رغم إعلاء قادة الحرب الإسرائيليين السقف في خطاباتهم ليل الثلاثاء - الأربعاء، وتأكيدهم أنهم ماضون حتى النهاية لتحقيق أهداف الحرب التي وضعوها مسبقاً، كان لافتاً أن كلّاً منهم عقد مؤتمراً منفرداً، فصلت بينه وبين تاليه مدة زمينة قصيرة، علماً أن هذه المؤتمرات الثلاثة لكلّ من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، ووزير «الأمن»، يوآف غالانت، ووزير «مجلس الحرب» المصغّر، بني غانتس، كانت في المكان ذاته، وهو مقرّ «الكرياه» في تل أبيب. افتراقٌ ربّما يؤشّر إلى وجود خلافات أو تباعد في المواقف أو عدم رغبة نتنياهو تحديداً في الإجابة عن الأسئلة، إذ ماطل مكتبه في الردّ على دعوة مكتب غانتس إلى عقد مؤتمر رباعي (يضمّ إضافة إلى الثلاثة، رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي)، في مناسبة مرور شهر على الحرب، مدّعياً أن «رئيس الوزراء منشغل بلقاءات ميدانية».

على أن إعلاء السقف في الخطابات الرسمية لم يُقابَل بالحدّة نفسها في التحليلات الأمنية والسياسية، إذ رأى محلّلون إسرائيليون أن العدوان الذي تشنّه إسرائيل بشكله الحالي «قد ينتهي في الأيام المقبلة»، كنتيجة لـ«ضغوط» تمارسها الإدارة الأميركية في محاولة للتوصّل إلى هدنة وصفقة تبادل أسرى. مع ذلك، لم يستبعد هؤلاء أن «تُستأنف الحرب على نحو مختلف»، في صورة ضربات موضعية تستهدف اغتيال كبار قادة حركات المقاومة، وفي مقدّمتها «حماس». ويأتي ذلك فيما قال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن «الهدف من الحرب ليس احتلال مدينة غزة»، لأنه وفقاً لهم «لا حاجة إلى ذلك»، وهو ما تقاطع مع ما قاله وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، عقب انتهاء اجتماع «مجموعة السبع» في طوكيو، من أن «إسرائيل لن تستطيع إدارة قطاع غزة بعد الحرب»، مؤكداً رفض واشنطن «التهجير القسري للفلسطينيين الآن وفي المستقبل». وأوضح المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون، بحسب ما نقلته عنهم «إذاعة الجيش»، أن الهدف هو «تدمير مراكز حماس في المدينة وجعلها منهارة، ومثلها المقرّات القيادية تحت المستشفيات والمساجد المركزية ومقرّات مركزية أخرى»، مضيفين أنه عبر «التسبّب في انهيار حماس، سيصبح في الإمكان التقدّم من أجل تحقيق غايات الحرب».
وفيما يخصّ الموقف الأميركي، رأى المحلّل السياسي لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، أن «المرحلة المقبلة ستكون حاسمة على مستويَين: الحرب ضدّ حماس، ومحاولة التوصّل إلى صفقة مختطفين، برعاية أميركية - قطرية». وأضاف برنياع أنه «من المشكوك فيه» أن «تتمكّن إسرائيل من الصمود في وجه الضغط الأميركي بشأن وقف إطلاق النار»، خصوصاً إذا ما كان التداول جارياً حول صفقة تبادل، قائلاً: «الساعة تدق». واستند المحلّل الإسرائيلي، في قراءته، إلى التجارب السابقة في الحروب مع غزة ولبنان، والتي يُستنتج منها «عدم وجود احتمال لاستئناف الاجتياح البرّي بعد وقف إطلاق النار»، مشيراً إلى أنه في مدة وقف إطلاق النار «الطلاب (في إسرائيل) سيعودون إلى المدارس، والموظفون إلى العمل، وستبدأ إعادة إعمار المستوطنات، والعالم يتوقّع أجندة أخرى، فيما جنود الاحتياط يريدون العودة إلى بيوتهم وعائلاتهم وأعمالهم»، مستدركاً بأن «الجيش الإسرائيلي سيبقى في غزة ويستمرّ في العمل، لكن ليس بحجم القوات الحالي»، من دون أن يحدّد طبيعة هذا التواجد.
محلل سياسي إسرائيلي: من المؤسف أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في الارتقاء إلى مستوى التحدي حتى بعد شهر


واعتبر برنياع أنه يَلزم «الحفاظ على توقّعات واقعية»، لأنه «ليس مؤكداً ما إن كان الجيش الإسرائيلي سيتمكّن من الوصول إلى يحيى السنوار وزملائه في الجولة الحالية. وحتى لو تمّت تصفيتهم، فحماس لن تختفي. ومن المهمّ أن نتذكّر أننا لسنا وحدنا في هذه الدراما، وأننا بحاجة إلى الإدارة الأميركية وملزَمون بالاستماع إليها». ولفت إلى أن الأصوات التي يخسرها الرئيس الأميركي، جو بايدن، في استطلاعات الرأي الأميركية «تعزّز حاجته إلى وقف إطلاق نار قريب. ثمّ إن غزة ليست إلّا حلقة من سلسلة الخراب الذي لحق بإسرائيل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر»، مضيفاً أن «الحكومة الإسرائيلية تطمح إلى تسوية ديبلوماسية تبعد أيضاً قوات الرضوان عن الحدود الشمالية»، بالنظر إلى أنه «ثمّة شكّ في ما إن كان سكّان الشمال سيعودون إلى مستوطناتهم». ورأى أن «نتنياهو والآخرين (قادة الحرب)، عندما يتحدّثون عن حرب طويلة، ربّما لا يقصدون حرباً بشكلها الحالي، وإنما اغتيالات وعمليات موضعية أمنية متواصلة»، متابعاً أن الحديث عن الحرب الطويلة إنّما «يريد عبره نتنياهو أن يكبح الضغوط الممارَسة عليه لتحمّل المسؤولية».
