رام الله | يبدي وزير «الأمن القومي» الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، انزعاجَه من الانتقادات الواردة من داخل كيان الاحتلال أو خارجه لعنف المستوطنين المتصاعد، والتي نغّصت احتفاءه بتوزيع آلاف البنادق على هؤلاء، الذين استغلّوا العدوان على قطاع غزة، وشرعوا في شنّ حرب موازية في الضفة الغربية المحتلّة، ما أثار بعض الانتقادات الدولية الخجولة، وأبرزها من الإدارة الأميركية التي طالبت حكومة بنيامين نتنياهو بلجم المستوطنين. واعتبر بن غفير أن «الانتقادات المحلية والأجنبية لعنف المستوطنين يجب أن تختفي من الخطاب العام»، وكأن لسان حاله يقول: «كيف تنتقدون المستوطنين وعنفهم؟ فمن حقهم أن يتسلّحوا ويقتلوا الفلسطينيين، ويسرقوا ممتلكاتهم وأراضيهم، وأن يفعلوا ما شاؤوا، أليسوا مكلّفين من الرب بذلك؟ أليسوا شعب الله المختار؟». وكان بايدن حذّر من «عنف المستوطنين ضدّ الفلسطينيين»، معتبراً أنه «يجب أن يتوقّف»، وذلك بالتوازي مع تصاعد عدوان هؤلاء على أهالي الضفة، والذي لا ترى واشنطن أنه يصبّ في مصلحتها. وقبل نحو أسبوع، قال مسؤولون أميركيون إنهم «قلقون بشأن الزيادة الكبيرة في أعمال العنف ضدّ الفلسطينيين»، وهو الموقف الذي كرّره أيضاً وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ورئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، مارك وورنر، الذي بعث برسالة إلى نتنياهو قال فيها إنه «ليس من مصلحة الحكومة الإسرائيلية العنف الذي يمارسه المستوطنون»، مضيفاً: «أضغط مع زملائي لتتخذ إدارة بايدن إجراءات بشأن الضفة الغربية».
من جهتها، ذكرت وسائل إعلام عبرية أن مسؤولين في إدارة بايدن أوعزوا إلى نتنياهو بـ«التحرك لتهدئة الوضع في الضفة، ومنع هجمات المستوطنين ضدّ الفلسطينيين»، محذّرين إياه من أن أيّ تصعيد هناك سيجعل «الأزمة الناتجة من الحرب في غزة أخطر بكثير». والظاهر أن هذه التحذيرات فعلت فعلها لدى نتنياهو الذي سارع جنباً إلى جنب قادة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، إلى الاجتماع، أول من أمس، مع رؤساء مستوطنات الضفة الغربية، والذين أبدوا رفضهم تعريف تصرّفات المستوطنين بأنها «عنف». وبحسب ما نُشر في الإعلام العبري، فإن نتنياهو أخبرهم أنه سيتحرّك ضد المتطرّفين، وأنه تعهّد لبايدن بذلك، فيما طالبوه هم بإعادة الدبابات إلى المستوطنات لحمايتها، ومنع الفلسطينيين من قطف الزيتون خاصة في المناطق المحيطة بالمستوطنات، وإنشاء مناطق عازلة تمنع وصول الفلسطينيين إلى هذه الأخيرة، كما بهدم منازل الفلسطينيين المجاورة لهم.
وسبق هذه الخطوة تحذير أجهزة الاحتلال الأمنية، خلال اجتماع «كابينيت الحرب»، الأربعاء، من تصعيد أمني في الضفة. وذكرت وسائل إعلام عبرية أن المسؤولين في «جهاز الأمن العام» (الشاباك) و«شعبة الاستخبارات العسكرية»، حذّروا من «تصعيد أمني وشيك في جبهة الضفة»، في ظلّ سحب التصاريح من العمال الفلسطينيين على خلفية الحرب على غزة، وتصاعد أعداد الشهداء، والحالات المتزايدة من اعتداءات المستوطنين. وفي السياق، نقلت قناة «كان» العبرية عن مصادر إسرائيلية أن جهات داخل السلطة الفلسطينية عبّرت عن قلقها من فقدانها السيطرة في الضفة لعدّة اعتبارات، أهمها أن حركة «حماس تحاول تصعيد الأوضاع الأمنية في الضفة، وأن الجيش الإسرائيلي يعمل في مناطق السلطة بصورة عنيفة جداً، وهذا يضع أمامنا الصعوبات، فضلاً عن تزايد عنف المستوطنين ضدّ الفلسطينيين».
