وفقاً لما أعلنه قادة الأطراف المعنيّة بالحرب الدائرة في قطاع غزة، فإن الاتفاق حول الهدنة وتبادل الأسرى وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، بين إسرائيل وحركة «حماس»، صار منجزاً بالكامل، على رغم وجود فروقات غير جوهرية في الصيغ التي أوردها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي للاتفاق. وكان واضحاً أن العدو يمضي مرغماً إلى تلك الصفقة، أساساً بسبب فشل جيشه في تحصيل ولو حتى معلومة واحدة عن الأسرى بعد 45 يوماً من العدوان، ما دفع بذويهم إلى رفع مستوى الضغط على القيادة السياسية للموافقة على الصفقة التي تمثّل انتصاراً أولَ للمقاومة الفلسطينية.وذكر موقع «واينت» الإسرائيلي أن «حماس» «ستطلق بموجب الاتفاق عدداً أولياً من الأسرى يبلغ 53، وستحاول إتْباعهم بعشرين آخرين، وتوافق إسرائيل في المقابل على هدنة من أربعة أيام، أي أقصر بيوم من المهلة التي طالبت بها الحركة». كما تتضمّن الصفقة، بحسب الموقع، «بنداً ينص على تمديد الهدنة لمدّة يومين إضافيين إذا أطلقت المقاومة نحو 20 أسيراً آخر. وكذلك، فإن إسرائيل ستكون مستعدّة لتمديد إضافي للهدنة إلى أكثر من الأيام الستة، بشرط إطلاق المزيد من الأسرى». وتشير تلك النسخة إلى أن «إسرائيل تلتزم بموجب الاتفاق بوقف الطلعات الجوية فوق قطاع غزة لمدّة ستّ ساعات كلّ يوم، خلال الأيام الأربعة الأساسية، فيما تحاول حماس تحديد مواقع الأسرى الباقين»، وتقول إن «الحركة أصرّت على ذلك، لمنع إسرائيل من تقفّي أمكنة الاحتجاز». والافتراض، بالنسبة إلى إسرائيل، هو أن بعض الأسرى العشرين الإضافيين يشملون أمهات وأولاداً لم يُطلق سراحهم في المرحلة الأولى، فيما من المتوقّع أن يشمل التبادل إطلاق الأسيرات الكبيرات في السن.
وفي المقابل، سيُطلق العدو، بحسب الموقع الإسرائيلي نفسه، ما «بين 140 و150 أسيراً، بمن فيهم نساء وأطفال. وسيُسمح بدخول الوقود إلى قطاع غزة، وزيادة المساعدات الإنسانية إليه». ويقدّر «واينت» أن «هذه الترتيبات ستحفّز حماس على إطلاق المزيد من الأسرى لتمديد وقف إطلاق النار. كما ثمّة احتمال بأن يصل عدد المُطلق سراحهم إلى مئة. وإذا حصل ذلك، فستطلق إسرائيل 300 أسير فلسطيني، وقد يُمدَّد وقف النار إلى عشرة أيام». ويؤكد الموقع أنه بحسب المعلومات الأخيرة، ثمة 236 أسيراً إسرائيلياً في قطاع غزة بينهم 40 طفلاً و13 أمّاً، فيما يقدّر العدو أن «حماس تحتجز 80 أسيراً تنطبق عليهم معايير الصفقة، أي أطفال وأمهات ونساء كبيرات. وعليه، إذا كان هذا هو عدد المطلَق سراحهم، فستقوم إسرائيل بإطلاق 240 أسيراً فلسطينياً وتلتزم بهدنة مدّتها ثمانية أيام».
من جهتها، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدرَين قريبَين من الملفّ قولهما إن الاتفاق سيشمل إطلاق سراح «50 إلى 100» من الأسرى المدنيين الإسرائيليين، مقابل الإفراج عن 300 امرأة وطفل فلسطينيين تحتجزهم إسرائيل. وأشارت الوكالة إلى أن عملية التبادل ستتمّ على مراحل بمعدل «عشرة» رهائن إسرائيليين، مقابل «ثلاثين» أسيراً فلسطينياً يومياً. وتختلف تفاصيل الاتفاق، كما كانت قد أوردتها حركة «حماس»، عن ما نشره موقع «واينت»، إذ تحدّثت نسخة الحركة عن هدنة لمدة خمسة أيام، يتمّ خلالها إطلاق نحو 50 من الأسرى غير العسكريين والأجانب، مقابل إفراج إسرائيل عن 300 امرأة وطفل من سجونها. وتفيد تلك النسخة بأن توقّف القتال يَفترض وقف الطلعات الجوية فوق غزة باستثناء شمال القطاع، حيث ستقتصر الطلعات الجوية على ستّ ساعات يومياً خلال مدة الهدنة». كذلك، سيُسمح بدخول 300 شاحنة تحمل وقوداً وأغذية وموادَّ طبية إلى كلّ مناطق القطاع، بينما سيتمّ إطلاق سراح الإسرائيليين على خمس دفعات بواقع عشرة أسرى كلّ يوم.
