رام الله | أصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي، أخيراً، قراراً - مرفقاً بخريطة - بمصادرة أراضٍ من بلدات يعبد وكفرراعي وعرابة في محافظة جنين شمال الضفة الغربية، لمصلحة مستوطنة «دوتان»، بذريعة إقامة محميّة في هذه الأخيرة، وذلك استناداً إلى «قانون الأحراج والغابات لعام 1927، في ما يعني عمليّاً السيطرة على مزيد من أراضي الضفة، وتجييرها لمصلحة المستوطنين. ويُعدّ «قانون الأحراج والغابات» أحد القوانين التي تعتمدها إسرائيل لمصادرة أراضي الفلسطينيين، والتوسُّع الاستيطاني فيها، إذ يُمنع على أهل الأرض، بموجب هذا القانون، التواجد في تلك المناطق، أو البناء عليها، فيما يتاح للمستوطنين - لاحقاً - إقامة كانتونات هناك، والتنزّه فيها، ومن ثمّ تحويلها إلى مستوطنات، علماً أن معظم هذه المحميّات تقع في المناطق المصنَّفة «ج»، والبالغة مساحتها 60% من مساحة الضفة.ووفق المعلومات المتوافرة من جانب منظّمة «السلام الآن» الإسرائيلية، فقد أعلنت إسرائيل عن 48 محمية طبيعية في الضفة الغربية، بمساحة إجمالية تصل إلى 383600 دونم، وهي تمثّل حوالى 12% من المنطقة «ج»، وتشكّل نحو 7% من مساحة الضفة بأكملها. والجدير ذكره، هنا، أن مستوطنة «ميفو دوتان» أنشئت في تشرين الأول من عام 1977، وسُمّيت بذلك كونها تقع على طريق قرية دوثان الأثرية، فيما كان الهدف من اختيارها، البدء باستيطان هذه المنطقة الخالية من السكان اليهود. لكن مع مضيّ السنوات، غادر عدد من العائلات المتدينة، المستوطنة. ومع اندلاع «الانتفاضة الثانية»، وتراجُع درجة الأمان في المنطقة، غادرها نصف المستوطنين (لا يتجاوز عدد مستوطني «دوتان» الـ400، وهي جزء من مجلس إقليم «شمرون» الاستيطاني). وعلى بعد كيلومترَين جنوبها، تقع محمية «ألوناي أرافا» التي سُمّيت بهذا الاسم نسبةً إلى شجر البلوط الذي ينمو في المنطقة قرب قرية عرابة (جنين)، وإلى الشرق منها، يقع الجبل الأقرع (326 م)، الذي بدأ يشهد أنشطة استيطانية. وعلى رغم أن مساحة المستوطنة الكلّية تبلغ 768 دونماً، إلّا أن مساحة النفوذ الأمني فيها، حتى عام 2014، وصلت إلى حوالى 3185 دونماً، فيما بلغت مساحة مسطّح البناء، 96 دونماً فقط.
وتعليقاً على قرار جيش الاحتلال الأخيرة، يقول رئيس بلدية عرابة، أمجد عطاطرة، لـ«الأخبار»، إن هذه القوات «نشرت خرائط توضح المنطقة المنوي السيطرة عليها لتسميتها غابة، والتي تقع بين ثلاث بلدات، هي: يعبد وكفرراعي وعرابة، حيث سبق أن وضعوا فيها مقاعد خشبية، والآن يطلقون عليها محميّة»، علماً أن «دوتان» أنشئت بالذريعة نفسها، قبل أن تتطوّر لتصبح مستوطنة. ويشير عطاطرة إلى أن بضعة مستوطنين أقاموا قرب تلك المنطقة قبل 8 سنوات بؤرة صغيرة، «لكن منذ بدء العدوان على غزة، جرت توسعة البؤرة بصورة غير مسبوقة وبأضعاف مضاعفة عمّا كانت عليه، حيث يجري نقل الكرفانات السكنية إليها بشكل يومي، بينما تبدو النوايا والمخطّطات لتوسعتها إلى مستوطنة واضحة، إضافةً إلى الاعتداءات اليومية على التجمعات السكانية الصغيرة، من مِثل مريحة والمكحل»، والتي كان آخرها تدمير بطاريات ألواح الطاقة الشمسية، والمعدات الزراعية. ويوضح أن جزءاً من الأراضي المستهدفة هو ملكية خاصة للمواطنين، تبلغ مساحته قرابة 570 دونماً، 380 منها تابعة ليعبد، مبيّناً أن «ما يقوم به المستوطنون يجري تحت حماية الجيش وبضوء أخضر منه، وأن نشاطاً استيطانيّاً بدأ يلاحَظ منذ أسبوع على أراضي بلدة كفرراعي، القريبة من المنطقة، حيث تشهد زيارات وطقوساً للمستوطنين منذ أيام، حيث رفعوا هناك العلم الإسرائيلي، ما ينذر بأن المنطقة جميعها في خطر».
