في اليوم الـ41 للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تابع جيش الاحتلال عمليّته البرية، والتي ظلّ عنوانها الأساسي على مدى اليومين الماضيين، «مجمّع الشفاء الطبّي». وواصلت قوات العدو اقتحامها المشفى، وجرّفت بعض أجزائه، كما سُمع الجنود الإسرائيليون وهم يطلقون الرصاص عدّة مرات، خلال دخولهم أقسامه. وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي أن جنوده يقومون بعمليات تفتيش تفصيلية في طوابق المرفق وغرفه، وأن هذه العملية «بطيئة»، وتستغرق وقتاً، أعلن مدير المجمع أن «المستشفى مظلمٌ تماماً، لغياب الكهرباء»، بينما «يعمل الاحتلال على تخريب محتوياته وتجهيزاته بشكل منظّم». كذلك، أعلن «وفاة 3 أطفال خُدَّج في المستشفى»، فيما زعم جيش العدو أنه «عثر قرب المستشفى على جثة رهينة إسرائيلية»، كانت قد خُطفت يوم «طوفان الأقصى»، في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. وأوضح بيان للجيش أن «جثة هذه المرأة التي خُطفت من كيبوتس بئيري، أخرجتها قوات الجيش الإسرائيلي من مبنى محاذٍ لمستشفى الشفاء».في هذا الوقت، واصلت دبابات العدو تقدّمها من أمام «مجمع الشفاء»، شرقاً في اتجاه وسط مدينة غزة، حيث وصل رتل من الدبابات إلى محيط «المستشفى الأهلي المعمداني»، ودارت اشتباكات عنيفة في المكان ومحيطه. وبات واضحاً أن الاحتلال يتعمّد استهداف المستشفيات في شمال قطاع غزة، وضربها لإخراجها من الخدمة، متطلّعاً من وراء ذلك إلى إزالة كلّ مقوّمات الصمود المدني في المنطقة، دفعاً نحو تفريغها تماماً من غير العسكريين، وجعلها منطقة غير قابلة للعيش. وفي هذا السياق، حذّر «برنامج الأغذية العالمي»، أمس، من أن السكان (في غزة) يواجهون «احتمالاً مباشراً للموت جوعاً»، حيث أصبحت «إمدادات الغذاء والمياه معدومة عملياً».
مع ذلك، وصفت صحيفة «هآرتس» أسلوب قتال المقاومة في غزة، بأنه «عبارة عن عشرة أفراد يرسلون طائرة استطلاع مُسيّرة مع خيوط الفجر الأولى، تحدّد لهم أماكن الدبابات والآليات والحشود العسكرية، وخطوط سيرها المحتملة، ثم يتوزّعون إلى فرق: كلّ فرقة تتكوّن من فردَين يرتديان ملابس مدنية خفيفة، ويضع أحدهما كاميرا على رأسه، ثمّ يقضي الجميع نهارهم في التحرّك بين تلك الحشود والآليات عبر وسائلهم الخاصة في الاختباء، من أنفاق وأزقّة ضيّقة وبنايات مدمّرة (...) مستهدفين القوات الإسرائيلية بأسلحة دقيقة وموجّهة. ومع حلول الظلام يختفون ويعودون إلى قواعدهم، وهكذا». وتساءل التقرير: «كم من الوقت بإمكان جيشنا الصمود في وجه هذا الاستنزاف، وهذه المواجهة بين جيش بوسائله ومعدّاته الثقيلة، وعشرة أفراد أو عشرين فرداً على الأكثر في اليوم؟».
وفي حصيلة يوم أمس، تمكّن مجاهدو «القسام» من الإجهاز على قوة صهيونية متحصّنة داخل مبنى في بيت حانون بـ12 قذيفة مضادّة للتحصينات، ما أدّى إلى تدمير المبنى بشكل كامل وانهياره على القوّة المستهدفة. كما استهدف مقاتلو «القسام»، صباح أمس، «5 جيبات عسكرية حاولت التسلّل إلى غرب بيت لاهيا بقذائف «الياسين 105»، ما أدّى إلى تدمير جيبين (...) والإجهاز عليهما بالأسلحة الرشاشة من مسافة صفر». كذلك، أعلنت «القسام»، مساءً، أنها تمكّنت من تدمير 21 آلية إسرائيلية كلياً أو جزئياً، في محاور التوغل كافة في قطاع غزة، خلال يوم أمس. ومن جهتها، أعلنت «سرايا القدس» قصف مستوطنة نير عوز في غلاف غزة، برشقة صاروخية مركّزة.
