مسار الاختراق
تشير الوضعية التي تتقدّم بها دبابات العدو، من شارع «الثلاثيني» الذي يربط غرب مدينة غزة بشرقها، وصولاً إلى الأحياء المحاذية لحي الزيتون، إلى أن جيش الاحتلال يحاول الالتفاف على الخطوط الدفاعية التي شيّدتها المقاومة خلال السنوات الماضية على المحور الشرقي للقطاع، والتي أثبتت في حرب عام 2014 أنها عصيّة على الاختراق. ولربّما يتوقّع جيش الاحتلال أن المباغتة من جهة الحواضر التي تشكّل قلب المدينة القديمة، وتحديداً من جهة مفترق عسقولة ومحور مستشفى المعمداني وساحة غزة، وصولاً إلى أحياء الشجاعية، من شأنها أن تخلط حسابات المقاومة تماماً، ولا سيما أن الدخول من المحور الغربي الساحلي للقطاع، كان الأول من نوعه خلال 15 عاماً من المواجهة. على أن مراقبة الأداء الميداني تفيد بأن المقاومة قرّرت التعاطي مع الاختراق العميق كأمر لا جدوى من إنفاق المزيد من الخسائر البشرية واللوجستية لوقفه، لتتلخّص آلية المواجهة الآن بحرمان العدو من أيّ فرصة لتركيز القوات وتثبيتها، عبر تنفيذ عمليات مدروسة للغاية، خصوصاً أن المعركة خرجت من إطار حسابات الوقت.
تتلخّص آلية المواجهة بحرمان العدو من أي فرصة لتركيز القوات وتثبيتها
معارك فارغة في قلب المدينة
ولا تشير مجموعة المواقع التي أعلن الاحتلال السيطرة عليها، إلى أن جيش العدو حقّق إنجازاً يتجاوز الوصول البري إلى عمق الحواضن الآمنة ومراكز السيادة الحكومية. وفي صباح يوم الخميس، كرّرت إذاعة «مكان» الإسرائيلية الناطقة بالعربية، الحديث عن تمكّن الجيش من السيطرة على ميناء غزة، بعد عملية كبيرة شاركت فيها وحدات «الكوماندوز» البحري والقوات البرية والمدرّعة. كذلك، أعلن عن تفجير منزل رئيس المكتب السياسي في حركة «حماس»، إسماعيل هنية، وتدمير النصب التذكاري الخاص بشهداء سفينة «مرمرة» التركية في داخل الميناء، إلى جانب الاستعراض المستمرّ في مستشفى «الشفاء» حيث تهديم وتفتيش المباني مستمرّان. على أن ما تحدّث عنه الاحتلال إلى اليوم، هو تحصيل حاصل لدخوله عمق المدينة، وما أنجزه على الأرض كان يمكن أن ينجزه من الجو أو البحر، كتدمير منزل، أو السيطرة على ميناء مهجور وساقط عسكرياً. لكنّ جيش العدو يحاول، عبر استعراضه هذا، القفز على أسئلة جوهرية، تتعلّق بالإنجازات التي تمكّن من تحقيقها.
وفي ما يتّصل بهذه الأسئلة تحديداً، كرّر رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الهروب منها بتجديده القول إن «إسرائيل يجب أن تحتفظ بالمسؤولية العسكرية الشاملة في غزة في المستقبل المنظور». وأضاف نتنياهو، في حديث إلى «الإذاعة الوطنية الأميركية»، أنه «يجب أن تكون هناك حكومة مدنية في غزة مستقبلاً، ولن يحكمها من يروّج للإرهاب أو يموّله». في المقابل، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن «إسرائيل تخاطر بمواجهة تمرّد دموي إذا هزمت حماس واحتلّت غزة من دون خطّة ذات مصداقية». وأشارت الوكالة إلى أن «مقترحات تل أبيب وواشنطن ودول عربية بشأن غزة بعد الحرب، رفضتها الأطراف المعنيّة»، في حين «لم نرَ حتى الآن خريطة طريق واضحة لدى إسرائيل لإستراتيجية خروجها من غزة». ولفت المسؤولون الأميركيون إلى أنهم يبحثون «منح السلطة الفلسطينية دوراً في توزيع مساعدات غزة بعد الحرب، لإحياء شرعيتها»، متابعين أن «شركاء غربيين ومن دول شرق أوسطية، اقترحوا تشكيل إدارة انتقالية في غزة من التكنوقراط».
إلى ذلك، أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أن «الكابينت وافق أمس على إدخال الوقود إلى غزة من أجل المنظمات الدولية». وكانت هذه القضية استدعت أخذاً ورداً بين وزراء «الكابينت»، ليتقرّر في النهاية السماح بإدخال كميات قليلة، استجابة للضغوط الأميركية والدولية، وطمعاً في إطالة أمد «فترة السماح» الممنوحة للجيش الإسرائيلي لاستكمال عمليته في القطاع.