يُعدّ «قانون الأحراج والغابات» أحد القوانين التي تعتمدها إسرائيل لمصادرة أراضي الفلسطينيين والتوسُّع الاستيطاني


وكان «الكنيست» الإسرائيلي أقرّ، في آذار الماضي، قانوناً جديداً يلغي بنود «قانون فكّ الارتباط» الخاص بشمال الضفة، ويُسمح بموجبه بدخول المستوطنين إلى المناطق والمستوطنات في منطقة جنين، والتي كان جرى إخلاؤها بالتزامن مع الانسحاب من طرف واحد من غزّة عام 2005، فيما أكد القائمون على القانون الجديد أن الأخير يمثّل خطوة أولى في مسار تصحيح «خطيئة فك الارتباط». ومن جهته، كشف رئيس «مجلس مستوطنات شمال الضفة»، يوسي داغان، في آب الماضي، عن إعداده مشروعاً أرسله إلى حكومة بنيامين نتنياهو، يشمل تفاصيل توسيع المشروع الاستيطاني ومضاعفة أعداد المستوطنين في منطقة الشمال، بدءاً من محافظة نابلس وحتى محافظة جنين، حيث تقضي الخطّة بتوطين مليون مستوطن في المنطقة بحلول عام 2050. وبات المستوطنون، وتحديداً في شمال الضفة، يعتمدون أكثر من ذي قبل أسلوباً جديداً في الاستيطان، هو «الاستيطان الرعوي»، الذي عبره يسيطر واحد أو بضعة منهم على مساحة كبيرة من الأراضي بحجّة رعي الماشية، ومن ثمّ يسيطر/ون عليها.
وفي هذا الجانب، يقول الخبير في شؤون الاستيطان، عايد مرار، لـ«الأخبار»، إن البؤر الاستيطانية الرعوية انتشرت في الضفة على نحوٍ كبير منذ ما قبل الحرب، وكان هدفها «ترهيب الفلسطينيين ودفعهم بعيداً من أراضيهم والسيطرة على الأراضي المصنّفة «ج»، وقد وفّر العدوان على غزة فرصة مضاعفة للمستوطنين للقيام بذلك من دون أيّ رادع وتحت حماية الجيش». ويضيف مرار أن «اعتداءات المستوطنين ازدادت منذ العدوان، حيث باتوا يشنّون هجمات انتقامية على الفلسطينيين وممتلكاتهم»، مشيراً إلى أن «المشروع الاستيطاني في الضفة هو جوهر المشروع الصهيوني، وهو مستمرّ في ظلّ كلّ الحكومات الإسرائيلية»، مبيّناً أن المختلف منذ بداية العدوان على غزة، هو أن كلّ الأبواب التي كانت مفتوحة من قَبل، من مثل التوجّه إلى محاكم الاحتلال للاعتراض أو الطعن في قرارات الجيش، باتت اليوم مغلقة. والملاحَظ أيضاً، وفق مرار، أن المستوطنين «كثّفوا من مضايقة التجمّعات البدوية النائية، وهو ما تسبّب بتهجير العديد من التجمعات السكانية من المناطق المصنفة «ج»، والتي تهدف إسرائيل إلى ضمّها إليها، مستفيدةً من الضوء الأخضر الأميركي الذي نالته في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب».
وكان تمكّن المستوطنون، في الأسبوع الأول من العدوان على غزة، من تهجير سكان تجمّع جبعيت الواقع شرق قرية المغير في الشمال الشرقي لمدينة رام الله، بعد شنّهم اعتداءات غير مسبوقة على سكانه، ومصادرة «بركساتهم»، وتحطيم مولدات الطاقة الشمسية الخاصة بهم، وسرقة أعلاف الأغنام والمواشي المملوكة لهم، وتخريب الممتلكات المتبقية، وهو ما تكرّر أيضاً، قبل أيام، في خربة زنوتا، حيث اضطرّت معظم العائلات للرحيل من المنطقة جراء اعتداءات المستوطنين. ووفق معطيات «هيئة مقاومة الجدار والاستيطان» الحكومية، فإن نحو 30 ألف فلسطيني يسكنون في نحو 250 تجمّعاً فلسطينيّاً في المنطقة «ج»، مهدّدون بالترحيل، وبعضهم رُحّل بالفعل. ووثّقت الهيئة ما يزيد على 400 اعتداء منذ 7 أكتوبر الماضي، ما أدى إلى استشهاد 9 فلسطينيين. كما أسفرت هجمات المستوطنين عن تهجير 9 تجمّعات فلسطينية بدوية، تتكوّن من 100 عائلة تشمل 810 أفراد، من أماكن سكنها إلى أماكن أخرى. أيضاً، دمّر المستوطنون 712 شجرة، وخربوا مساحات شاسعة من الأراضي، وقطعوا الطرق، واعتدوا على منازل وممتلكات، تحت حماية جيش الاحتلال.