارة الأميركية لدعمها، حفاظاً على «الاستقرار» الأمني.
برزت محافظة قلقيلية على ساحة المواجهة، مع ظهور تشكيلات عسكرية مسلّحة فيها استطاعت ترك بصمتها


ويَظهر ممّا تقدَّم، أن المشهد الميداني في الضفة، وخصوصاً في ظلّ تشديد القبضة الأمنية لقوات الاحتلال وعمليات الاعتقالات والمداهمات والقتل والتنكيل، يتّجه نحو الانفجار، بعدما لوحظ، في الأسابيع الأخيرة، تعاظُم العمل المقاوم في أرجاء مختلفة في الضفة والقدس المحتلّتَين. كذلك، برزت محافظة قلقيلية بشكل لافت على ساحة المواجهة، مع ظهور تشكيلات عسكرية مسلّحة استطاعت ترك بصمتها هناك، إضافةً إلى فاعلية العمل الجماهيري والمواجهات فيها، وتحديداً رشق حافلات المستوطنين بالزجاجات الحارقة وإطلاق النار. ويوم أمس، حاصرت قوّة من الاحتلال منزلاً في مدينة قلقيلية المحتلّة، شمال الضفة، بعد اقتحامها، وطالبت مَن في داخله عبر مكبرات الصوت، بالاستسلام، ما أدّى إلى اشتباكات مسلّحة في محيط المنزل، بعد وصول تعزيزات عسكرية إلى المكان المحاصَر، فيما تمكّن المقاوم من الانسحاب. وسبق هذه العملية، اقتحام واسع للمدينة شارك فيه جرافة عسكرية، وفرق مشاة، وسط تحليق لطائرات الاستطلاع، وتخلّله انتشار كبير للجنود في أنحاء قلقيلية، واتّخاذهم عدداً من المباني نقاطاً عسكرية نُشر عليها قناصة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات مسلّحة عنيفة مع مقاومين.
وتزامناً مع ذلك، شهدت بيت لحم عملية مشابهة، حيث اقتحمت قوة من جيش الاحتلال المدينة، وحاصرت منزلاً قبل رفدها بتعزيزات عسكرية، لتندلع اشتباكات مسلّحة بين مقاومين فلسطينيين وجنود العدو، ما أسفر عن إصابة 6 شبان بالرصاص الحي. لكن قوات الاحتلال فشلت في اعتقال المقاوم المطلوب، لتقوم باحتجاز عائلته، وتهديدها بنسف المنزل في حال عدم تسليم ابنها نفسه. وبات الجيش الإسرائيلي يعتمد بصورة كبيرة على اعتقال أفراد أسر المقاومين، في محاولة للضغط عليهم لتسليم أنفسهم، إضافةً إلى تعمّده التخريب الكامل للمنازل والممتلكات والمركبات. أمّا في مخيم شعفاط في القدس المحتلّة، فقد فجّرت قوات الاحتلال منزل عائلة الأسير الفتى، محمد باسل الزلباني، المتّهم بتنفيذ عملية طعن داخل حافلة استهدفت عناصر من حرس الحدود، ما أدّى إلى مقتل أحد العناصر، بعد اقتحامها المخيم الذي جرى إغلاقه بالكامل ومُنعت الحركة فيه.
كذلك، طاولت حملة المداهمات والاعتقالات التي شنّها جيش الاحتلال في الضفة، فجر الأربعاء، 65 مواطناً، بينهم صحافيان، وتخلّلتها مواجهات بين الشبان والقوات الإسرائيلية في عشرات القرى والبلدات، أبرزها اندلاع اشتباكات مسلّحة في مخيمَي عقبة جبر وعين السلطان قرب أريحا، ومدينة قلقيلية. وفي مخيم بلاطة، اندلعت اشتباكات إثر مداهمة منزل المقاوم لؤي الرمحي الذي اعتقل الاحتلال والده للضغط عليه لتسليم نفسه، علماً أنه اعتقل شقيقه قبل أيام للسبب نفسه. وبلغت حصيلة حملات الاعتقال منذ بدء العدوان، أكثر من 2280، سجّلت محافظة الخليل أعلى نسبة منها، بما شمل 75 امرأة، و26 صحافياً، بينهم صحافية واحدة، جرى تحويل معظمهم إلى الاعتقال الإداري.
في هذا الوقت، رفعت قوات الاحتلال من درجة استنفارها في شمال الضفة، عقب عملية إطلاق النار الأخيرة التي وقعت عند مفترق بيت ليد، وأدّت إلى مقتل جندي وإصابة آخر، حيث لا تزال تلك القوات تجري عمليات تفتيش وبحث عن المنفّذين. في المقابل، ارتفع عدد عمليات المقاومة النوعية والشعبية منذ بدء العدوان على غزة، إلى 2056، من بينها 531 عملية إطلاق نار، تسبّبت بمقل أربعة من جنود الاحتلال والمستوطنين، إلى جانب إصابة 50 آخرين.