رام الله | لا يُغلق الجرح في جنين؛ فالقصص هناك تُروى بطريقة أخرى في كلّ مرة تعود فيها مخضّبة بالدم الذي لا يتوقف سيله، والذي ليس غيره سرّ أرضها الخصبة التي عُرفت بها منذ القدم حتى الآن. قصة جنين الجديدة خطّها 3 شهداء ارتقوا فجراً في المخيم، بعد قتال امتدّ لساعات، تصدّوا في خلاله لاقتحام واسع نفّذته قوات الاحتلال مساء الخميس، قبل أن يستريحوا أخيراً في تراب المدينة الأحمر، ويشيّعهم آلاف الفلسطينيين. ومن بين هؤلاء، بهاء جمال لحلوح، الذي لم يتجاوز عمره الـ 24 عاماً، والذي زفّت خبر استشهاده حركة «الجهاد الإسلامي»، مبيّنةً أنه أحد مؤسّسي «كتيبة جنين»، وأنه ارتقى إلى جانب الشهيدَين محمد جمال فلو ومحمد عزمي الحسنية.وفي التفاصيل، اقتحمت قوات الاحتلال جنين بأكثر من 80 آلية عسكرية و6 جرافات ضخمة، بالتزامن مع تحليق الطائرات المسيّرة، في مشهد باتت تعيشه جنين أكثر من مرّتين أسبوعياً. وعاثت الجرافات خراباً في المدينة ومحيط المخيم، حيث أقدمت على تجريف الشوارع وتدمير شبكات المياه والكهرباء والاتصالات، ودمّرت البنية التحتية ومركبات المواطنين بشكل متعمّد. كما تحصّن جنود الاحتلال في عدّة مبانٍ، توازياً مع انتشار فرق القناصة، وخاصة في حيّ الجابريات وحيّ الدمج. أيضاً، قصفت الطائرات المسيّرة موقعاً واحداً على الأقلّ بين حارة الدمج وحارة الحواشين، ما أدى إلى استشهاد الشبان الثلاثة، فيما منعت قوات الاحتلال سيارات الإسعاف من الوصول إلى المصابين، الذين بلغ عددهم قرابة 15 جريحاً، بينهم 4 أصيبوا بجروح خطيرة.
ووقعت على إثر ذلك اشتباكات مسلّحة عنيفة، رافقها تفجير المقاومين لعشرات العبوات الناسفة بآليات العدو بشكل مباشر، في وقت قطعت فيه قوات الاحتلال الكهرباء عن حي الجابريات والمخيم، وحاصرت مستشفى «ابن سينا» واعتقلت مسعفين، وأخضعت سيارات الإسعاف في محيطه للتفتيش الدقيق، وطالبت بإخلائه عبر مكبّرات الصوت. كما حاصرت مستشفى «جنين الحكومي» طوال فترة الاقتحام التي امتدّت لأكثر من 9 ساعات، ومنعت نقل المصابين أو المرضى إليه. وأكدت «كتيبة جنين»، من جهتها، أن مقاتليها خاضوا اشتباكات مسلّحة في عدّة محاور مع قوات الاحتلال خلال اقتحامها مخيم جنين ومحيطه منذ مساء الخميس حتى صباح الجمعة، حيث تمكّنوا من تفجير عبوة ناسفة شديدة الانفجار من نوع «تامر» بجرافة عسكرية، ما أدّى إلى إعطابها وخروجها عن الخدمة. وأكدت «كتائب القسام»، بدورها، تمكّن مقاتليها من تفجير عدّة عبوات ناسفة بآليات العدو.
وعلى رغم الدمار الكبير الذي تحدثه قوات الاحتلال في كلّ مرّة تقتحم فيها جنين، إلا أن الأهالي لا يتزحزحون عن تأييدهم للمقاومة، ويطالبونها بالمزيد، وهم يفخرون بأبنائهم الشهداء والمقاتلين. هذا هو مثلاً حال والد الشهيد بهاء، الذي قال عقب دفن نجله لوسائل الإعلام، إن ابنه كان شرساً في القتال، واختار طريق المقاومة، وكان يحلم بنيل الشهادة وقد تحقّق له مراده. وتمثّل قصة بهاء امتداداً لقصة ابن عمّه مجد الذي استشهد عام 2013، وابن عمّه الآخر براء الذي استشهد عام 2022.
