رام الله | يبدو تدهور الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية واضحاً للعيان، حيث أسواق المدن فارغة، فيما يُسجَّل ضعف في الإقبال وتراجع في القدرة الشرائية للمواطنين. ولا يبدو هذا التدهور مستغرَباً؛ نظراً إلى أن اقتصاد الضفة استهلاكي بالدرجة الأولى، ويعتمد على الإنفاق، ما يعطي في أوقات الرخاء انطباعاً خاطئاً سرعان ما يتبدّد مع كلّ أزمة، إذ يتعرّى الاقتصاد والمواطن، ومعهما السلطة الفلسطينية التي يتجلّى عجزها وضعف أدواتها. والحقيقة هي أن هذا الاقتصاد يَعتمد على شرائح عدّة تُسهم بشكل رئيس في تحريك عجلته، أبرزها فئة العمّال الفلسطينيين في الداخل المحتلّ، والتي تصبح عند كلّ محكّ في دائرة الخطر؛ علماً أن عدد هؤلاء يناهز 200 ألف، يعملون في قطاعات مختلفة، ويضخّون في السوق الفلسطينية ملايين الدولارات شهرياً. لكن العمّال في داخل «الخطّ الأخضر» تعرّضوا، منذ بدء العدوان على غزة، لعمليات اعتداء وقمع وتنكيل وسلب وطرد، ترافقت خصوصاً مع إعلان الاحتلال إغلاق المعابر والحدود ومنْع الفلسطينيين من الدخول، ما جعل عشرات الآلاف عاطلين من العمل.وترتّبت على هذا الواقع، مشكلات اقتصادية كبيرة، لا تقتصر على غياب القدرة على الإنفاق، وانعكاس ذلك على الوضع العام فقط، بل تتعدّاهما إلى أن السلطة الفلسطينية التي ألزمت العمّال بتحويل رواتبهم إلى البنوك منذ أشهر، وأغرتهم بالحصول على قروض، لم تَعُد قادرة على سداد تلك المستحقّات، فيما الخسارة الشهرية الناجمة عن تسريح العمّال تُقدَّر بنحو مليار و250 ألف شيكل (313 مليون دولار). أمّا الشريحة الأخرى الأكثر تضرّراً، فهي شريحة موظّفي السلطة؛ إذ لم تتمكّن الأخيرة، إلى الآن، من صرف رواتبهم عن شهر تشرين الأول، علماً أنها تقول، منذ أكثر من عامين، إنها تعيش أزمةً مالية، تضطرّها لأن تصرف للموظفين نسبة من رواتبهم تُراوح بين 70% و80%، لكنها لم تستطع صرف أيّ نسبة عن الشهر الماضي، رغم دخول تشرين الثاني ثلثه الأخير. وكانت رفضت السلطة تسلّم أموال المقاصة التي تحوّلها إسرائيل إليها، والتي تشكّل المورد الرئيس لموازنة رام الله، ومنها تُصرف رواتب الموظفين، الذين يَعدّون 140 ألفاً، ليصبح هؤلاء، اليوم، عاجزين عن تأمين احتياجاتهم المعيشية، في حين لا تؤمّن الحكومة لهم أيّ بدائل أو حلول، علماً أن رفضها تسلّم الأموال يرجع إلى اقتطاع إسرائيل المبلغ الذي ترسله السلطة إلى غزة، سواءً إلى الموظفين الخاصّين بها، أو إلى بعض القطاعات. وبالنسبة إلى الشريحة الثالثة التي أثّر وضعها في ظلّ الحرب سلباً على الوضع الاقتصادي، فهي فلسطينيّو الداخل المحتلّ، والذين لم يتمكّنوا من الوصول إلى الضفة للتسوّق.
