«ذكّرني بيوم التحرير». قالت غنوة خضر في محضر أهالي بلدتها كفركلا الذين عادوا إليها أمس، صبيحة بدء وقف إطلاق النار في قطاع غزة، والذي انعكس توقفاً للمعارك بين المقاومة وقوات العدو على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة.لقد تبدّل مشهد الطرقات المقفرة بعد تصعيد العدو الإسرائيلي عدوانه على منازل البلدة في الأيام الأخيرة، ما أجبر عشرات العائلات على النزوح بعد صمود تمسّكت به طوال شهر ونصف شهر. البعض عاد ليبقى إيماناً منه بأن الهدنة المؤقتة ستطول، وآخرون وضّبوا أغراضهم في منازلهم بحذر خشية من العدو الغدّار.
الطريق من كفركلا حتى العديسة المكشوفة أمام مواقع المطلة ومسكاف عام المعادية، استعادت زخم سالكيها نحو البلدات المجاورة وروادها الذين يلتقطون الصور وخلفهم المستعمرات. امتلأ أهل الجنوب بالبهجة كأنها أيام العيد الكبير. كانت العديسة تلملم آثار الغارة التي استهدفت الحرج المشرف على الساحة، محدثة أضراراً في المنازل وواجهات المحالّ وخزانات المياه وألواح الطاقة الشمسية. الفرح الممزوج بالخوف تملّك أبناء بلدات رب ثلاثين وحولا ومركبا قبل دخولهم إليها. تقدّموا بحذر من أحيائهم، وهم يتمنّون ألا تكون بيوتهم من ضمن المنازل التي تعرّضت للقصف المدفعي والغارات الجوية التي تزايدت في الأيام الأخيرة.
ساحة محيبيب كانت ملتقى الأحبة. مقاومون عادوا من الجبهة في استراحة محارب إلى بلداتهم. هنا أم عادت من نزوحها القسري التقت صدفة بابنها العائد من القتال. وهناك مقاوم ذهب لتفقّد منزله، فوجده قد تعرّض للقصف.
أما عيتا الشعب فقد غصّت شوارعها بطوابير السيارات العائدة، في مشهد أعاد الناس بالذاكرة إلى ما حصل بعد وقف عدوان تموز في عام 2006. علماً أن البلدة، جمعت الحشود الكبيرة خلال أيام القتال الماضية لتشييع حسين باجوق، أول شهدائها على طريق القدس. أمس، وإن لم تبدأ الهدنة، كانوا سيعودون أيضاً لتشييع شهيدهم الثاني على طريق القدس يوسف جواد. معادلة الردع التي فرضتها المقاومة، سمحت لأهالي عيتا الشعب كما يارون ومارون الرأس وميس الجبل وبليدا ... بدفن موتاهم وشهدائهم في اليوم نفسه. فيما كانوا في عدوان تموز 2006، يدفنونهم وديعة في صور وسواها. صوت مُسيّرة التجسس كان منخفضاً فوق الحشد الضخم الذي تجمّع في ساحة البلدة. بعض العائدين صلّوا على النعش وآخرون تفقّدوا الحسينية التي استهدفها القصف. ومنهم من استشار «الشباب» أو المقاومين، إن كانت ستُفرش أرضية منزله بالسجاد وتُجهَّز الصوبيا لأن الهدنة ستدوم أم أنه ستضطر مجدّداً للنزوح.
أهل الجنوب يحتفلون: صمدوا وغلبوا


في راميا المجاورة، سُجلت نسبة عودة أقل. لا يملك أهل راميا منذ الأربعينيات ترف الاختيار في الصمود أو النزوح. الموقع الإسرائيلي المشرف بشكل مباشر عليها لا يزال يؤرق الكثيرين. في أيام الاحتلال، كان الجنود الصهاينة يتلذّذون بقهر الأهالي يومياً. عبر مكبّر الصوت، كانوا ينادون عليهم بالاسم، يهدّدونهم ويرعبونهم. فضّل الكثيرون الانتظار حتى يوم غد لاختبار الهدنة. لكنّ كاميليا بسام سارعت بالعودة لتفقّد محصول التبغ الذي تركته في المخزن منذ أول أيام العدوان. القصف اليومي على راميا منعها ومنع مزارعي التبغ من العودة لنقل محاصيلهم وبيعها لـ»الريجي». وجدت كاميليا تبغها مهترئاً. مع ذلك، قررت أن تسلمه لـ»الريجي» ورزقها على الله.
في هذه الأثناء، شيّع حزب الله الشهيد الشيخ علي شبيب محسن في بلدة حاريص الجنوبية في موكب حاشد، جال شوارعَ البلدة، وصولاً إلى جبانتها. وفي مشهد مماثل شيّع حزب الله وأهالي عيتا الشعب الجنوبية، الشهيد يوسف جواد.
كما واصل رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، استقبال المعزّين باستشهاد نجله. وقدّم السفير السوري السابق في لبنان مستشار وزير الخارجية للشؤون اللبنانية علي عبد الكريم علي، تعازي الرئيس السوري بشار الأسد.
وفي السياق، أكّد نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، إن «أحد قادة حماس أكّد لنا أن كل البنية التحتية للمقاومة لم تُمس أبداً خلال كل هذه الفترة، وعندما تنتهي الهدنة إذا عادوا سنعود وسيرون منا ما لم يروه».
من جهتها، دعت قيادة الجيش المواطنين العائدين إلى قراهم إلى اتخاذ تدابير الحيطة والحذر من مخلّفات القصف المعادي ولا سيما الذخائر الفوسفورية والذخائر غير المنفجرة، وعدم الاقتراب منها وإفادة أقرب مركز عسكري عنها، كما دعت إلى الالتزام بإجراءات الوقاية المعمّمة من قبل الجيش في هذا الخصوص.