لندن | تجمّع عشرات آلاف البريطانيين، أوّل من أمس، خارج قصر العدل الملكيّ في منطقة ستراند وسط العاصمة لندن، بدعوة من «الحملة ضدّ معاداة السامية» (المسجّلة كجمعية خيرية في بريطانيا)، قبل أن يسيروا في تظاهرة على طول شارع وايتهول في موازاة المقرّ الرئيسي للحكومة البريطانية، وصولاً إلى ساحة البرلمان في ويسمنستر، حيث جرت الوقفة وألقيت الكلمات. وحمل المشاركون الذين قادهم الحاخام الأكبر ليهود بريطانيا، إفرايم ميرفيس، وتقدّمهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون، مصطحباً معه عائلته، أعلاماً إسرائيلية وبريطانية، ولافتات كُتبت عليها شعارات مندّدة بـ«كراهية اليهود»، من مِثل «كتفاً بكتف مع اليهود البريطانيين»، و«لن يتكرّر ذلك أبداً»، و«لا تَسامح مع العداء للسامية»، معربين عن تضامنهم مع دولة الاحتلال التي تشنّ حرباً عدوانية ضدّ قطاع غزة، سقط فيها إلى الآن أكثر من 14 ألف شهيد (من دون احتساب من لا يزالون تحت الأنقاض)، وما يزيد عن 35 ألف جريح، فضلاً عن تشريد مئات الآلاف من بيوتهم التي دُمّرت كليّاً أو جزئيّاً.وادّعت المصادر اليهودية في المملكة، أن عدد المشاركين في الفعالية تجاوز الـ100 ألف شخص، ولكنّ صحفاً بريطانية قالت إن أعدادهم تراوحت بين 50 و60 ألفاً. ومع ذلك، فقد احتفلت بها الدوائر المتصهينة في البلاد، بوصفها أوسع تحرّك داعم لليهود في لندن منذ معركة «شارع كيبل» عام 1936، عندما تصدّى الشيوعيون والأهالي لأنصار تنظيم «الاتحاد البريطاني الفاشيستي» من أصحاب القمصان السود، لمنعهم من الاستعراض عبر شرق لندن في قلب منطقة ذات عدد كبير من السكان اليهود في ذلك الوقت. واستقصدت شخصيات من النخبة البريطانية الحاكمة، تصدُّر الفعالية التي انضمّ إليها أيضاً نواب يهود عن «حزب المحافظين» الحاكم من مثل: توم توغندهات، وروبرت هالفون، وروبرت جينريك، إلى جانب عدد من المذيعين والشخصيات التلفزيونية البارزة في المشهد البريطاني، ومنهم ريتشيل رايلي، وجوليا هارتلي بروير، وفانيسا فيلتز، والممثّل الكوميدي ديفيد بادييل، والممثّلين إيدي مارسان، ولويزا كلاين، وفيليسيتي كندال، وإليوت ليفي، وتريسي آن أوبرمان، ومورين ليبمان.
ووفقاً لمراقبين، فإن «الحملة ضدّ معاداة السامية» استغلّت الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة، في محاولة لاستعادة المبادرة في الشارع، وذلك بعدما تكرّرت، على مدى أسابيع العدوان، الاحتجاجات الصاخبة المؤيّدة للفلسطينيين، حيث انخرط ملايين البريطانيين في الشوارع والساحات العامّة والجامعات ومحطّات القطارات الرئيسية عبر مدن المملكة المتحدة، في تظاهرات ووقفات حاشدة تدعم الفلسطينيين، وتدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار، فيما تجاوز عدد المشاركين في التظاهرة الأسبوعية المركزية في لندن المليون قبل أسبوعين، ولم يقلّ عددهم عن 500 ألف - بحسب تقديرات المنظّمين - هذا السبت أيضاً. وبدا لافتاً أن الأجيال الشابة من البريطانيين، على تنوّع أصولها ومنابتها، انحازت بشكل كبير إلى جانب نضال الشعب الفلسطيني، بخلاف الأجيال الأكبر سنّاً والأكثر تأثُّراً بالدعاية الصهيونية. ورصدت جهات مختلفة هيمنةً للمضمون المؤيّد لفلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي التي ترتادها الأجيال الجديدة، وذلك رغم كلّ عمليات التضييق، بينما تكرّر سقوط الثقة - وفقاً للاستطلاعات - بوسائل الإعلام الرئيسية التي لا تخفي تعاطفها مع دولة الاحتلال.
ونقلت صحف لندن اليهودية عن جمعية «الحملة ضدّ معاداة السامية»، ادّعاءها وجود إشارات إلى موجة عداء ضدّ اليهود، تصاعدت منذ هجوم السابع من أكتوبر الماضي. وتفيد بيانات وقفيّة «صندوق أمن المجتمع» المتخصّصة في رصد ما تصنّفه الجهات اليهودية على أنه حوادث ذات دوافع مرتبطة بـ«العداء للسامية»، بأن البلاغات عن الاعتداءات، ارتفعت، الشهر الماضي، بما لا يقلّ عن خمسة أضعاف معدّلها السنوي، إضافةً إلى توثيق أكثر من مئة تهديد وُجّهت إلى مواطنين بريطانيين يهود. وبحسب الوقفيّة، فقد وصلتها معلومات عن 1124 حادثة عداء للسامية، في ثلاثين يوماً من بدء الحرب على غزة، وهو أعلى رقم رصدته في أيّ شهر، منذ بدأت في الاحتفاظ بسجلّات في عام 1984. لكن جهات عديدة تشكّك في هذه الأرقام التي ليس لها علاقة بمعلومات الشرطة ومصالح الأمن، وتعتمد تعريفاً فضفاضاً لمفهوم «العداء للسامية» يَعتبر كلّ انتقاد لإسرائيل أو للحركة الصهيونية، مهما كان مبرّره، مدفوعاً بعداء «عرقي» ضدّ اليهود.