عارض جيش العدو ابتداءً الصفقة باعتبار أن أيّ وقف للنار سيعطي «حماس» فرصة لإعادة استجماع قوتها


وحتى ساعة متأخرة من أمس، كان كلّ الأطراف المشاركين في التفاوض على الصفقة، أي «حماس» والولايات المتحدة وإسرائيل، قد أجمعوا في تصريحات لرأس قمة الهرم لدى كلّ منهم على اقتراب موعد إعلانها. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، للصحافيين في البيت الأبيض، «إننا قريبون جداً، قريبون جداً من اتفاق، وسنتمكن من إعادة بعض من هؤلاء الرهائن إلى عائلاتهم قريباً جداً»، مضيفاً: «أنني لا أريد الخوض في التفاصيل، لأنه لا يحصل شيء، إلا حين يحصل فعلياً. لكنّ الأمور تبدو جيدة راهناً». وفي الاتجاه نفسه، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قرب التوصل إلى الاتفاق، رغم أنه قرَن ذلك بالتأكيد أن الحرب ستستمرّ بعد انتهاء مدّة الهدنة. وكان عقد مجلس وزراء الحرب اجتماعاً مساء أمس، قبل أن تجتمع الحكومة الأمنية الموسّعة، وبعدهما الحكومة بكاملها، علماً أن الأخيرة هي المخوّلة بإقرار الصفقة.
وفي مؤتمر صحافي لنتنياهو، ووزير الحرب يوآف غالانت، والوزير بني غانتس، بعد اجتماع مجلس الحرب وقبيل اجتماع الحكومة للنظر في الصفقة، بدا الثلاثة متهيّبين، وسعوا إلى تقديم التبريرات أمام الجمهور. وقال نتنياهو إن الحكومة الإسرائيلية تواجه قراراً صعباً لكنه القرار الصحيح، مضيفاً أنه «سيتمّ إطلاق سراح الرهائن على مراحل»، وأنه طلب «من الرئيس الأميركي التدخل. وبالفعل ساعد في تحسين الاتفاق ليشمل المزيد من الرهائن»، مؤكداً أن «الحرب مستمرة وستستمرّ حتى تحقيق النصر المؤزّر وإعادة جميع الرهائن»، وأن «القيادات الأمنية تدعم القرار بالكامل، وتقول إن الاتفاق سيسمح للجيش بالاستعداد لمواصلة القتال». وتابع أنه سيكون هناك وقف للنار لعدّة أيام، لكنّ التفاصيل ليست واضحة بعد.
وكان نتنياهو وأركان حكومته يرفضون فكرة الهدنة من الأساس، إلا أنهم تعرّضوا خلال الأيام الماضية لضغوط هائلة، خصوصاً من جانب عائلات الأسرى، لعقد صفقة تفضي إلى إطلاق سراحهم، خاصة في ضوء فشل الجيش الإسرائيلي بعد 45 يوماً من بدء العدوان على غزة، في إطلاق سراحهم أو حتى تحديد مواقعهم أو الحصول على معلومات عنهم. ومع ذلك، استمرّ الوزيران اليمينيان المتطرّفان في حكومة العدو، وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير «الأمن القومي» إيتمار بن غفير، من جهتهما، في معارضتهما للصفقة. وقبل اجتماع الحكومة، قال سموتريتش في بيان إنه إذا كانت التقارير صحيحة، فإن «الصفقة المقترحة سيئة ويجب ألا نوافق عليها. إنها سيئة لأمن إسرائيل وسيئة للرهائن وسيئة لجنود الجيش الإسرائيلي». لكن الأهمّ هو أن الجيش كان يعارض الاتفاق باعتبار أن أيّ وقف للنار سيعطي «حماس» فرصة لإعادة استجماع قوتها، قبل أن يَظهر أن رئيس الأركان، هرتسي هليفي، قد ليّن من موقفه هذا. وقال الناطق باسم الجيش، دانيال هاغاري، إن «هناك تقدماً في اتجاه إطلاق سراح الرهائن، لكنني أوصي بالانتظار حتى يتمّ الانتهاء من التفاصيل».
على المقلب الفلسطيني، أعلن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، في بيان من الدوحة صباحاً، أن الحركة «سلّمت ردّها إلى الإخوة في قطر والوسطاء. ونحن نقترب من التوصّل إلى اتفاق الهدنة». كذلك، نقلت قناة «الجزيرة» عن القيادي في الحركة، عزت الرشق، قوله إن المفاوضات تتركّز على مدّة الهدنة وترتيبات إيصال المساعدات إلى غزة ومبادلة الأسرى، مضيفاً أن «الجانبَين سيُطلقان سراح النساء والأطفال، وأن قطر، التي تتوسّط في المفاوضات، ستعلن التفاصيل». وأشار الرشق إلى أنه «كانت هناك مماطلة من الجانب الإسرائيلي لإتمام اتفاق الهدنة، وخاصة من قِبل نتنياهو»، مضيفاً أن الإسرائيليين «يحاولون التفاوض في ظلّ العدوان لكسر المقاومة، وهذا لم ولن يحدث».
بدوره، أكد المتحدّث باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، في مؤتمر صحافي في الدوحة، أن «الوساطة وصلت إلى مرحلة حرجة ونهائية وتجاوزت القضايا الجوهرية والمحورية، والمتبقّية هي قضايا محدودة، وبالتالي هذا يعني (أنها) في أقرب نقطة للوصول إلى اتفاق منذ بداية هذه الأزمة».