رام الله | حوّل ثلاثة مقاومين من مدينة الخليل جنوب الضفة الغربية، حاجز النفق قرب بيت لحم، إلى ساحة اشتباك، عقب فتحهم النار على قوات الاحتلال وعناصر الشرطة، قبل أن يرتقوا شهداء في عملية فدائية نوعية. وفي التفاصيل، وصل الشبان على متن مركبة إلى حاجز النفق الذي يفصل مدينة بيت لحم عن القدس، وعند توقيف المركبة من قِبَل جنود الاحتلال لتفتيشها، اضطرّ المقاومون لفتح النار عليهم والاشتباك معهم، ما أدّى إلى مقتل جندي وإصابة 6 آخرين بجروح مختلفة، أحدهم جروحه خطيرة. ويبدو أن المقاومين كانوا يعتزمون الوصول إلى القدس، أو إلى إحدى مدن الداخل المحتلّ، لتنفيذ عمليتهم الفدائية.وقال قائد شرطة الاحتلال في القدس، دورون ترجمان: «لقد منعنا هجوماً كبيراً، وتقديراتنا أن المنفّذين حاولوا اجتياز الحاجز إلى داخل القدس لتنفيذ العملية»، فيما ذكرت إذاعة الجيش أنه «تمّ العثور على فؤوس وذخيرة إضافية في سيارة المنفّذين، وبحسب التقديرات كانوا يخطّطون لتنفيذ عملية كبرى في القدس، وحاولوا دخول إسرائيل باستخدام لوحة إسرائيلية مزوّرة». كذلك، عرض جيش العدو، بعد استشهاد المقاومين، محتويات المركبة، والتي تضمّ قطعتَي سلاح رشاش ومسدّسات وأسلحة بيضاء وكمّيات كبيرة من الرصاص وزيّاً عسكرياً إسرائيلياً، بينما نقلت مصادر عبرية عن جهاز «الشاباك»، قوله إن «منفّذي العملية عند حاجز الأنفاق هم عناصر حماس»، علماً أن محلّلين اعتبروا أنه «على ما يبدو، فإن منفّذي عملية النفق، صباح اليوم الخميس (أمس)، خطّطوا لتنفيذ عملية مستوحاة من أحداث السابع من أكتوبر»، وفق «القناة 12» العبرية. وبالفعل، تبنّت حركة المقاومة الإسلامية، مساء أمس، العملية.
وفي أعقاب الهجوم، ساد التوتّر والتأهّب أوساط شرطة الاحتلال، إذ حلّقت طائرة مروحية تابعة لها في أجواء محيط المكان، فيما أغلق الجيش الحواجز العسكرية جنوب الضفة الغربية، خشية وجود قنبلة في المكان، وشرع في إجراء عمليات تفتيش، وسط تكهّنات بوجود منفّذ رابع تمكّن من الانسحاب. كذلك، اقتحمت قوات كبيرة من الجيش، الخليل، وأَغلقت مداخلها، وأعاقت حركة المواطنين فيها، وداهمت منازل منفّذي العملية، وهم: عبد القادر القواسمي، ونصر القواسمي، وحسن قفيشة، وعاثت فيها تكسيراً وخراباً. كما اعتدت على ذويهم واعتقلت عدداً منهم، عُرف من بينهم، والدة الشهيد عبد القادر القواسمي. والجدير ذكره أن الشهداء الثلاثة من عائلات معروفة بانتمائها إلى حركة «حماس» و«كتائب القسام». فالشهيد عبد القادر الذي عقد قرانه بداية العام الجاري، هو نجل الشهيد عبدالله القواسمي، أحد قادة «القسام» في مدينة الخليل، والذي اغتالته قوات الاحتلال في عام 2003، وكان من بين المبعدين إلى مرج الزهور اللبنانية عام 1993، وبرز في «انتفاضة الأقصى» كأحد قادتها، مشرفاً على العديد من المجموعات «القسّامية» في الخليل. وعقب استشهاد القائد العام لـ«القسام» في الخليل، الشهيد أكرم الأطرش، خلفه القواسمي وكان مسؤولاً عن مجموعة «الملثّمين الثلاثة»، وعضواً في المجلس العسكري لـ«الكتائب» في الضفة الغربية. وبحسب الموقع الرسمي لـ«القسام»، فقد اتهمه الاحتلال بالإشراف على العديد من العمليات الاستشهادية. أمّا الشهيد حسن قفيشة، فهو النجل الأكبر للقيادي في «حماس» والأسير المحرّر والمبعد إلى تركيا، مأمون قفيشة، وعمّه القيادي في «حماس» والمبعد إلى قطاع غزة، أيمن قفيشة. والشهيد نصر القواسمي هو شقيق الاستشهادي أحمد القواسمي، الذي نفّذ مع الشهيد نسيم الجعبري، في 31 آب 2002، عملية استشهادية في محطّة حافلات مدينة بئر السبع المحتلّة، قتل فيها 17 مستوطناً وأصاب العشرات في إطار عمليّات الثأر للشهيدين الشيخ أحمد ياسين، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي.
