على رغم مرور نحو 50 يوماً على انطلاق الحرب على قطاع غزة، بعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول الفائت، لا يزال مستوى الحديث في السياسة أقلّ من مستوى الحديث في الحرب العسكرية. ويبدو واضحاً لجميع الأطراف، وخصوصاً الإسرائيليين، أن إنهاء الحرب، الآن، من دون تبلور صيغة سياسية واضحة، تحقّق المصالح الإسرائيلية، أو جزءاً منها، سيكون هزيمة وفشلاً مدوّييْن، لا تحتملهما دولة الاحتلال، بعد هزيمة السابع من تشرين الأول، المحقّقة. ولذلك، تعلو الأصوات في تل أبيب، وإن كانت بمستوى أقلّ ممّا هو في واشنطن والعواصم الإقليمية، وأبرزها الدوحة والقاهرة، حول ضرورة إيجاد المخرج السياسي من الحرب، وتحديد شكل اليوم التالي في قطاع غزة، سواء على المستوى الأمني أو ذلك السياسي.وفي هذا السياق، كتب ألون بن دافيد في صحيفة «معاريف»، أن «الإنجاز العسكري الذي اشتُري حتى الآن بثمن أليم، سيكون عديم القيمة إذا لم يأتِ بعده فعل سياسي يصمّم واقعاً جديداً في غزة». وبحسب بن دافيد، فإن المستوى السياسي في الكيان، «بقي غافياً ويتصرّف بكسل»، حيث إن «مجلس الأمن القومي، الذي يُفترض به أن يخلق الخطوة السياسية التي تكمّل وتثبّت الإنجاز العسكري، لا يزال يبدو كجسم معدٍّ لتقديم خدمات غسيل وتنظيف لعائلة (رئيس الحكومة بنيامين) نتنياهو»، في إشارة إلى مصالح نتنياهو السياسية والشخصية. ويعتقد الكاتب الإسرائيلي أنه «إذا لم تعرف إسرائيل كيف ترسم آلية تدير غزة في اليوم التالي، وتجنّد القوات الدولية اللازمة لمثل هذه الآلية، فلن نتمكّن من إنجاز الهدف العسكري»، مؤكداً أن «هذه الآلية يجب أن تُعرض منذ الآن». وينبّه بن دافيد إلى أنه «قبل أن نخرج إلى المناورة الحاسمة في جنوب القطاع (بعد الهدنة)، فإن إسرائيل مُلزمة بأن تخطّط لوضع النهاية، وإلا فلن تكون لنا شرعيّة للوصول إليه»، مضيفاً أنه «إذا لم نعرف منذ الآن كيف نخطط مبنى الحكم في غزة ما بعد حماس، سنجد أنفسنا نغرق، ليس فقط في وحل غزة، بل أيضاً في مجاريها وأمراضها». ويحاول بن دافيد، تحليل ما يراها «مشكلة إسرائيل» اليوم، حيث «لا يوجد لنا، اليوم، شمعون بيريس الذي يعرف كيف يربط زعماء العالم بمثل هذه الخطوة. يوجد لنا رئيس وزراء منبوذ، وباستثناء الرئيس جو بايدن لا يمدّ له أيّ شخص اليد، وحتى بايدن يفعل ذلك بتحفّظ». ويعترف بن دافيد، المعروف بقربه من هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، أن «الجواب (الحل) لغزّة، يجب أن يتضمّن السلطة الفلسطينية»، حيث «بدونها، لن يكون ممكناً ربط الأميركيين والأوروبيين والدول العربية بإدارة وبناء القطاع في اليوم التالي»، مضيفاً أن السلطة هي «الجهة الوحيدة التي لا تعمل بتأثير إيراني». ولكن، بحسب الكاتب، «لا يمكنه (رئيس السلطة محمود عباس) أن يدخل إلى قطاع غزة، على ظهر دبابات إسرائيلية»، بل «سيكون مطلوباً تحالف غربي - عربي لإسناده بالشرعية وبالمال». كما يشير إلى نقطة أمنية هامة بالنسبة إلى العدو، وهي أنه «إذا لم تعد إسرائيل للسيطرة على المعبر المصري – الفلسطيني في قطاع غزة، فإننا نبدأ في عدّ تنازلي نحو التسلّح المتجدّد لحماس».
إنهاء الحرب من دون تبلور صيغة سياسية واضحة سيكون فشلاً مدوّياً لإسرائيل


من جهتها، شاركت صحيفة «هآرتس» في النقاش الدائر حول شكل «الحلّ السياسي» في ما بعد الحرب. وفي تقرير أعدّه معلّقها للشؤون العربية، تسفي برئيل، لفتت الصحيفة إلى أنه «في الوقت الذي تقترح فيه الولايات المتحدة إعادة السلطة الفلسطينية لإدارة حكم القطاع بعد الحرب، فإنّ إسرائيل ترفض أي دور للسلطة هناك». وأشارت الصحيفة إلى أنّ «ما يزيد الأمور تعقيداً، هو حقيقة أنّ هنالك خلافات داخل السلطة الفلسطينية بشأن دورها المستقبلي في غزة، فضلاً عن أنّ التصور الذي قدّمه الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بشأن حلّ الصراع لا يبدو منطقياً»، حيث إن «دعوة السيسي إلى إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في حدود 1967، وعاصمتها القدس، لا يمكن تحقيقها». ورأى برئيل أن «ما طرحه (السيسي) الخطة يدلّ على حالة الاضطراب والإحباط والعجز التي تعاني منها مصر في التعاطي مع مستقبل الأوضاع في القطاع بعد الحرب».
وبالنسبة إلى الموقف الأميركي، اعتبر برئيل أن «حديث بايدن عن صعوبة القضاء على حركة حماس، يعني أنّ الولايات المتحدة باتت تشكّك في واقعية أحد أهداف الحرب الرئيسيّة»، ما يعني إمكانية أن «تعمل إدارة بايدن على وضع إستراتيجية لإنهاء الحرب، تأخذ في الاعتبار مستقبل إدارة غزة في اليوم التالي». وبحسب الكاتب، فإنّ «بايدن يرى أنه يمكن الشروع في مناقشة سُبل إعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع في ظل تواصل الحرب»، لكن «تصوّر بايدن هذا، يواجه تحدّيين أساسيين، هما: إصرار إسرائيل على القضاء على حركة حماس، ورفضها إعادة السلطة إلى غزة».
وقال بايدن، في تصريحات مساء أمس، إن «حلّ الدولتين هو الضمان الوحيد لمستقبل يعيش فيه الإسرائيليون والفلسطينيون بسلام». كما بدت لافتة تصريحات لرئيس الحكومة ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لـ»CBS»، أمس، اعتبر فيها أن «غزة والضفة يجب أن تكونا دولة واحدة تحت قيادة يختارها الشعب الفلسطيني». وأضاف المسؤول القطري أن «الطريقة الوحيدة لعدم تكرار الحرب هي التوصّل إلى حل سياسي وتزويد الفلسطينيين بأفق لإقامة دولة».