رغم الدمار الكبير الذي تحدثه قوات الاحتلال في كلّ مرة تقتحم فيها جنين، لا يتزحزح الأهالي عن تأييدهم للمقاومة


في هذا الوقت، يواصل جيش العدو حالة استنفاره وتأهبه في الخليل جنوب الضفة الغربية، بعد ساعات من العملية الفدائية التي وقعت على حاجز النفق بين بيت لحم والقدس المحتلة، والتي نفّذها 3 عناصر من حركة «حماس». وشدّدت قوات الاحتلال، أمس، من إجراءاتها العسكرية في المحافظة، وقيّدت حركة المواطنين بالمناطق المغلقة في شارع الشهداء، وحارتَي السلايمة وجابر، ومحيط الحرم الإبراهيمي، ومنعت الدخول إلى المنطقة لمدّة أسبوع كامل، فيما سمحت بالخروج بلا عودة. كما فرضت إجراءات مماثلة على مداخل بلدات الخليل ومخيماتها، ونصبت العديد من الحواجز العسكرية، وفتّشت مركبات المواطنين ودقّقت في هوياتهم. كذلك، استشهد شابّان، ظهر أمس، برصاص قوات الاحتلال، بزعم محاولتهما تنفيذ عملية إطلاق نار، قرب ترقوميا غرب الخليل. وذكرت مصادر عبرية أن الشابين محمد كامل عوني أبو ميزر وعبد الرحمن طلال أبو سنينة ترجّلا من سيّارة، وأطلقا النار على القوة الإسرائيلية الموجودة في المكان من دون أن تقع إصابات بين عناصر جيش العدو، فيما ادّعت تقارير عبرية أخرى بأن سائق المركبة حاول دهس الجنود، حينما نزل الآخر من المركبة وشرع في إطلاق النار صوبهم.
في غضون ذلك، اقتحمت قوات الاحتلال، أمس أيضاً، عدّة مدن وبلدات في الضفة، لتندلع مواجهات أسفرت عن إصابات. وكان أبرز تلك الاقتحامات لبلدة نعلين غرب رام الله، حيث اعتقل الجيش 28 مواطناً، بعد مداهمة منازل المواطنين وتدميرها وتخريب محتوياتها. كما اقتحم جنود العدو بلدة قصرة جنوب مدينة نابلس، واحتجزوا عدداً من الشبان، وأجروا تحقيقاً ميدانياً معهم. وفي بلدة دير نظام غرب رام الله، أصيب شاب بجروح إثر إطلاق قوات الاحتلال النار على مركبته وسط البلدة، خلال اقتحام الأخيرة من قِبل قوة راجلة. وفي بيتا جنوب نابلس، أصيب 3 أطفال برصاص جنود العدو خلال مواجهات اندلعت في البلدة، فيما أصيب شاب في قدمه برصاص قوات الاحتلال خلال مواجهات اندلعت في بلدة جيوس شرق مدينة قلقيلية. وفي بورين جنوب نابلس، اندلعت اشتباكات مع قوات الاحتلال - بعد اقتحام قوة راجلة منها للقرية -، أطلق خلالها الجنود الرصاص الحيّ صوب المواطنين وممتلكاتهم، في حين اقتحم جيش العدو بلدة فرعون جنوب طولكرم ونشر دورياته الراجلة في أحيائها، وتحديداً الحيّ الغربي، ودفع بجنوده إلى سطوح عدد من البنايات في المنطقة. وفي بلدة أبو ديس شرق القدس المحتلة، أصيب طالبان بالرصاص خلال مواجهات أعقبت اقتحام قوات الاحتلال حرم جامعة القدس وتحطيم محتويات مجلس الطلبة.
أما مدينة القدس المحتلة، فتحوّلت أمس إلى ثكنة عسكرية، في ظلّ الانتشار العسكري الكثيف لقوات الاحتلال في أحياء المدينة وبلداتها، حيث منعت المصلّين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة، وأطلقت الغاز السامّ المسيّل للدموع والعيارات المعدنية المغلفة بالمطاط صوبهم أثناء قيامهم بأداء الصلاة في شوارع حي وادي الجوز المجاور للبلدة القديمة، ولاحقتهم واعتدت على عدد منهم بالضرب. ولم يتجاوز عدد المصلين في الأقصى الـ 4 آلاف مصلٍّ جراء قيام العدو بفرض إجراءات عسكرية مشددة على دخولهم إلى البلدة القديمة والحرم القدسي، وهو ما يتكرّر ليوم الجمعة السادس على التوالي.