ثمّة تحذيرات أميركية من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية مالياً، وفقدانها السيطرة على المدن المركزية في الضفة الغربية


وتنذر عملية النفق باحتمال تصاعد الهجمات الفدائية في الضفة الغربية، في ظلّ استمرار العدوان على قطاع غزة، إذ وعلى الرغم من عدم تحقيق الهدف النهائي المرجوّ منها، يبدو أن «حماس» قرّرت تفعيل خلاياها النائمة، أو ما استطاعت تشكيله من مجموعات مقاتلة لتنفيذ عمليات فدائية، في سياق تنفيذ ما هدّد به الناطق باسم «القسام»، أبو عبيدة، في إحدى كلماته أخيراً، حين قال: «نبشّر الاحتلال بمرحلة قادمة من الغضب والمقاومة في الضفة وغزة والقدس وفي كلّ الجبهات والساحات»، علماً أن هذا الهجوم يأتي بعد أسبوعين فقط من عملية بيت ليد التي تبنّتها «القسام»، وقُتل فيها جندي إسرائيلي برصاص مقاومين، وأيضاً من كمين «حقل العبوات» في بلدة بلعا في طولكرم والذي تكتّم جيش الاحتلال عنه، وكشفته «القسام» في فيديو مصوّر أَظهر انفجار عبوات ناسفة بقوات راجلة بالقرب من مركبة محروقة استُدرجت إليها، تبنّتهما «القسام».
وكانت قوات الاحتلال شنّت حملة اعتقالات واسعة، منذ بدء معركة «طوفان الأقصى»، في صفوف عناصر «حماس» وقياداتها والمحسوبين عليها، خشية إقدامهم على تأجيج الأوضاع في الضفة الغربية، ولا سيما في جنوبها، حيث الخليل، التي لطالما حذّر المحلّلون والمراقبون الإسرائيليون من تداعيات دخولها في المواجهة العسكرية المتصاعدة في الضفة، والتي لا تُقارن بما يجري في الشمال. وكان لافتاً تركيز الاحتلال في الاعتقالات على مدينة الخليل، التي تُعَدّ معقلاً مركزياً للحركة، وتنتشر فيها الأسلحة الآلية بشكل كبير بين المواطنين، فضلاً عن أن المدينة ذات موقع جغرافي يتيح الاحتكاك المباشر مع المستوطنين وجنود العدو في المنطقة.
في هذا الوقت، لا يزال اشتعال جبهة الضفة مقلقاً بالنسبة إلى الإدارة الأميركية، التي سعت، منذ بداية العدوان على غزة، إلى احتوائها، وضمان أن تقوم سلطة رام الله بـ«دورها» في السيطرة عليها. وبحسب صحيفة «هآرتس»، حذّر مسؤولون في إدارة جو بايدن، في محادثات مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، في الأيام الأخيرة، من احتمالية انهيار السلطة الفلسطينية مالياً وفقدانها السيطرة على المدن المركزية في الضفة الغربية، وقدّروا أن عنف المستوطنين «يعزّز الدعم لحماس»، وأن اندلاع العنف هناك «سيضرّ بالدعم الدولي الذي تتلقّاه إسرائيل لاستمرار القتال في القطاع».
يُذكر أن قوات الاحتلال اقتحمت أيضاً، فجر أمس، عدّة مدن وبلدات في الضفة، حيث شنّت حملة اعتقالات، اندلعت على إثرها مواجهات مسلّحة في مناطق مختلفة، فيما سُجّل اعتقال قرابة 85 فلسطينياً. واقتحم جنود العدو منزل يحيى مساد، والد الأسيرَين الشقيقَين عبد الرحمن وعبد العزيز مساد، في بلدة كفر دان قضاء جنين، وأخذوا قياساته تمهيداً لهدمه، بعد حملة تفتيش وتخريب لمحتوياته، بينما أعلنت كتائب «القسام» في البلدة خوض اشتباكات مسلّحة عنيفة مع قوات الاحتلال. وشهد مخيم الفارعة جنوب طوباس، مواجهات مسلّحة عنيفة بين مقاومين وقوات الاحتلال، في حين استهدف مقاومون النقطة العسكرية المقامة على جبل جرزيم في نابلس.