غزة | في موازاة المسار التفاوضي المتقدِّم، يتواصل تسجيل التطوّرات الميدانية، مع نقل جيش العدو العملية البرية إلى أكثر محاور القتال حساسيّة في مناطق شمال وادي غزة، حيث تمكّنت أعداد كبيرة من الدبابات من الوصول، فجر أمس، إلى محيط مستشفى «الإندونيسي» في حي تل الزعتر شرق مخيم جباليا شمال غزة، مستغلّة الثغرة التي حقّقتها في مناطق واسعة من بلدة بيت لاهيا يوم الأحد، حين استطاعت اختراق حي بئر النعجة غرب مخيم جباليا، ومنطقة الصفطاوي. وعلى رغم أن القوات المتوغّلة جوبهت بمقاومة ضارية، الأحد، بعدما تمكّنت المقاومة من استهداف وتدمير نحو 29 آلية في مختلف محاور القتال، إلا أن مخيم جباليا، وخطوط الدفاع المحيطة به، تبدو أولوية بالنسبة إلى القوات الغازية، لا يمكن القفز عنها؛ ففيها - وفق تقييم المحلّلين العسكريين الإسرائيليين - واحد من أقوى الألوية العسكرية في القطاع. أمّا المحور الثاني الذي وسّع جيش العدو عمليّاته عند حدوده، فهو شرق حي الزيتون، حيث ووجهت قواته بمقاومة ضارية جداً.
معركة جباليا
بدأ جيش الاحتلال هجومه على محور مخيم جباليا، من الخاصرة الرخوة في المناطق الغربية من شمال غزة، بعدما أجرى عملية التفاف من شارع المنشية شمال بيت لاهيا، واستطاع العبور من محيط دوار مديرية التربية والتعليم، ومنه إلى الشارع الخلفي لمدينة الشيخ زايد، وصولاً إلى الباب الشمالي لمستشفى «الإندونيسي»، حيث دكّ المستشفى بالمدفعية، وقصف خمس مدارس حكومية كانت قد تحوّلت إلى مراكز إيواء. وبذلك، تكون القوات البرية قد تجاوزت الخطوط الدفاعية التقليدية، شرق المخيم، وتحديداً المناطق المحاذية للشريط الحدودي الشائك (شعشاعة، السكّة، الجبل الكاشف، القرم)، واستطاعت التمركز في القاطع الشمالي الغربي لمخيم جباليا. وتشكّل معركة المخيم، أبرز نقاط التعقيد في مناطق شمال وادي غزة، حيث تشير مصادر ميدانية إلى أن مناطق المواجهة والاشتباك شهدت، خلال اليومين الماضيين، معارك عنيفة للغاية، تمكّنت خلالها المقاومة من إعطاب وتدمير عشرات الآليات. وطوال ساعات يوم أمس، كان ملاحظاً أن سلاح المدفعية والطيران المُسيّر الإسرائيلي لم يوقفا قصفهما على المنازل والأحياء المحيطة بجباليا.

لا استقرار للقوّات
تزامن التقدّم في محورَي جباليا والزيتون، مع إعادة تموضع كبرى نفّذتها الدبابات الإسرائيلية من أحياء الصبرة وعسقولة، وبعض المناطق العميقة في أحياء الرمال والنصر. غير أن نقطة التمركز التي حافظت القوات البرية على حضورها فيها، هي «مستشفى الشهيد عبد العزيز الرنتيسي»، وهي أولى المناطق العميقة التي كانت قد وصلت إليها دبابات العدو في القاطع الغربي لوسط شمال غزة، وتحديداً في شارع العيون قرب حي الشيخ رضوان.
وكان جيش العدو حوّل ساحة مستشفى «الرنتيسي» إلى منامات للجنود، ومركز للقيادة والسيطرة، لكنه سرعان ما فوجئ، أول من أمس، بتنفيذ «كتائب القسام»، عملية نوعية، إذ أعلن الناطق باسمها، أبو عبيدة، عن هجوم نفّذه مجاهدون «على ناقلة جند في محيط المستشفى (الرنتيسي)، وبالتزامن هاجموا بقذائف مضادة للتحصينات والأسلحة الرشاشة مدرسة بجوار المستشفى تتحصّن فيها قوة راجلة، ثم دمّروا دبابة تقدّمت للنجدة، وناقلة جند هرعت للمكان. وأجهز مجاهدونا من مسافة صفر على 4 جنود ترجّلوا من الناقلة». وأضاف أبو عبيدة: «تدخّل الطيران الحربي الصهيوني وقصف المكان؛ فاستشهد أحد مجاهدينا، فيما انسحب 24 من مواقعهم بسلام؛ فإننا نرجّح أن يكون العدو قد قصف قوات له على الأرض ظنّاً منه أنهم أُسروا في هذه العملية». وتشكّل هذه العملية إشارة مهمّة إلى انعدام قدرة جيش الاحتلال على تثبيت قواته في أيٍّ من نقاط التموضع. وتشير، في الوقت عينه، إلى شكل المواجهة المرتقبة في الأيام المقبلة، إذ ستتمكّن الدبابات الإسرائيلية كما يبدو، من تنفيذ اختراقات في عمق الأحياء الحضرية، غير أنها ستفشل دائماً في المحافظة على نقاط تمركز مستقرّة، لا تصل إليها أيدي المقاومين.
سجّلت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ«حركة الجهاد الإسلامي»، حضوراً لافتاً في الميدان، خلال الأيام الخمسة الماضية


