يوم السبت غادرت بعثة منتخب لبنان إلى الشارقة في الإمارات لاستضافة منتخب فلسطين ضمن تصفيات كأسي العالم وآسيا. تبدو العبارة غريبة أن يستضيف منتخب لبنان نظيره الفلسطيني في الإمارات. لكن عدم وجود ملعب في لبنان على مساحة 10425 كلم مربع فرض على المنتخب اللبناني اختيار الإمارات وملعب الشارقة تحديداً كملعب بيتي له. لكن حتى لو كان هناك ملعبٌ مؤهّل للاستضافة، هل كان في الإمكان إقامة المباراة في لبنان؟ طبعاً لا، والسبب هو العدوان الصهيوني على فلسطين المحتلّة وامتداده إلى جنوب لبنان حيث يسقط عشرات الشهداء في مواجهة العدو.إذاً هذه هي إحدى النواحي التي يتشابه بها المنتخبان: الشتات.
يخطئ من يظنّ أن منتخب فلسطين هو الضحية الوحيدة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فالمنتخب اللبناني أيضاً ضحية، وإن كان بنسبة أقل من نظيره الفلسطيني. غادر لاعبو منتخب لبنان وقلوبهم معلّقة بديارهم، قلوبهم مع أهلهم الذين تركوهم في بلد احتمال اندلاع الحرب فيها مع العدو الإسرائيلي على نطاق واسع وارد في أي لحظة. من الصعب أن تجد لاعباً من لاعبي المنتخب اللبناني لا يفكّر في أحبائه الذين تركهم في لبنان. تلمس هذا عبر الحديث إلى محمد حيدر ومحمد حايك ومحمد قدوح وغيرهم من اللاعبين.
القلق والضغط النفسيّ كانا رفيقَي لاعبي المنتخب في المدة الماضية. لا شكّ أنّ لهذا انعكاساً على تركيزهم حتى لو كان هناك إصرار لديهم على تحقيق نتيجة إيجابية في مباراتيهم مع فلسطين في 16 الجاري ومع بنغلادش في 21 منه.
لا يمكن للاعب منتخب لبنان محمد قدوح أن ينسى أنّ منزله ومنزل أهله في يارون الذي تدمّر بالكامل نتيجة ثلاث غارات صهيونية حدثت على مراحل كان مجموعها أكثر من عشرين قذيفة وصاروخاً، أطاحت بمنزله الذي لم يستطع والده إخراج أمواله لتكون الخسارة مضاعفة: الحجر والأموال الموجودة داخله. لا يمكن لقدوح وهو أحد مهاجمي منتخب لبنان وهدّافيه أن ينسى أن أهله مهجّرون مع معظم أهالي قريته يارون.
يؤكّد قدوح في حديثه لـ«الأخبار» قبل ساعات من السفر إلى الإمارات أن ما يشغل باله بقاء أهله في لبنان، وأنّ هاجس تفاقم الأمور وعدم القدرة على العودة إليهم في حال أُقفل المطار يسيطر عليه. ترك قدوح أهله وزوجته في صور ولا يعلم ماذا سيحدث إلى حين عودته في 22 الجاري.
حال قدوح لا يختلف عن مدافع المنتخب محمد حايك. «تركت أهلي في الصرفند وهم قلقون ممّا سيحدث. جسدي سيكون في الإمارات وعقلي وقلبي في لبنان» يقول حايك لـ«الأخبار».

غادر لاعبو منتخب لبنان إلى الإمارات وقلوبهم معلّقة مع أهلهم وأحبّائهم (طلال سلمان)

