بغداد | تتّجه الحكومة العراقية التي تخضع لضغوط كبيرة من القوى السياسية والرأي العام في البلاد، إلى خفض إنتاج النفط بواقع مليون برميل، كوسيلة للضغط من أجل وقف العدوان الإسرائيلي على غزة. وقد تجد حكومة محمد شياع السوداني، والتي تخضع لضغط أميركي في المقابل لوقف الهجمات التي تشنّها المقاومة العراقية على القواعد الأميركية في العراق وسوريا، في هذا الإجراء، متنفّساً لها باعتبار أنه يحظى بتوافق عراقي، وفي الوقت نفسه لا يُحرجها أمام الأميركيين. ويأتي خفض الإنتاج، في حال المضيّ فيه، ليمثّل قراراً عراقياً متقدّماً، بعدما فشلت القمة العربية والإسلامية الطارئة التي انعقدت قبل أيام في الرياض حول غزة، في اتخاذ إجراءات رادعة ضدّ إسرائيل، والدول التي تغطّي جرائمها. وتباينت ردود الفعل في العراق إزاء مقرّرات القمة؛ ففيما اعتبر النائب الثاني لرئيس مجلس النواب، محسن المندلاوي، أنه لا قيمة لخطب الإدانة أو القرارات التي لا تلامس حاجة الشعوب ومصيرها، أشاد زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، بالاجتماع، داعياً إلى مقاطعة شاملة لإسرائيل، ووقف ضخّ النفط المباشر وغير المباشر لكلّ من يغطّي جرائمها. وبالفعل، يقوم الآلاف من العراقيين، ولا سيما من فصائل المقاومة، المعتصمين عند معبر طريبيل الحدودي مع الأردن، بمنع عبور عشرات الصهاريج المحمّلة بالنفط العراقي إلى الأردن، الذي يحمّله هؤلاء مسؤولية منعهم من الوصول إلى حدود فلسطين المحتلّة.وتؤكّد مصادر حكومية وبرلمانية أن هناك مباحثات يجريها السوداني مع وزير النفط، حيان عبد الغني، ومستشاريه في الطاقة والاقتصاد في هذا الصدد. ويكشف مصدر حكومي، لـ«الأخبار»، أن «لدى الحكومة نية خفض إنتاج نفط العراق وتصديره بواقع مليون برميل يومياً، وذلك كخطوة أولية للضغط على إسرائيل لوقف جرائمها بحق قطاع غزة». ويبيّن المصدر أن «رئيس الحكومة التقى أيضاً بعض الشخصيات الاقتصادية المهمّة لبحث موضوع خفض الإنتاج، وتأثيراته، ولا سيما أن هناك دولاً امتنعت عن ذلك كالسعودية، خوفاً على مصالحها». ويؤكد أن القرار قيد الدراسة، لكنْ أيضاً هناك مساعٍ دبلوماسية تقوم بها الحكومة مع دول أخرى لوقف الحرب في غزة، لافتاً إلى أن «هناك قوى سياسية أشادت بهذه الخطوة. والاتفاق عليها هو واجب وطني سواء كان من التيار الصدري أو من الإطار التنسيقي وحتى من المكوّنَين السني والكردي». ويشير المصدر إلى أنّ «مقررات قمّة الرياض لم تعجب الحكومة العراقية. ولذا، تسعى الأخيرة للقيام بمثل هذه الخطوات الفعلية من جانب واحد، لغرض التحرّك لوقف الحرب والضغط على إسرائيل بالورقة الاقتصادية ومقاطعتها تماماً. فالكلام والإدانة لم يردعا إسرائيل، ولا بدّ من تحرّك فعلي فيه نوع من القوة والقرار».
ويتفق عضو لجنة النفط والغاز النيابية، باسم نغيمش، مع توجّه الحكومة الحالي في تخفيض تصدير النفط، مؤكداً أن البرلمان ولجنة النفط مع كلّ خطوة تضغط على الكيان الصهيوني الذي فتك بالشعب الفلسطيني. ويقول نغميش، لـ«الأخبار»، إن «الشيء الوحيد الذي يردع إسرائيل ويجعلها في موقع الهزيمة، هو المقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية، وتفعيل ورقة النفط الذي يُعتبر أهمّ ورقة ضغط تمتلكها المنطقة العربية ضد العدو. والعراق لا يمانع مقاطعة الكيان بكلّ أشكال المقاطعة». ويشير إلى أن «مجلس النواب يساند قرارات الحكومة، فقضية محاربة الاحتلال الإسرائيلي تستدعي توحيد موقف كلّ البلدان العربية والإسلامية، لكنْ وللأسف الشديد هناك دول مطبّعة مع العدو، ولا تستطيع المجازفة في اتخاذ خطوات كهذه».
الصدر يريد إيقاف تدفّق النفط عن كلّ الدول الداعمة لإسرائيل إلى حين إيجاد حلّ لإنهاء هذه الحرب


وعن فاعلية المقاطعة، يقول الناشط السياسي، عصام حسين، المقرّب من «التيار الصدري» إن «المسألة ليست سهلة نتيجة ترابط العلاقات الاقتصادية. فإسرائيل ليست بمعزل عن الاقتصاد العالمي، بل تُعتبر المركز التجاري الأول للعالم الاقتصادي في الشرق الأوسط. وتتاجر مثلاً بالرقائق الإلكترونية حيث تُعتبر الرقم ثلاثة في العالم بعد سنغافورة وهونغ كونغ». ويوضح حسين، في حديث إلى «الأخبار»، أن «المقاطعة الكاملة تعني مقاطعة كلّ الدول المطبّعة مع إسرائيل، والتي لديها سفارات فيها، وذلك يعني وقف تصدير 3 ملايين برميل من النفط العراقي أو أكثر يومياً، لأن هذا النفط يذهب إلى مختلف الدول، وهذه الدول لديها تعاملات مع إسرائيل. لذلك، ربما السيد مقتدى الصدر يقصد هذا الموضوع، أي إيقاف تدفّق النفط عن كلّ الدول الداعمة لإسرائيل إلى حين إيجاد حلّ لإنهاء هذه الحرب». ويعتبر حسين أن «العراق تحكمه أقلية خاسرة هُزمت في الانتخابات، وكانت تحتاج إلى الدعم الأميركي للوصول إلى السلطة، وكان الاتفاق مع أميركا حول ذلك، يتضمّن زيادة تدفّق النفط، وهذا يعني أن قرار أمن الطاقة في العراق هو بيدٍ أميركية».
أما الخبير الاقتصادي، داود الحلفي، فيرى أن «قرار العراق - في حال اتّخذته الحكومة - بتخفيض تصدير النفط، كخطوة تلويحية ضدّ إسرائيل، هو قرار سيلحق الضرر الكبير بالكيان اقتصادياً وعسكرياً». ويقول إنه «في حال اجتمعت البلدان العربية الموجودة في مجموعة أوبك، ولا سيما المؤثرة كالسعودية والعراق لإيقاف النفط أو تخفيضه، فسيؤثر ذلك على الدول الأوروبية الداعمة في الوقت الحالي لإسرائيل»، مستدركاً بأن «أيّ قرار عراقي إذا بقي انفرادياً من دون مساندة عربية، فهو قد يضرّ العراق». وبحسب الحلفي، فإن «النفط ورقة يمكن التلويح بها، لكن لن تستطيع أيّ دولة أن تقطع النفط، لأنه ستكون عليها عقوبات شديدة وتعيش في عزلة عن الغرب، لكنه قرار لا بدّ منه في هذه الظروف اللاإنسانية التي تعيشها غزة».