غزة | خلال الأيام السبعة الأخيرة، تغيّرت حسابات الحرب البرية في قطاع غزة بشكل جذري؛ إذ لم يعُد تقدّم الدبابات في المدن والأحياء المأهولة، معياراً لحساب الإنجاز، في ما يجلّي حالة «المرونة والاستدامة» التي عبّر عنها الناطق العسكري باسم «كتائب القسام»، أبو عبيدة. وكان محور القتال في المناطق الشمالية والغربية لمخيم جباليا، مثالاً على أسلوب القتال الجديد، حيث تُركت الدبابات الإسرائيلية تتقدّم من محورين، عابرةً مناطق جغرافية مهّدت بالنار لدخولها لأكثر من 23 يوماً، وحينما استقرّت في محيط مستشفى «الإندونيسي» وخلف مدينة الشيخ زايد، خاضت المقاومة معها معارك ضارية للغاية، أجبرتها على التراجع، ثمّ إعادة التموضع مراراً. وفي هذا السياق، قالت مصادر ميدانية، لـ«الأخبار»، إن «ثمّة زخماً نارياً مهولاً في محاور القتال المحيطة بمخيم جباليا، حيث تتمركز المقاومة في استحكامات آمنة، وتنطلق منها في مجموعات كبيرة تتجاوز العشرين مقاتلاً، وتشنّ هجمات مدروسة بعناية، قبل أن تعود إلى قواعدها مجدّداً».وفي المحور الشمالي الغربي من شمال غزة، وتحديداً في أحياء الصفطاوي والـ17 والتّوام، اعتمدت المقاومة تكتيك الكمائن المركّزة والمدروسة. ووفقاً لمصادر ميدانية، فإن «العشرات من المقاومين أغاروا على نقطة تثبيت وتمركز لقوات الاحتلال، وحقّقوا فيها إصابات دقيقة». والأمر عينه كان «قد تكرّر ضد قوة عسكرية راجلة في المحور نفسه، حيث هاجم المقاومون قوة راجلة كانت تتبع جرّافة، وحقّقوا فيها العشرات من الإصابات والقتلى». وفي الحيّ ذاته، «استهدف المقاومون ناقلة جند بقذائف الياسين 105، وحينما خرج منها الجنود المصابون، عاجلوهم بإطلاق الرصاص، ثمّ عاودوا تشكيل كمين جديد، وانتظروا إلى أن وصلت قوة إسرائيلية أخرى لإغاثة المصابين، وكرّروا الهجوم ثالثةً، ما تسبّب بمقتل وإصابة العديد من الجنود». كما أعلنت «سرايا القدس»، أن مقاتليها «اقتحموا - مساء الإثنين - منزلاً غرب حيّ الزيتون كان يتحصّن فيه 3 جنود ومجنّدة واحدة، وقد أجهزوا عليهم من مسافة صفر». وبينما عرضت «كتائب القسام» مشاهد من التحام مقاتليها بجنود العدو وإيقاعهم في كمائن، واستهدافهم داخل منزل تحصّنوا بداخله في منطقة جحر الديك شرق المنطقة الوسطى، نشرت «السرايا» مشاهد لاستهداف مقاتليها عدداً من دبابات العدو وجرافاته في مختلف محاور التقدّم.
استطاعت المقاومة حتى يوم أمس الثلاثاء، تدمير أو إعطاب ما يزيد على 300 دبابة وناقلة جند