محمد حيدر عنصر أساسيٌ في منتخب لبنان. اللاعب العائد إلى تشكيلة «رجال الأرز» لا يعلم ما إذا كان سيستطيع العودة إلى وطنه بعد انتهاء استحقاق المنتخب. ابن بلدة طير دبّا الجنوبية حيث يقطن أهله وأقرباؤه يتشارك مع معظم زملائه في المنتخب بالخوف من الآتي.
لا ينحصر قلق حيدر على أهله في بلدته الجنوبية فقط. هو خائف أيضاً على المشروع الذي أنشأه في بيروت، وهو مجموعة ملاعب وأكاديمية مع شركاء له. «بلغت كلفة المشروع 450 ألف دولار. كنا قد بدأنا ننتعش على صعيد المشروع، فجاءت الحرب في غزّة لتضعه على كفّ عفريت في حال توسعت دائرة الحرب وبلغت العاصمة. هناك قلق على مصدر رزقنا» يقول نجم منتخب لبنان لـ«الأخبار». لا يُخفي حيدر قلقه معتبراً أن «السَّفرة هذه المرة مختلفة عن المرة الماضية والقلق أكبر. لكننا في مهمة وطنية وسنبذل كل جهدنا لإسعاد الشعب اللبناني ومحاولة إضاءة شمعة في هذا الظلام».
هي أراء وهواجس ثلاثة لاعبين من منتخب لبنان تعطي فكرة عن حال زملائهم وهم يغادرون وطنهم قلقين خائفين، وفي الوقت عينه مصرّين على رفع اسم لبنان.
خصم لبنان في المباراة الأولى هو خصمٌ على أرض الملعب، لكن خارجه شريك في أشياء كثيرة. إلى جانب الشتات، هو شريك في الخوف والقلق والحزن على ما يحدث في بلده فلسطين.
حال منتخب فلسطين أسوأ كون الحرب تدور بصورة رئيسية على أرضه. من لحظة اندلاع الحرب دخلت كرة القدم في غيبوبة. ألغى الاتحاد الفلسطيني مشاركة المنتخب في دورة ماليزيا الوديّة التي كان سيشارك فيها منتخب فلسطين تحضيراً للتصفيات، فاكتفى بمعسكر في الأردن. خسر منتخب فلسطين حق اللعب على أرضه، على الأقلّ مباراتيه مع أستراليا وبنغلادش نظراً إلى استحالة توجّه منتخب لبنان إلى فلسطين المحتلة. فأصبحت الكويت أرض منتخب فلسطين بدلاً من أن تكون الضفة الغربية وملعب فيصل الحسيني فيها الأرض البيتية لمنتخب فلسطين.
يعاني محمد قدوح نفسيّاً جرّاء تدمير منزله في يارون بغارات صهيونية


يتحدث مدير المنتخب الفلسطيني، جبر جبّارين، بأسى عن حال المنتخب الفلسطيني. «منذ السابع من تشرين الأول الماضي توقف النشاط الكروي في فلسطين ولزم اللاعبون منازلهم من دون تمارين أو مباريات استعداداً للاستحقاق الآسيوي» يقول جبّارين لـ«الأخبار». حتى يوم السبت لم تكن صورة القائمة النهائية للمنتخب قد توضحت بعد. «من لحظة اندلاع الحرب في غزة أصبح لاعبو المنتخب من هذا القطاع خارج حساباتنا كخالد نبريس وإبراهيم أبو عمير وغيرهم. نعتمد على ستة لاعبين محترفين في تشيلي وأوروبا ومصر كي يكونوا عماد المنتخب في الجولة الأولى من التصفيات أمام لبنان وأستراليا. هناك ثلاثة لاعبين من تشيلي سيلتحقون بالمنتخب في الإمارات، إضافة إلى اللاعب عدي الدباغ الذي يلعب في بلجيكا، وغيره من اللاعبين» يضيف مدير المنتخب الفلسطيني لكرة القدم.
لم يكن منتخبا لبنان وفلسطين يتوقعان أن ينطلق مشوار التأهّل إلى كأس العالم وكأس آسيا على هذه الشاكلة. الطموحات كانت كبيرة، لتصبح المعاناة أكبر والسبب واحد: العدو الإسرائيلي. هو جمع البلدان في مسار واحد منذ عام 1948، جاعلاً من لبنان متضرراً أساسياً من احتلاله لفلسطين. هي محطة جديدة من النضال حتى لو كان البلدان سيتواجهان على أرض الملعب، ولكن مجرّد وجودهما في المباراة بغض النظر عن النتيجة هو تسجيل لهدف مشترك في مرمى العدو الغاشم الذي يسعى إلى محو اسم فلسطين من أي مكان يحق له الوجود فيه... ولكن فلسطين باقية، والنصر أخيراً لأصحاب الأرض الحقيقيين.