وفي الاتجاه نفسه، قدّر المحلّل العسكري لصحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن «القتال بالحجم الحالي للقوات ليس أمراً غير مقيَّد؛ فالولايات المتحدة التي تدعم العملية وهزيمة حماس، تمارس ضغوطاً من أجل تنفيذ هدن إنسانية، ملمّحةً إلى أنه في المدى البعيد ستكون ثمّة حاجة إلى البحث في تغيير طابع الحرب». وإذ لفت إلى أن «قيادة المنطقة الجنوبية (للجيش الإسرائيلي) تطلب شهوراً كثيرة لاستكمال العملية العسكرية، واستهداف حماس في شمال القطاع بشكل خاص، وذلك من أجل تنفيذ مسح جذري في هذه المناطق واستهداف المقاتلين وجميع الأسلحة (ومن ضمنها البنى التحتية، والأنفاق)»، فقد أكد أن الإدارة الأميركية تتداول مع إسرائيل في الشكل اللاحق للحرب، حيث سيكون هناك «سحب لغالبية القوات من أجل الانتقال إلى تنفيذ عمليات موضعية ضدّ منظومات حماس وبنيتها التحتية»، مستدركاً بأنه في الوقت الحالي، لا تزال ماهية الواقع الذي سيرسيه الجيش «غير واضحة». واعتبر هرئيل أن «رفض حماس في هذه المرحلة أيّ مفاوضات حقيقية حول تحرير واسع للمخطوفين قد يؤشّر إلى أن قيادتها لا تستشعر خطراً على وضعها»، وإنْ «برز في اليومين الأخيرين تراجع في كمّية الصواريخ التي أطلقتها (المقاومة) على وسط إسرائيل»، وهو ما عزاه هرئيل إلى سببَين هما «صعوبة تواجهها حماس في إطلاق صواريخ من شمالي القطاع، ورغبتها في ادّخار الصواريخ ذات المديات المتوسطة لمرحلة متقدّمة من الحرب».
من جهة أخرى، رأى المحلّل السياسي لصحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، أن المستوى السياسي، وخصوصاً بعض وزراء الحكومة، «لم يرتقوا بعد إلى مستوى الحدث رغم أن الحرب دخلت شهرها الثاني»؛ إذ ما زال بعضهم مثل وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، يركزون على مصالحهم السياسية، وذلك بالاستناد إلى ما كشفه رئيس لجنة المالية في «الكنيست»، موشي غافني (يهودية التوراة)، من أن سموتريتش يعرقل تحويل أموال ائتلافية للمتضرّرين من الحرب، لاعتبارات سياسية. وأشار ليمور إلى أن «قادة الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية من شرطة وشاباك وشعبة استخبارات عسكرية، يتجاهلون في الوقت الحالي تبادل الاتهامات ويركّزون على تحقيق النصر»، مستدركاً بأنه «لكي ينجح هذا الجهد، فإنه لا يكفي الدور الذي يقوم به هؤلاء، بل يتطلّب الأمر جهداً متزامناً من القطاع المدني الذي لا يقلّ دوره أهمية في كسب الحرب». واعتبر أنه «من المؤسف أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في الارتقاء إلى مستوى التحدي، حتى بعد شهر من المأساة التي حلّت بنا، متمكّنةً من مفاجأة حتى أولئك الذين ظنّوا أن ما حدث (هو أسوأ شيء)». وتابع أن «الأمر لا يتعلّق بالمصالح الشخصية لبعض الوزراء في الحكومة، أو الوزرات والهيئات غير الضرورية، ولا حتى الجبن الذي يمنع الوزراء من الوقوف في وجه المخليين (من المستوطنات) وأهالي القتلى والمختطفين والاستعداد لتحمّل الانتقادات»، وإنما يتعلّق «باعتقاد بعض هؤلاء الوزراء أنهم لا يخوضون الحرب حقاً، وإنما يبحثون عن طرقٍ لمواصلة ما حدث هنا في السابع من أكتوبر (في إشارة إلى الفشل الذي مهّد الطريق لعملية «حماس»)... ينبغي أن يُقال لهم كفاكم، لا يمكنكم الاستمرار على هذا النحو، ولا يمكن تحقيق الانتصار بهذه الطريقة، إمّا أن تنضموا إلى الجهد المشترك، وإمّا أن تفسحوا المجال للآخرين».