بعد مضيّ 37 يوماً على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي لم يستطع في خلاله العدو تحقيق أيّ من أهدافه، لا يزال ارتكاب المزيد من المجازر بحق المدنيين، واستهداف المنازل والمستشفيات والمنظمات الدولية العاملة في القطاع والمهجّرين الآمنين، السبيلَ الوحيد المتوفّر أمامه لتعويض عجزه. وإذ لا تفتأ هذه المجازر تثير مزيداً من السخط العالمي، فإن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، لا يجد بدّاً من محاولة استدراك الموقف، تارةً عبر الزعم بعدم استهداف المدنيين، وطوراً عبر رفع قميص «الدفاع عن النفس بمواجهة الإرهاب» في وجه كلّ من يجرؤ على انتقاد إسرائيل.
(أ ف ب )

وبينما تستمرّ المحادثات الهادفة إلى إتمام تبادل للأسرى، كرّر نتنياهو أن إسرائيل لن تقبل بأيّ هدنة طويلة قبل الإفراج عن الأسرى لدى «حماس»، مشدّداً على «ضرورة أن يكون للجيش الإسرائيلي حضور في غزة»، داعياً إلى «إيجاد سلطة مدنية جديدة» بديلة من السلطة الفلسطينية. وكان مسؤول في إدارة بايدن أكّد، لشبكة «NBC»، أن هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق يتضمّن إطلاق سراح نحو 80 امرأة وطفلاً لدى «حماس»، مقابل إطلاق سراح جزء من الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. إلا أن وكالة «رويترز» نقلت عن مسؤول فلسطيني مطّلع على المحادثات، أن «حماس» علّقت المفاوضات بشأن الرهائن بسبب ما يشهده مستشفى «الشفاء» من قصف عنيف.
وفي وقت تتزايد فيه الضغوط الداخلية على قيادة العدو من أجل المضيّ في صفقة تبادل، وبعدما خرجت أكبر تظاهرة لعائلات الأسرى أول من أمس، خرج المتحدّث باسم جيش الاحتلال، دانييل هاغاري، ليهرب من ذلك بالقول إن «حماس فقدت السيطرة على شمال قطاع غزة». ورداً على ما يتعرّض له مستشفى «الشفاء» في شمال القطاع من اعتداءات إسرائيلية متواصلة، زعم المتحدّث «أننا لا نهاجم مستشفى الشفاء»، وأضاف: «تلقّينا طلباً للمساعدة في إخلاء قسم الأطفال وسنساعد في ذلك!». وفي السياق نفسه، قال نتنياهو: «عرضنا في الواقع الليلة الماضية منحهم ما يكفي من الوقود لتشغيل المستشفى وتشغيل الحضانات (...) ورفضت حماس قبوله»، مدّعياً، في مقابلة مع شبكة «NBC» الأميركية، أن المعركة ليست «مع المرضى أو المدنيين على الإطلاق».
ولا يزال نتنياهو يرفض الإقرار بالفشل الذي سبق عملية «طوفان الأقصى» ورافقها؛ إذ رفض الإجابة عن سؤال بهذا الشأن وُجّه إليه خلال مقابلة مع شبكة «CNN»، قائلاً إنه سيكون هناك وقت لمثل هذه الأسئلة «الصعبة» بمجرد انتهاء الحرب. وأضاف: «في الوقت الحالي، أعتقد أن ما يتعيّن علينا القيام به هو توحيد البلاد من أجل هدف واحد: تحقيق النصر». أما رئيس الأركان، هرتسي هاليفي، فكرّر إقراره بالفشل خلال لقاء مع رؤساء السلطات والمدن الجنوبية، قائلاً: «نحن على علم بالفشل. فشلنا في حماية المستوطنات، ولم نكن مستعدّين لمثل هذا السيناريو. سوف نتعلم كل شيء ونستخلص الدروس. نحن مصمّمون على إكمال المهمة وتدمير حماس». ومن جانبه، توجّه رئيس بلدية «سديروت»، ألون دافيدي، إلى هاليفي بالقول: «لن نوافق على العودة إلى النقطة نفسها بعد الحرب».
أما على المستوى السياسي الداخلي، فحثّ نتنياهو وزراء حكومته على عدم التفوّه بكلمات قد تسبّب الضرر، من دون الإشارة إلى الوزير آفي ديختر الذي تحدّث عن «نكبة ثانية» للفلسطينيين، أو إلى الوزير عميحاي إلياهو الذي قال إن القنبلة الذرية هي «أحد السبل» لمهاجمة غزة. لكنّه شدّد على أن كل كلمة لها معنى في الساحة الدعائية، «وإذا كنت لا تعرف فلا تتحدّث».
في هذا الوقت، نشرت فرنسا توضيحاً على لسان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي تحدّث سابقاً عن قتل الأطفال والنساء في قطاع غزة. وجاء في التوضيح أن «الرئيس ماكرون لم يلمّح قط، ولا يعتقد أن القوات الإسرائيلية تلحق الضرر بالمدنيين عمداً»، وأنه «منذ اليوم الأول، دان مراراً وتكراراً الهجوم (...) ودعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها»، وذلك بعد أن قال نتنياهو إن ماكرون «ارتكب خطأ فادحاً، واقعياً وأخلاقياً». وأضاف: «أقول لرئيس فرنسا وأصدقائنا الآخرين – إنها (حماس) ستصل إليكم أيضاً». وكان وزير الحرب، يوآف غالانت، وجّه انتقاداً مماثلاً إلى القادة الأوروبيين، قال فيه «إننا في عام 2023 ولسنا في عام 1943»، في إشارة إلى ترحيل اليهود في أعقاب المحرقة.
في الأثناء، وبينما تتكتّم الإدارة الأميركية على الإعلان عن نتائج استهداف المقاومة العراقية قواعد قواتها في سوريا والعراق، أعلنت «القيادة العسكرية الأميركية في أوروبا» (يوكوم)، التابعة لـ«البنتاغون»، أمس، أن «العناصر الخمسة الذين كانوا على متن طائرة عسكرية أميركية»، تعرّضت لـ«حادث مؤسف وتحطّمت في البحر الأبيض المتوسط، لقوا حتفهم»، وذلك «خلال مهمة روتينية للتزوّد بالوقود جواً في إطار تدريب عسكري».