يَجري الحديث على نطاق واسع في الأوساط اليمنية، عن قرب توقيع اتفاق يمني - سعودي، على رغم أنه لم يصدر من العاصمتَين أيّ تأكيد رسمي بشأن المفاوضات السياسية للحلّ في اليمن. غير أن الدعوة السعودية العاجلة لرئيس «المجلس الرئاسي» وأعضائه للقاء القيادة السعودية في الرياض، وما سُرّب عن اللقاء، أثارا الكثير من علامات الاستفهام. فقد تحدّث العديد من الشخصيات المحسوبة على «التحالف» في اليمن، ومن ضمنهم وزير الدولة في حكومة عدن، عبد الغني جميل، عن "اتفاق كبير وقريب جدّاً بين الرياض وحكومة صنعاء. كما نقلت وسائل إعلام في عدن عن «مصادر مطّلعة» قولها إن نائب وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، سلّم رئيس «الرئاسي» وأعضاءه، خلال لقاء عقده معهم في العاصمة السعودية، عصر أول من أمس، مسوّدة شاملة بشأن مسار السلام في اليمن.وتساءل المراقبون حول صحّة تلك التسريبات، وخصوصاً أن اليمن تعرّض في الآونة الأخيرة للعديد من التهديدات الأميركية على خلفية الضربات اليمنية ضدّ أهداف إسرائيلية دعماً لقطاع غزة. ولا ترى أوساط صنعاء، من جهتها، جديداً في الأمر؛ إذ إن المسوّدة التي عرضها ابن سلمان تتضمّن فعلاً مطالب حكومة الإنقاذ، التي جرى الاتفاق حولها أثناء زيارة السفير السعودي، محمد آل جابر، للعاصمة اليمنية في رمضان الماضي. وترى تلك الأوساط أن الحراك الحالي هو شأن سعودي مع الحلفاء المحليين للرياض وأبو ظبي، مشكّكةً في قدرة المملكة على التملّص من القيود الأميركية والذهاب نحو توقيع اتفاق مع حركة "أنصار الله" بمعزل عن الولايات المتحدة. وكرّرت القول إن الرياض قد تتراجع في اللحظة الأخيرة تحت ضغط أميركي، مضيفة: «لا تقول فول حتى يصير بالمكيول».
والظاهر أن المملكة ترى في الظروف الحالية فرصة ذهبية للخروج من المستنقع اليمني، وإنهاء ملفّ الحرب التي استمرّت تسع سنوات. إذ إن أنظار العالم، وخصوصاً العالم العربي، متّجهة بالكامل إلى الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وهذا من شأنه أن يقلّل من وقع الخسارة السعودية وتداعياتها. ومعلوم أن أهمّ إشكالية كانت مطروحة سابقاً في إنهاء الصراع، هي رغبة السعودية في الخروج من الوحل اليمني بـ«ماء الوجه»، وبأقلّ الخسائر الممكنة، وبما يحافظ على سمعتها وهيبتها، إزاء ادّعائها الريادة في العالمَين العربي والإسلامي. ومن هنا، ربّما ترى المملكة أن الفرصة المتاحة حالياً هي الأفضل منذ بدء حرب اليمن عام 2015، ومن غير المتوقّع أن تتوفّر ظروف أفضل منها في المدى القريب.
بمقدور واشنطن تفريغ أيّ اتفاق من مضمونه بإعادة إدراج «أنصار الله» على لوائح الإرهاب أو فرض العقوبات وتشديدها


على أن السؤال المركزي هنا هو: هل تسمح الولايات المتحدة بتوقيع الاتفاق من دون تحييد اليمن عن الصراع العربي - الإسرائيلي، وخصوصاً بعدما رأت الجرأة اليمنية في الدخول في معركة نصرة غزة والتهديد بتوسيعها لتشمل البحر الأحمر وباب المندب؟ لا شكّ في أن المصلحة السعودية تقتضي إنهاء الحرب مع اليمن والتخلّص من عبئها، والانصراف إلى تنشيط خطط المملكة وبرامجها المتوقّفة راهناً بسبب استمرار الحرب. غير أن العرقلة الأميركية ستظلّ تطلّ برأسها حتى في حال توقيع الاتفاق؛ إذ بمقدور واشنطن تفريغه من مضمونه من خلال إعادة إدراج حركة «أنصار الله» على لوائح الإرهاب الأميركية، أو بواسطة فرض قوانين العقوبات وتشديدها. فضلاً عن ذلك، تُمسك واشنطن بالعديد من الأوراق الداخلية في اليمن، وعلى رأسها تحريك الدور الوظيفي للإمارات المعارض لأيّ تسوية سياسية لا تراعي مصالح حليفتَيها، الولايات المتحدة وإسرائيل. وكما هو معروف، فإن أبو ظبي تتحكّم بالجنوب اليمني من خلال «المجلس الانتقالي الجنوبي» الذي أكد مسؤولوه أكثر من مرّة أنهم يريدون انفصال المحافظات الجنوبية عن الدولة والعودة إلى ما قبل عام 1994.
وكانت صحف صادرة في عدن قد نقلت عمّا سمّته «مصادر ديبلوماسية» تفاصيل مسوّدة التسوية السياسية الشاملة للأزمة اليمنية، والتي تتكوّن من ثلاث مراحل، على النحو الآتي:
المرحلة الأولى: تستمرّ ستة أشهر، وفيها يتمّ وقف إطلاق النار وفتح الموانئ والمطارات ودفع المرتّبات، إضافة إلى إغلاق ملفّ الأسرى وملفّ سفينة صافر (وهو الذي أُغلق فعلاً بعدما تحركت السفينة البديلة من الصين باتجاه الحديدة الأسبوع الماضي). كما تشمل السماح للحكومة «الشرعية» باستئناف تصدير النفط والغاز للمساهمة في تغطية دفع المرتّبات، على أن تتولّى السعودية سدّ النقص في الميزانية، إضافة إلى تشكيل لجنة اقتصادية لوضع‏ تصوّر شامل للوضع المالي والاقتصادي للبلاد، وتشكيل لجنة عسكرية وأمنية تعمل على رفع تصوّر كامل للملف الأمني والعسكري.
المرحلة الثانية: تستمرّ من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر، وتشمل الحوار والتفاوض بين حكومة صنعاء والحكومة «الشرعية» للاتفاق على طبيعة المرحلة الانتقالية‏ وإدارتها، وتحديد الوضع الأمني والعسكري وخروج القوات الأجنبية.
المرحلة الثالثة: هي الأطول في إطار التسوية، بحيث تمتدّ عامين كاملين، كمرحلة انتقالية. وفيها يجري حوار يمني - يمني موسّع، يشمل كلّ المكوّنات السياسية المختلفة، وتُناقَش فيه القضايا الخلافية كافةً، وأهمّها شكل الدولة والسلاح والمؤسسات والقضية الجنوبية والعدالة الانتقالية، وفق قانون جبر الضرر.