وحتى مساء الأمس، كان المقاومون يخوضون معارك ضارية بالقرب من دوّار الصاروخ ومحيط شارع الصفطاوي شمال غزة، فيما سُمع دوي انفجارات ضخمة في المنطقة. وبالتوازي مع ذلك، أطلقت المقاومة رشقات صاروخية مكثّفة في اتجاه مدن ومستعمرات الوسط، حيث انطلقت صافرات الإنذار في منطقة تل أبيب الكبرى. وبلغة الأرقام، استطاعت المقاومة حتى يوم أمس، تدمير أو إعطاب ما يزيد على 300 دبابة وناقلة جند. وبالتوازي مع بيانات المقاومة، التي تؤكّد مواصلة التصدي، يتزايد الإعلان في الإعلام العبري بشكل يومي عن أعداد من القتلى والمصابين من الجنود الإسرائيليين.
وفي موازاة ذلك، وبينما يُتوقّع إعلان هدنة مؤقتة وصفقة تبادل، خلال ساعات، أعلن الناطق باسم «سرايا القدس»، أبو حمزة، أن «وفاة المستوطنة حنا كتسير، التي سبق وأبدينا استعدادنا لإطلاق سراحها -لأسباب إنسانية- ولكن مماطلة العدو أدّت إلى فقدان حياتها، وأمام هذا الإعلان نجدّد تأكيدنا على إخلاء مسؤوليتنا تجاه أسرى العدو لدينا، في ظل القصف الهمجي والمسعور على كل شبر في قطاع غزة».

إنجازات مُختلقة
خلافاً للتدمير الممنهج للكتلة العمرانية في مناطق شمال غزة، والمجازر التي تضاعفت أخيراً، والاستهداف الكلّي لكلّ المراكز الحيوية التي تضمن استمرار الحياة، من قبيل المستشفيات والنقاط الطبية، لم تتمكّن القوات المتوغّلة، حتى اليوم، من تحقيق أيّ إنجاز يُذكر. أمّا الإحاطات الإعلامية التي يقدّمها المتحدث باسم جيش العدو، فقد تضمّنت خلال اليومين الماضيين الحديث عن تمكّن قوات الاحتلال من الوصول إلى مواقع عسكرية خطيرة لـ«كتائب القسام» في شمال غزة، من بينها «اللواء»، وهو موقع عسكري علني يحوي عدداً من المكاتب الإدارية وساحة تدريب، ويعرفه كلّ سائق أجرة في الشمال، إلى الحدّ الذي أصبح معه معلماً للتعريف. كما كانت قوات الاحتلال قد قصفته عشرات المرات خلال السنوات الماضية. ويُعتبر «اللواء» واحداً من المواقع التي سقطت حكماً، وكانت قد أخليت في وقت سابق بالضرورة. وذلك، من المتوقّع أن يقدّم جيش العدو مادة إعلامية مصوّرة تضخّم الإنجاز فيه، لكنها لن تنطلي إلّا على من هم ليسوا من سكان شمال غزة.

الزخم في أطراف الحواضر
برغم التوغّل العميق في مناطق شمال وادي غزة، فإن زخم المواجهات والنار لا يزال متركّزاً في أطراف الحواضر العمرانية المستهدفة، إذ إن مخيم الشاطئ غربي أحياء الشيخ رضوان والنصر، والذي التفّت الدبابات العسكرية حوله منذ 12 يوماً، وحاصرته من عدة جهات، لا يزال إلى اليوم، يشهد اشتباكات ضارية. أما مخيم جباليا، الذي تحاول الدبابات الإسرائيلية تطويقه من الجهتَين الشمالية والغربية، فإن الاشتباكات الضارية تتركّز إلى الآن خارج طرقه الرئيسيّة، حيث تتكبّد الآليات المتوغّلة خسائر كبيرة. وليل أمس، أعلن جيش العدو أنه قصف أكثر من 250 هدفاً زعم أنها تتبع للمقاومة، فيما اعترف بمقتل 16 جندياً خلال الأيام الثلاثة الماضية، وأقرّ بشراسة القتال في المناطق المستهدفة. وفي المقابل، تؤكد المصادر الميدانية أن أكثر الأهداف التي يتمّ قصفها هي منازل مأهولة، ويهاجمها الاحتلال بناءً على افتراضات أو معلومات مغلوطة، أو بغرض انتقامي بحت. أما في الميدان، فإنه لا معالم واضحة لذلك الإنجاز، إذ إن المقاومة تحافظ على عملها المرن المُنجز، ومستعدّة لفترة قتال طويلة.