8% من المنشآت الاقتصادية تعرّضت لاعتداءات مباشرة من جيش الاحتلال والمستوطنين


وفي هذا الإطار، أفاد «الجهاز المركزي للإحصاء»، منتصف الشهر الماضي، بأن استمرار الحرب على قطاع غزة لمدّة شهر، وامتداد آثارها في الشهرَين اللاحقين، وما يرافقهما من تداعيات على الاقتصاد في الضفة الغربية، سيؤدي إلى تراجع في الناتج المحلّي الإجمالي لفلسطين في عام 2023 بقيمة تُقدَّر بـ500 مليون دولار، أي بنسبة 3% مقارنة مع عام 2022، بعدما كان من المفترض أن يحقّق الاقتصاد الفلسطيني نموّاً نسبته 3% في العام نفسه، وذلك نتيجة توقُّف عجلة الإنتاج اليومية في القطاع، مع تقديرات بتجاوز معدّلات البطالة في فلسطين، 28% في عام 2023، ارتفاعاً من 25.5% العام الماضي. وبدورها، حذّرت الأمم المتحدة، من أن معدّل الفقر لدولة فلسطين سيرتفع بنسبة 34%، ليرزح نصف مليون شخص إضافي تحت وطأته في حال استمرّ العدوان لشهر ثانٍ. ووفق تقديرات أوّلية لـ«برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، و«لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (إسكوا)، فإن إجمالي الناتج المحلّي لفلسطين سيهوي بمعدل 8.4%، ما يمثّل خسارة قدْرها 1.7 مليار دولار، إذ قَدَّرت دراسة تقييمية سريعة صدرت بعنوان «حرب غزة: الآثار الاجتماعية والاقتصادية المتوقّعة على دولة فلسطين»، أن الفقر قد ارتفع بمعدّل 20% مع مرور شهر على الحرب، وأن الناتج المحلّي الإجمالي انخفض في الشهر الأول بمعدّل 4.2%، فيما تقدّر «منظمة العمل الدولية» أن هناك 390 ألف وظيفة فُقدت إلى الآن. ووفق توقّعات الدراسة، فإنه في حال استمرّت الحرب شهراً ثالثاً، سيرتفع معدّل الفقر بنحو 45%، ما سيزيد عدد الفقراء بأكثر من 660 ألفاً، بينما سيبلغ انخفاض إجمالي الناتج المحلّي 12.2%، مسجّلاً خسائر إجمالية تصل إلى 2.5 مليار دولار.
وفي ما يخصّ القطاع الصناعي والتجاري، ذكرت وزارة الاقتصاد الوطني أن 25% من المنشآت الصناعية والتجارية أُغلقت على نحوٍ كامل أو جزئي في الضفة الغربية، مشيرةً إلى أن ما تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي من اقتحامات للمدن وتقييدٍ لحركة تنقّل الأفراد والبضائع، وما تفرضه من إجراءات تعسفية، اضطرّ المنشآت الاقتصادية للإغلاق لفترات طويلة منذ بداية العدوان. وأوضحت أن 8% من المنشآت الاقتصادية تعرّضت لاعتداءات مباشرة من جيش الاحتلال ومستوطنيه، ما تسبّب بضرر مباشر في أحد أصولها الثابتة أو البضائع التي تملكها. كما أن الإيرادات الشهرية لأغلب المنشآت الخدمية تراجعت بمتوسّط بلغ 75%، خاصة أنشطة المطاعم، والفنادق، والسياحة والسفر، والنقل، مع الإشارة إلى أن قطاع الخدمات يسهم بحوالى 30% من الناتج المحلّي الإجمالي. وذكرت الوزارة أن 78% من المنشآت تعاني صعوبة في التنقّل وتوزيع البضائع بين المدن بسبب إجراءات سلطات الاحتلال التعسفية، ووضع الحواجز، وعمليات اقتحام المدن والمخيمات والبلدات الفلسطينية، مضيفةً أن هناك تراجعاً في الطاقة الإنتاجية للمنشآت الصناعية بنسبة 50%، في حين سجّلت 90% من المنشآت تراجع مبيعاتها الشهرية، بمتوسّط بلغ 52%. ولفت تقرير الوزارة إلى أن ما يقرب من 29% من المنشآت تراجع فيها إجمالي عدد العاملين، و52% من المنشآت تقلّصت فيها أيام العمل، و35% منها تراجعت فيها ساعات العمل اليومية.
كذلك، أثّرت إجراءات الاحتلال وانتهاكاته في الضفة الغربية بشكل ملموس على أداء المنشآت الاقتصادية، وخصوصاً في القطاع التجاري. إذ أفادت 90% من تلك المنشآت بتراجع مبيعاتها الشهرية بمتوسّط بلغ 52%، موضحةً أن من أبرز السلع التي انخفضت مبيعاتها: مواد البناء، السيارات، الأثاث والمفروشات، الملابس والأحذية، مواد التنظيف، اللحوم الطازجة، وبعض السلع الغذائية كمنتجات الحلويات والمكسرات. كما أفادت 92% من المنشآت الصناعية، بحسب التقرير، بأنها تعمل بأقلّ من طاقتها الإنتاجية الاعتيادية بمتوسط 50%، مبيّنةً أن من أبرز القطاعات الصناعية التي تراجعت طاقتها الإنتاجية: الحجر والرخام والباطون الجاهز، الصناعات الإنشائية، والصناعات الكيماوية ومنتجات التنظيف، صناعة الحلويات، منتجات الحديد والألمنيوم والصناعات الورقية.