في محاولة للخروج من حالة الجمود التي يعيشها الملفّ السياسي السوري في جميع مساراته، الأممية (اللجنة الدستورية) والروسية (مسار أستانا) على السواء، بدأ المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، عقد سلسلة لقاءات سياسية مع أطراف عديدة في جنيف السويسرية، أملاً بالخروج بنتائج تعيد إحياء مسار «الدستورية» المجمّد. يأتي ذلك بعدما تعثّرت محاولات عديدة سابقة لبعث هذا المسار، في ظلّ ضغوط أميركية متواصلة نجحت في منع نقل مقرّ عقد اللقاءات من سويسرا، التي تخلّت عن حياديتها وانضمّت إلى الدول التي فرضت عقوبات على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا، إلى دولة أخرى، قد تكون سلطنة عمان أو الإمارات العربية المتحدة أو الأردن.بيدرسن الذي يبدو أنه وصل إلى مرحلة اليأس بسبب عدم قدرته على تقديم أيّ دفع حقيقي للملفّ السوري، أعلن، في سلسلة تغريدات له على موقع «X»، عقْده لقاءات مع ممثّلين غربيين، بينهم مساعد نائب وزير الخارجية الأميركي ومسؤول الملف السوري، إيثان غولدريتش، والمبعوث الهولندي الخاص إلى سوريا، جيجس غيرلاغ، بالإضافة إلى ممثلين عن منظمات سوريّة معارضة، بينها «هيئة التفاوض» التي تُجري سلسلة اجتماعات دورية في جنيف مع ممثلي دول غربية، أملاً في «تحريك الملف السوري»، بالإضافة إلى إعادة ترتيب «البيت الداخلي للهيئة»، وتنظيم روزنامة عمل موحّدة لجميع لجان الهيئة.
إلا أن الاجتماعات التي عقدها بيدرسن مع المسؤولين الغربيين، والتي جاءت بعد لقاء ضمّه إلى وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، الذي زار سويسرا وأجرى لقاءات مع مسؤولين أمميين، من بينهم مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، والأمين العام للجنة الدولية للصليب الأحمر العالمي، ومفوضة حقوق الإنسان، لبحث الأوضاع في فلسطين المحتلة في ظلّ حرب الإبادة التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزة، لم تخرج بأيّ جديد. فقد أعاد غيرلاغ تأكيد موقف هولندا الذي يولي أهمية كبيرة لـ«احتواء التوترات الإقليمية الحالية، ووقف تصعيد العنف»، وهو التوجه نفسه الذي ذهب إليه أيضاً غولدريتش الذي قال إن الولايات المتحدة ترى أنه «في ظلّ التوترات المتصاعدة في مختلف الجبهات، من الضروري أن تتعاون جميع الجهات الفاعلة الرئيسة في سوريا من أجل تهدئة التصعيد ودفع العملية السياسية بما يتماشى مع التفويض الأممي». أمّا عبد اللهيان فقد أعاد التذكير بالآثار المدمرة للعقوبات المفروضة على سوريا، داعياً إلى بذل الجهود من قِبل الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ونائب الأمين العام لشؤون المساعدات الإنسانية في الأمم المتحدة، معيداً التذكير أيضاً بالموقف الأميركي الذي يعقّد الأمور في سوريا، وقال إن «الوضع في سوريا أصبح معقّداً بسبب التدخلات الأميركية، ولا تزال العشرات من الجماعات الإرهابية تهدّد الأمن تحت تأثير هذه التدخلات». وأشار إلى أن بلاده «مستمرة في دعم مهمّة الممثل الخاص للأمين العام للمساعدة في حلّ المشاكل».
أطلقت روسيا تحذيرات جديدة بشأن الدور الذي تقوم به القاعدة الأميركية غير الشرعية في منطقة «التنف» في دعم الفصائل المتشدّدة


وفي وقت يراوح فيه بيدرسن مكانه من دون تحقيق أيّ خرق جدّي يعيد إحياء الملفّ السوري سياسياً، تشهد خطوط التماس التي فرضتها الحرب عمليات إشعال متزايدة، في ظلّ محاولات الفصائل المنتشرة في إدلب والتي تقودها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً) إشعالها، عبر شنّ هجمات بالقذائف والطائرات المسيرة، والتي يعلن الجيش السوري بشكل يومي إسقاطها في محيط حماة وحلب، ويقوم بالردّ على الفصائل في محاور عديدة، آخرها محيط جبل الزاوية.
وفي البادية السورية، في ريف حمص الممتدّ إلى الرقة، يتابع تنظيم «داعش» محاولة شنّ هجماته التصعيدية التي بدأها قبل نحو أسبوعين، حيث رصدت قوات الجيش السوري والفصائل التي تؤازره أسلحة جديدة يستعملها مقاتلو التنظيم في هذه الهجمات، في وقت تقوم فيه طائرات روسية بعمليات تمشيط وقصف متواتر لمواقع يتّخذ منها مسلّحو «داعش» مخابئ لهم في عمق البادية المتصلة بمنطقة «التنف» عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق جنوبي البلاد.
وعلى هذه الخلفية، أعادت موسكو التذكير بتحذيرات سابقة أطلقتها حول الدور الذي تقوم به القاعدة الأميركية غير الشرعية في منطقة «التنف» في دعم الفصائل المتشدّدة. وأعلن نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سوريا، فاديم كوليت، أن «إرهابيين يخطّطون للقيام بعمليات تخريبية في المناطق الجنوبية من سوريا ضدّ القوات الحكومية ومنشآت الوقود والطاقة»، مشيراً إلى أنه «بحسب المعلومات الواردة إلى مركز المصالحة الروسي بين الأطراف المتحاربة، تخطّط مجموعات تخريبية من مقاتلي الجماعات المسلحة المتطرفة، المدربة في منطقة التنف، لتنفيذ أعمال تخريبية في المناطق الجنوبية من سوريا ضدّ القوات الحكومية المتمركزة على الطرق الرئيسة، بالإضافة إلى منشآت الوقود والطاقة». وأضاف كوليت أن «قيادة مجموعة القوات الروسية وقيادة القوات المسلحة السورية ستتّخذ الإجراءات الاستباقية اللازمة لمنع الاستفزازات المسلحة»، علماً أن روسيا نفّذت خلال الأعوام الماضية سلسلة استهدافات طاولت مواقع في محيط القاعدة الأميركية خلال مطاردة المسلحين.
وبالإضافة إلى الدور الذي تقوم به في تدريب وتسليح الفصائل التي تنشط في البادية، تؤدي قاعدة «التنف» دوراً آخر يتعلّق بتأمين خطّ حماية لإسرائيل، وهو ما برز بشكل واضح من خلال الاهتمام الكبير الذي توليه القيادة العسكرية الأميركية لهذه القاعدة، سواء عبر نوعية التسليح فيها، أو حتى من خلال الزيارات الدورية التي يجريها مسؤولون في الجيش الأميركي، يتجاهلون في أوقات عديدة زيارة القواعد غير الشرعية الأخرى الموجودة في شمال شرق البلاد، إليها. يُشار إلى أن إسرائيل نفّذت اعتداءً جديداً، هو العشرون بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أعلنت وزارة الدفاع السورية تصدّي الدفاعات الجوية لمعظم الصواريخ التي أطلقها الاحتلال الإسرائيلي من منطقة الجولان المحتل نحو أهداف في ريف دمشق، في وقت مبكر من فجر أمس، في وقت تسبّبت فيه بعض الصواريخ بأضرار مادية.