لا حاجة إلى الاستعانة بمواقف مسؤولين إسرائيليين أو دراسات صادرة عن معاهد أبحاث، تتناول التهديد الذي يشكّله اليمن على إسرائيل، لتحديد المعالم لتقدير الكيان لمخاطر قرار قائد حركة «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، استهداف السفن الإسرائيلية التي تمرّ في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مع التذكير، هنا، بأنّ وسائل الإعلام الإسرائيلية تخضع حالياً لرقابة مشدّدة، بوصف ذلك جزءاً رئيسياً من المعركة التي تشهدها فلسطين والمنطقة. والأكيد أنّ قرار الحوثي، الذي لا يخفى تبنّيه لقضية فلسطين والمقاومة، حاضرة لدى الصديق والعدو، فيما تعلم إسرائيل جيّداً أنه منذ لحظة إعلانه بدأ العدّ العكسي لتنفيذه، ولذا الأكيد أيضاً أنه ماثل أمام جهات التقدير والقرار السياسي والأمني في تل أبيب وواشنطن على السواء، والتي تتعامل معه بكامل الجدّية والخطورة.ويشكّل التهديد باستهداف السفن والبوارج الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مستجدّاً إستراتيجياً في مجرى الحرب، وارتقاءً إضافياً في مسار الضغوط المتصاعدة على الطرفَين الإسرائيلي والأميركي، بينما سيشكّل تنفيذه عاملاً مضافاً في سياق المسار التراكمي للعمليات التي يقوم بها أطراف محور المقاومة دعماً للشعب الفلسطيني ومقاومته، ومؤشّراً كاشفاً إلى أن هذا المسار سيواصل اتّجاهه التصاعدي بما يتلاءم مع المتغيّرات الميدانية والسياسية، فارضاً بالتالي مزيداً من التحدّيات على إسرائيل والولايات المتحدة. والظاهر، هنا، أنّ العدو أدرك حقيقة أنّ الضربات التي يتعرّض لها تأتي في سياق حرب استنزاف ضدّه، فضلاً عن كونها مفتوحة على كثير من المتغيّرات، وهو ما دلّ عليه حديث رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، اللواء أهارون حليفا، عن أن الحرب على غزة «لها أبعاد إقليمية متعدّدة، ما يزيد من تعقيداتها». وإذ يعني ذلك، بوضوح، تداخل جبهات محور المقاومة من لبنان إلى اليمن مروراً بالعراق وسوريا، فليس من الصعوبة التقدير أن تأثير التداخل المذكور سيصبح أكثر وضوحاً، ولن يطول الوقت حتى يتحوّل إلى مادة رئيسية في أبحاث معاهد الدراسات ومواقف المسؤولين، خصوصاً أنّ «عامل الوقت ليس في مصلحة إسرائيل»، وفقاً لما يحذّر منه رئيس «أمان» السابق، اللواء عاموس يادلين.
لا يبدو أنّ ضغوط واشنطن ستفلح في ثني صنعاء عمّا تفعله


وعليه، سيحتلّ قرار «أنصار الله» الأخير حيّزاً مهمّاً ضمن مجموعة متغيّرات ستشكّل منطلقاً لتقدير الجهات المختصّة في قيادة العدو لسيناريوات الحرب، كما وسيحتلّ موقعه ضمن منظومة القيود والمخاطر التي ستحضر على طاولة القرار. ربّما يخطر في بال قادة الكيان، هنا، أنّ هذا التهديد ما دام لا يزال ضمن دائرة القرار اللفظي، فمن الممكن الرهان بشكل أو بآخر على عدم خروجه إلى حيّز التنفيذ، إلّا أنه مع أوّل استهداف عملياتي لسفينة إسرائيلية، سيجد «الكابينت» والجيش أنهما أمام تحدٍّ إستراتيجي كبير جدّاً، كونه سيؤدّي إلى ارتفاع مستوى الخطورة على حركة الملاحة البحرية للعدو، وهو ما ستكون له تداعيات اقتصادية وأمنية وإستراتيجية. ولذلك، يُتوقّع حينئذٍ أن تتكرّر الرسائل والتهديدات التي يطلقها المسؤولون الرسميون إزاء «حزب الله»، كجزء من الحرب النفسية التي تشكّل أداة رئيسية من أدوات الحرب الجارية، إنّما ضدّ اليمن و«أنصار الله» هذه المرّة.
أمّا في خصوص الرهان على دور أميركي رادع في مواجهة اليمن، فلا يبدو أنّ ضغوط واشنطن ستفلح في ثني صنعاء عمّا تفعله، فيما يُرجَّح أن تكون لأيّ اعتداءات أميركية في هذا السياق نتائج من نوعَين: الأول، رفع مستوى التوتّر واتساع نطاقه في البحر الأحمر وباب المندب، بعد أن يكون محصوراً بالمواجهة مع القطع البحرية الإسرائيلية. والثاني، تصاعد العمليات ضدّ قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا. وبالنتيجة، فإن تفعيل خيار المعركة البحرية في اليمن سيشكّل ارتقاءً إضافياً في حرب الاستنزاف التي يشنّها محور المقاومة، دعماً لأهل قطاع غزة. وإذا كانت لكلّ ساحة من ساحات هذا المحور خصوصيتها التي تسهم في بلورة خياراتها وتحديد دورها، فإن المساحة المشتركة في ما بينها تتجلّى في التكامل العملياتي الذي سيتعاظم تأثيره في منظومة الاعتبارات والحسابات الأميركية والإسرائيلية في كلّ ما يتعلّق بالحرب الدائرة في القطاع.