وأعلن أبو عبيدة، أمس، عن أبرز أعمال المقاومة ضدّ العدو، خلال الساعات الـ72 الأخيرة، «حيث تمكّن مقاومو القسام من استهداف 60 آلية عسكرية صهيونية خلال هذه الأيام، 10 منها ناقلات جند». وأضاف، في كلمة مسجّلة، أن «غالبية الاستهدافات كانت بقذائف الياسين 105، إضافة إلى عبوات العمل الفدائي وعبوات الشواظ وقذائف التاندوم 85، وذلك في محاور تقدّم العدو جنوب حي الزيتون وفي حي الشيخ رضوان وحي التوام غرب مخيم جباليا وفي بيت لاهيا».
وبحسب مصادر المقاومة، فإنه «بعد تورّط العدو في العملية البرّية بأسبوع، نجحت المقاومة في إعادة ترتيب أمورها». والآن، «بعد عشرين يوماً على الهجوم البري، صار بالإمكان الحديث عن ترتيبات جيّدة لمجموعات المقاومة، وباتت بذلك المبادرة ممكنة بطريقة جيدة أيضاً». وتضيف هذه المصادر، أن «المقاومين صارت لديهم خطط للاستطلاع وتنفيذ الهجمات في كلّ المناطق، وأن مراجعة تطوّرات الميدان تؤكّد أن العدو لم يقدر بعد على تثبيت مواقعه في أيّ موقع قريب من الأبنية السكنية، بل هو يقوم بعمليات تبديل مستمرّة، في كل المنازل أو المقرّات التي يقيم فيها الجنود».
كذلك، تمكّنت المقاومة، أمس، من تنفيذ رشقة صاروخية مكثّفة في اتجاه «غلاف غزة» والوسط وتل أبيب، حيث دوّت صفارات الإنذار في منظقة تمتدّ من أسدود إلى هرتسيليا، مروراً بتل أبيب. وبحسب الإعلام العبري، فإن «هذه الرشقة قد تكون الأكبر منذ بداية الحرب». وفي حين تمكّنت المنظومات الاعتراضية من إسقاط بعض الصواريخ، سقطت أخرى في المدن والمستوطنات الإسرائيلية.

«سرايا القدس» في الميدان
سجّلت «سرايا القدس»، الذراع العسكرية لـ»حركة الجهاد الإسلامي»، حضوراً لافتاً في الميدان، خلال الأيام الخمسة الماضية، إذ أعلنت «السرايا»، يوم السبت الماضي، تدمير نحو 11 آلية في مختلف محاور القتال، باستخدام قذائف «التاندوم» (النسخة الروسية الأصلية من قذائف «الياسين 105»). كما تمكّن مقاتلوها، الأحد، من تدمير 7 آليات، فضلاً عن تنفيذها عملية مشتركة مع «القسام»، تمكّن المقاومون خلالها من تدمير 3 دبابات. أمّا يوم أمس، فقد أعلنت «سرايا القدس» أنّها أوقعت 6 جنود في كمين محكم غرب بلدة بيت لاهيا، إلى جانب تنفيذ العشرات من عمليات إطلاق الصواريخ وقذائف الهاون تجاه حشود العدو على مختلف محاور القتال.