بعد تذليل آخر العقد أمام سريان الهدنة في قطاع غزة، يبدأ تنفيذ الاتفاق عند الساعة السابعة من صباح اليوم، ليكرّس الانتصار الفلسطيني الذي لاح لحظة التوصّل إليه، وهو ما عكسته كلمة الناطق باسم حركة «حماس»، أبو عبيدة، الذي ظهر مجدّداً، بالصوت والصورة، مجمِلاً إنجازات المقاومة، وموجّهاً التحية إلى الضفة الغربية ولبنان واليمن والعراق، وما أكده أيضاً حديث رئيس «الموساد» السابق، أفرايم هليفي، حين قال إن الصفقة «تجعل من الصعب استئناف القتال في غزة» بعد انتهاء الهدنة.وعلى رغم ثقل الحصيلة البشرية للهجوم الوحشي الإسرائيلي، والتي ارتفعت حتى مساء أمس إلى 14854 شهيداً، بينهم 6150 طفلاً، وأكثر من 4 آلاف امرأة، إلا أن غزة تخرج من بين ركام منازلها التي حطّمتها عشرات آلاف الأطنان من القنابل، بعدما ظلّت تقاتل حتى اللحظة الأخيرة، وأفشلت كلّ الأهداف التي أراد العدو تحقيقها، من القضاء على المقاومة، إلى التهجير، إلى استعادة جميع الأسرى من دون اتفاق.
ورداً على تعهّدات قادة مجلس الحرب في إسرائيل باستئناف الهجوم على القطاع بعد انتهاء الهدنة، للقضاء على «حماس» واستعادة باقي الأسرى، نقل موقع «واينت» الإسرائيلي عن رئيس «الموساد» السابق أنه يعتقد أن «الهدنة التي تبدأ اليوم هي فقط المرحلة الأولى. وإذا جرى المضيّ في تنفيذ عملية التبادل حتى النهاية، فإنه سيكون من الصعب على الجيش استئناف حملته حتى القضاء على حماس». كما نقل عنه توقّعه أن «يكون هناك ضغط كبير جداً من الولايات المتحدة لخفض التصعيد أو حتى لوقف القتال من دون أن تنهار حماس، كما يأمل نتنياهو». وتابع أن «هذه ليست صفقة ميدانية لتبادل السجناء، وإنما أيضاً تحرّك لتقوية النيّة لإنهاء الحرب». ورأى أن «إسرائيل لن تستطيع مقاومة الضغط الأميركي، لأن الولايات المتحدة هي الحليف الأول لها في العالم اليوم، والرئيس بايدن هو ربّما أفضل صديق لها منذ سنوات طويلة وساعدها كثيراً من خلال نقل الأسلحة خلال هذه الحملة»، مضيفاً أن «مصالح الولايات المتحدة يجب أن تؤخذ في الحسبان».
وفي اليوم الـ 48 للمعركة، خرج أبو عبيدة في خطاب انتصار أجمل فيه ما أنجزته المقاومة، معلناً أن «كتائب القسام» دمّرت 335 آلية إسرائيلية منذ بدء الحرب، بينها 33 آلية خلال 72 ساعة، ومؤكداً أن «ما تمّ الاتفاق عليه بشأن الهدنة هو ما عرضته المقاومة قبل بدء التوغل البرّي ورفضته إسرائيل، وزعمت أنها ستحقّقه بالقوة العسكرية». ووجّه التحية إلى شعب الضفة الغربية المحتلة، كما حيّا لبنان واليمن والعراق «الذين يحاصرون العدوّ ويدكّون حصونه، بعدما حرّكتهم صرخات غزة ونداءات مقاومتها». وكذلك، دعا أهل الأردن إلى تصعيد كلّ أوجه التحرّك الشعبي ضدّ الاحتلال، قائلاً: «أنتم يا أهل الأردن كابوس الاحتلال الذي يسعى ويجتهد لتحييده وعزله عن قضيته».
رئيس سابق لـ«الموساد»: سيكون من الصعب استئناف الهجوم بعد انتهاء الهدنة


وفي ما يتعلّق بتفاصيل الصفقة، بحسب ما أعلنها الناطق باسم وزارة الخارجية القطرية، ماجد الأنصاري، فإن تسليم الدفعة الأولى من الأسرى لدى المقاومة الفلسطينية والمكوّنة من 13 امرأة وطفلاً، إلى الجانب الإسرائيلي، سيتمّ عند الرابعة من بعد الظهر، بعدما أكد مكتب نتنياهو تلقّيه قائمة بأسماء المنوي الإفراج عنهم وإبلاغه عائلاتهم. وإذ لم يحدّد الأنصاري عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيفرَج عنهم، فإن الاتفاق ينصّ على أنه مقابل كلّ إسرائيلي، يتمّ إطلاق ثلاثة فلسطينيين، أيضاً من النساء والأطفال، وهذا ما أعلنته حركة «حماس» في بيان تأكيد موعد بدء سريان الهدنة. كذلك، سيفرَج عن عدد من الأسرى الإسرائيليين من النساء والأطفال وكبيرات السن، كلّ يوم من الأيام الأربعة للهدنة، حتى الوصول إلى عدد 50. كما ستُجمَع معلومات عن باقي الأسرى الذين يدخلون ضمن هذه الفئة. إلا أن الصفقة لا تشمل الإفراج عن أيّ عسكري إسرائيلي.
ونقل موقع «واينت» عن «اللجنة الدولية للصليب الأحمر» قولها إن الأسرى الإسرائيليين سيُنقلون إلى مصر عن طريق معبر رفح، ثمّ يجري نقلهم من هناك إلى إسرائيل. وأعربت اللجنة عن الأمل «بأن يساهم وقف القتال في توفير المساعدات لكامل قطاع غزة». وبالفعل، اصطفّت عشرات الشاحنات على طول الطريق الصحراوي المؤدّي إلى معبر رفح، وجلس سائقوها ينتظرون بفارغ الصبر الضوء الأخضر لنقل مساعدات تتزايد الحاجة إليها داخل القطاع المحاصر يوماً بعد يوم. وشعر الرجال، وجميعهم مصريون، بالارتياح عندما أُبلغوا بأنه سيُسمح أخيراً بإدخال المزيد من الوقود والمساعدات الملحّة الأخرى إلى غزة.
وفي ضوء السلّة الخاوية سياسياً وعسكرياً التي خرجت بها قوات الاحتلال من الحرب إلى الآن، انشغلت حكومة العدو بإعداد ترتيبات مبالغ بها لحرف أنظار الإسرائيليين الغاضبين عن عجزها. وتناولت الصحافة الإسرائيلية بالتفصيل تلك الترتيبات التي تشمل أموراً، مثل «وجبة الطعام الأولى» للمفرَج عنهم، حتى لا يصابوا بالتخمة، والفحوصات الطبية، والنفسية، وماذا سيُقال لهم فور تسلّمهم، من أمور من قبيل: «أنتم في أمان الآن»، وكيف سيكون لقاؤهم الأول بذويهم. وسينقَل الأسرى الذين هم في حاجة إلى رعاية طبية عاجلة إلى مركز «سوروكا» الطبّي في بئر السبع، بينما سيوزَّع الباقون بناءً على توجيهات وزارة الصحة. وكلّ ذلك سيجري في ظلّ تغطية إعلامية مكثّفة.