واشنطن وحلفاؤها يدفعون نحو خطة لنشر قوة «حفظ سلام» دولية في قطاع غزة


وفي سياق متصل، بعث قائد «قوّة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال إسماعيل قاآني، برسالة إلى القائد العام لـ«كتائب عز الدين القسام»، محمد الضيف، يؤكد فيها أن «العمليات البرية التي بدأها العدو، والضربات المتتالية التي وجّهتها المقاومة إلى قواته ومدرّعاته، أثبتت للجميع أن المقاومة في غزة قادرة على المبادرة والابتكار، مع الحفاظ على تنظيمها وقدرتها الميدانية». كما أكّد قاآني أن «إخوانكم الملتحمين معكم في محور القدس والمقاومة، ومعهم كلّ شرفاء الأمة وأحرار العالم، لن يسمحوا لهذا العدو المتوحّش ومن يقف خلفه بالاستفراد بغزة وأهلها الأبطال الصامدين، ولن يمكّنوه من الوصول إلى أهدافه». وأضاف قاآني أنه «ختاماً فإننا نؤكّد العهد والميثاق والالتزام الإيماني والأخوي الذي يجمعنا، ونطمئنكم بأننا وضمن استمرارنا في الحماية والدعم المؤثّرين للمقاومة، سنقوم بكلّ ما يجب علينا في هذه المعركة التاريخية».
من جهته، أكّد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في كلمة متلفزة، أنه «بعد 41 يوماً من العدوان الهمجي، لن يستطيع العدو تحقيق أيّ من أهدافه أو استعادة أسراه إلا بدفع الثمن الذي تحدّده المقاومة». ودعا هنية إلى تنفيذ «ما صدر عن أعمال القمة العربية والإسلامية الطارئة من قرارات، وخاصة المتعلّقة بوقف العدوان وكسر الحصار فوراً». أما بالنسبة إلى قرار مجلس الأمن أوّل من أمس، فاعتبر أنه «كان ينبغي أن يتضمّن إدانة صريحة ومباشرة لجرائم الحرب والتطهير العرقي التي يرتكبها العدو في غزة والضفة». وتوجّه هنية «إلى العدو وكلّ داعميه الذين يمنّون النفس بتغيير الواقع السياسي والميداني لقطاعنا، بأن حركة حماس متجذّرة في أرضها ولن يستطيع العدو وكلّ من معه تغيير هذا الواقع بإذن الله»، مؤكداً أن «صاحب الحق الوحيد في تحديد مستقبل قطاع غزة وكلّ فلسطين هو الشعب الفلسطيني بإرادته الحرة المستقلة». وشدّد رئيس المكتب السياسي للحركة، على أن «نصرة غزة بالمال والسلاح والجهاد يجب أن تتجاوز كلّ المعيقات مهما كانت، فلا عذر لقاعد أو راضٍ بالقليل من الجهد والعمل»، موجّهاً «التحية إلى جبهات المقاومة الساخنة التي تُسهم في هذه المعركة على طريق التوازن الإستراتيجي الضاغط على العدو».
على الصعيد الدولي، عادت واشنطن لتؤكّد دعمها الثابت للعدو الإسرائيلي في حربه على قطاع غزة، إذ اعتبرت الخارجية الأميركية، في بيان أمس، أن «وقف إطلاق النار لن يفيد سوى «حماس»، ونسعى إلى فرض هدن إنسانية مطوّلة»، مشيرة إلى أن واشنطن تعمل على «إنشاء مناطق آمنة في جنوب قطاع غزة». وعادت الوزارة لتتبنّى الرواية القائلة إن «حماس» تستخدم المستشفيات لـ«إخفاء مقاتليها، وحفرت أنفاقاً في أسفلها»، زاعمةً أنه «ليست لدينا تقارير تفيد بأن إسرائيل قد انتهكت القوانين الدولية في حربها في غزة». وفي سياق متصل، تحدّثت صحيفة «بلومبيرغ» نقلاً عن مصادر مطّلعة، أن «واشنطن وحلفاءها الأوروبيين يدفعون نحو خطة لنشر قوة حفظ سلام دولية في قطاع غزة»، وأشارت إلى أن «واشنطن تعتقد أن بحث نشر قوة حفظ سلام دولية في غزة قد يدفع إسرائيل للإسراع بإنهاء عمليتها». كما لفتت الصحيفة إلى أن «الدول العربية متردّدة في مناقشة خطط مفصّلة بشأن غزة ومتمسّكة حالياً بدعوات وقف إطلاق النار»، كما أنه «ليست لدى المسؤولين الإسرائيليين ثقة كبيرة في أي جهة خارجية تدخل غزة».