شنّت قوات الاحتلال عملية عسكرية دموية هي الأشرس من نوعها في مدن متفرّقة في الضفة


وفي الإطار نفسه، دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لبيد، حكومة نتنياهو إلى «ضبط النفس» في الضفة، محذّراً من خوض تل أبيب «حرباً على 3 جبهات»، أي غزة والضفة والجبهة الشمالية. وأعرب لبيد، في تصريحات إلى «القناة 12»، عن مخاوفه «من اندلاع أعمال شغب في يهودا والسامرة (التسمية التوراتية للضفة)»، نتيجة «عدم مسؤولية رهيب (كبير) من جانب المستوطنين المتطرفين الذين يحاولون إشعال النار في المنطقة». وأضاف لبيد أن هناك أحزاباً إسرائيلية، في إشارة إلى «الصهيونية الدينية» و«عوتسما يهوديت»، «تشجّع أنصارها على أعمال الشغب». وفي المقابل، اعتبر وزير المالية والوزير في وزارة الحرب الإسرائيلية، بتسلئيل سموتريتش، في رسالة بعثها إلى نتنياهو ووزير «الأمن»، يوآف غالانت، أنه «يجب إنشاء مناطق أمنية مُطهّرة (خالية من الفلسطينيين) حول المستوطنات والطرقات، ومنع دخول العرب إليها».
إلّا أنه بعد ساعات قليلة من خروج كلّ تلك التقييمات والتحذيرات الأمنية، شنّت قوات الاحتلال، أمس، عملية عسكرية دموية هي الأشرس من نوعها في مدن متفرقة في الضفة، شملت مخيمات جنين والأمعري وبلاطة، وتركّزت على الأول الذي شهد اقتحاماً واسعاً بعشرات من الآليات العسكرية، مصحوبة بسرب من الطائرات المُسيّرة التي نفّذت عمليات قصف مكثّف. وكعادته، نفّذ جيش العدو عمليته مع ساعات الفجر، حيث فرض حصاراً على المخيم، بالتزامن مع قطع شبكة الكهرباء والاتصالات، وعمد إلى تجريف للبنية التحتية. ورغم ذلك، تمكّن المقاومون من الاشتباك مع الجنود من نقاط قريبة، ونجحوا في إعطاب العديد من الآليات العسكرية، وأبرزها آلية «النمر» التي فجّروها بعبوة ناسفة شديدة الانفجار. وقصفت طائرات الاحتلال عدّة مبانٍ ومواقع في المخيم، وتحديداً في حارة الدمج التي نالت القسط الأكبر من العملية، فيما انتشر القناصة في مبانٍ كثيرة أطلقوا منها النار بشكل عشوائي على كلّ من يتحرك، وهو ما تسبّب باحتجاز المئات من الطلاب في مدارسهم نتيجة عدم قدرتهم على المغادرة. وبالنتيجة، أسفر العدوان عن استشهاد 14 شاباً، وإصابة 11 على الأقلّ بجروح متفاوتة، في إحصائية مرشّحة للازدياد. وفي وقت لاحق، أعلن جيش الاحتلال اعتقال 20 مواطناً من المخيم.
أمّا مخيم الأمعري قرب رام الله، فشهد اقتحاماً صباح أمس من قِبل قوات الاحتلال التي داهمت منازل المواطنين وحاصرتهم وأطلقت الرصاص والقنابل عليهم، ليعلَن لاحقاً استشهاد شاب في المخيم متأثراً بجروح أصيب بها. وبالمثل، تعرّض مخيم بلاطة، عصراً، لاقتحام واسع شاركت فيه جرافات عسكرية ضخمة وطائرات مُسيّرة، ما أدّى إلى اندلاع اشتباكات مسلّحة عنيفة، تمكّن خلالها المقاومون من تفجير العديد من العبوات الناسفة بآليات الاحتلال. كما شملت الاقتحامات مناطق متفرّقة من الضفة، وتخلّلتها اعتقالات في صفوف المواطنين ومواجهات مسلّحة بين مجموعات من المقاومين وجنود العدو. وأسفرت هذه المواجهات عن استشهاد فلسطينيَّيْن، أحدهما شاب في منطقة دورا في مدينة الخليل، والآخر رجل يبلغ من العمر 51 عاماً في بيت فجار في مدينة بيت لحم. كذلك، نفّذ مقاومون، فجراً، عملية إطلاق نار أصيب فيها مستوطنان بجروح تراوح بين خطيرة ومتوسطة، قرب مستوطنة «إيتمار» المقامة على أراضي قرية عورتا جنوب شرق مدينة نابلس شمالي الضفة، بينما انسحب المنفّذون من المكان بسلام، لتفرض قوات الاحتلال في المناطق المحيطة بالمدينة طوقاً عسكرياً، وتنفّذ مداهمات واقتحامات.