إنّ الأوضاع والمعادلات في قضاء غزة تعكس المستوى الذي وصلت إليه الحرب في قتل المدنيين المتواصلة، ليلَ نهارَ، دون انقطاع، ودون تفريق بين منطقة وأخرى، وصولاً إلى التركيز على المستشفيات، حيث يحتشد الجرحى وعشرات آلاف طالبي الحماية. وهي تعكس، أيضاً، المستوى الذي بلغته الحرب البريّة، وأين وصلت دبابات الجيش الصهيوني في شمال غرب القطاع ووسطه، وجنوبه وصولاً إلى الشارع الذي يوصل إلى مستشفى الشفاء. الأمر الذي يوجب الاجتهاد في تقدير الموقف كل يوم تقريباً، لأن مشهد المجازر والدمار، كما جغرافيا توزيع نقاط المواجهة في الحرب البريّة، في حالة تغيّر مستمر كذلك. فالقرار الأميركي ما زال متمسّكاً باستمرار الحرب، وعدم وقفها، مع «تخفيف» نسبي بعنوان هُدن مؤقتة، أو تكتيكية. والقرار الصهيوني مستمر في إستراتيجية الإبادة البشرية، وتدمير القطاع، إلى جانب محاولات لإحداث اختراقات في جغرافيا القطاع، حتى استعصى عليه تحقيق إنجاز عسكري ملموس واحد في عشرة أيام منذ بداية الحرب البريّة.من هنا، يتوجّب تصعيد الحركات الشعبية الواسعة، عربياً وإسلامياً وعالمياً، لإدانة أميركا والكيان الصهيوني بارتكاب جرائم إبادة، وجرائم حرب، تعكسهما إستراتيجية قصف المدنيين والمساكن والأحياء والمستشفيات، كما يتوجب الضغط على السلطة الفلسطينية، والحكومات العربية والإسلامية والدولية، للتحرك جدياً بأخذ مواقف عملية لوقف جرائم القصف الذي يستهدف المدنيين والعمران.
تمكّن جيش العدو من اختراق عدة نقاط، والتوسّع في التمدّد في شارع مشفى الشفاء كهدف عاجل، وقد حاول ناطقه العسكري، وبعض أجهزة الإعلام، المبالغة في ما حدث من اختراقات. وذلك بتضخيم أهميتها لتأجيج حرب نفسية لدى متلقّيها، من المتعاطفين مع المقاومة، أو الحريصين على إنزال الهزيمة في الاجتياح العسكري لقطاع غزة. على أن الذي يجب أن يمتلكه الجميع عند الدخول في التفاصيل لحركة جيش العدو، هو التأكد، أولاً، من أن الاختراق وغيره من أمثاله، لا تغيّر في ميزان القوى العسكري، كما لا تغيّر في المحصّلة النهائية للحرب. وذلك من خلال التأكيد أن الجسم الرئيسي لقوات المقاومة، ما زال في كامل جاهزيته، وتصديه المستمر للاختراقات، وإنزاله الخسائر الفادحة في الأفراد والآليات. كما التأكيد أن «هيئة الأركان العليا» لقيادة المقاومة، ما زالت مسيطرة على الوضع العام. وإدارة التصدي، بأعلى مستوى عسكري (قيادة محمد الضيف «أبو خالد»، وإخوانه في قوات عز الدين القسّام، والقائد يحيى السنوار، قائد «حماس» في قطاع غزة).
وبكلمة، كل تغيّر تفصيلي في خريطة المواجهة لا يقرّر مصير الحرب، وإنما الذي يلعب الدور الحاسم في تقرير مصيرها، هو سلامة الجسم الرئيسي للمقاومة، وقيادتها. لهذا حرامٌ ثم حرام منا ألا نكون بمستواهما، في معنوياتنا ومواقفنا، وفي دعمنا لهما، ولا نسمح لتفصيل جانبي لحركة جيش العدو، أن يطغى على التقدير الصحيح للموقف.
وكذلك بالنسبة إلى هول ما يتعرّض له أهل القطاع الأبطال الأسطوريين في تحمّل القتل والجراح والحرمان من الطعام والدواء والماء. وهو تحمّل أذهل العالم، كما لم يحدث للعالم من قبل، وهو يشهد مثلاً، كيف يحمل والد ابنه الشهيد، وهو يحتسبه لله ولفلسطين، أو كيف تخرج نساء ورجال من تحت الأنقاض، وهم يرفعون شارة النصر، ويحمدون الله.
من هنا، حرام ثم حرام منا ألّا نكون بمستواهم، إيماناً واحتساباً. وتبقى معنوياتنا قويّة صموداً وتحمّلاً وثقة بالنصر بإذن الله.

* كاتب وسياسي فلسطيني