استغلّت «الحملة ضدّ معاداة السامية» الهدنة الإنسانية المؤقتة في غزة، في محاولة لاستعادة المبادرة في الشارع البريطاني


وكانت الشرطة البريطانية قد اعتقلت أمام المتظاهرين من أجل فلسطين، يوم السبت الماضي، أحد أبرز كوادر «الحزب الشيوعي البريطاني»، ورفاقاً له، بتهمة توزيع منشورات تحضّ على الكراهية ضدّ اليهود، وصادرت كتيّباً صادراً عن الحزب يصف الصهيونية بأنها حركة عنصريّة وأداة للإمبريالية الغربية.
وألقى الحاخام ميرفيس خطاباً أمام المتجمعين في ساحة البرلمان، قال فيه: «منذ السابع من أكتوبر، اكتشفنا أصدقاءنا الحقيقيين، ولكلّ واحد منهم، نقول: "نشعر بالامتنان لكم". يجب أن نعلّم الناس أن عليهم استخلاص استنتاجاتهم من (الحقائق التاريخية)، وليس من وسائل التواصل الاجتماعي. دعوتنا هي أن المملكة المتحدة يجب أن تكون صفاً واحداً ضدّ معاداة السامية». وأضاف الحاخام الأكبر أن اليهود البريطانيين «لن يخافوا من معاداة السامية»، وأنهم «سيظلّون فخورين إلى الأبد بدعم القيم البريطانية لهم»، موجّهاً إلى أتباعه تعليمات بالإبلاغ عن حوادث «معاداة السامية»، وتسميتها باسمها الحقيقي، أي «كراهية اليهود»، داعياً السلطات إلى اعتقال المتّهمين، وتقديمهم إلى العدالة. لكن أبرز الخطابات جاء على لسان المذيعة ومقدّمة البرامج التلفزيونية، راشيل رايلي، التي قالت: «لقد شاهدنا الناس يحضرون (للتعاطف مع إسرائيل) بعشرات الآلاف في برلين وباريس وواشنطن، واليوم حان دورنا في بريطانيا، وليست هناك رسالة أوضح نبعث بها إلى الجالية اليهودية البريطانية بأنكم لستم وحدكم في وسط هذا البحر الهائل من الوجوه الودية المؤيّدة لكم». ودعت البريطانيين ووسائل الإعلام والسياسيين من كلّ جانب، إلى «الوقوف معنا وأن يكونوا أعلى صوتاً ضدّ معاداة السامية. لقد طفح الكيل»، متّهمةً جهات لم تسمّها بـ«إعادة صياغة الدعاية النازية (والسوفياتية) المعادية لليهود لتُناسب أوضاع اليوم».
كذلك، تحدّث النائب عن «المحافظين»، جينريك، قائلاً: «لا توجد كلمات يمكن أن تزيل ألم هجوم السابع من أكتوبر. إنّنا هنا نقف مع (إسرائيل) وكلّ مَن يشاركها تصميمها على هزيمة حماس، التي ستكون هزيمتها خلاصاً لكلّ هذا العالم». ومن جهته، اشتكى جدعون فالتر، الرئيس التنفيذي لـ«الحملة ضدّ معاداة السامية»، من المسيرات الأسبوعية التي ينظّمها المؤيّدون لفلسطين في وسط العاصمة البريطانية، قائلاً: «أسبوعاً بعد آخر، أصبح وسط لندن وكأنه منطقة محظورة على اليهود»، مدّعياً أن المسيرات «شكل من إجرام جماعي، يتضمّن تمجيد الإرهاب، ودعم المنظّمات الإرهابية المحظورة مثل حماس، والتحريض على الكراهية العنصرية أو الدينية ضدّ اليهود. إن الحقيقة المحزنة هي أن اليهود لا يشعرون بالأمان في عاصمتنا».
وتدّعي «الحملة» - التي لا يدقّق أحد في أرقامها - أنها أجرت استطلاعاً للجالية اليهودية في بريطانيا، قال فيه 69% ممَّن أدلوا بآرائهم، إنهم أكثر ميلاً إلى تجنّب إظهار علامات واضحة تدلّ على يهوديتهم في الوقت الحالي، في حين أن ما يقرب من نصفهم فكّروا في مغادرة المملكة المتحدة منذ السابع من أكتوبر، بسبب ارتفاع منسوب «معاداة السامية»، وأشار 90% إلى أنهم يتجنّبون المراكز الحضرية في لندن وغيرها من المدن البريطانية وقت مرور التظاهرات المؤيّدة لفلسطين. ويبلغ عدد اليهود في بريطانيا ربع مليون نسمة، ولكن الميول الصهيونية متفشّية على نطاق واسع في أوساط النخبة الحاكمة. يُذكر أن الشرطة اعتقلت، أيضاً، على هامش الفعالية اليهودية، زعيم النازيين البريطانيين، تومي روبنسون (اسمه الحقيقي ياكسلي لينون)، رغم أنه حضر وأتباعه للتضامن مع إسرائيل. وكانت شرطة العاصمة قد حذّرته من المشاركة، وقالت إنه شخص غير مرغوب فيه هناك، وذلك بعدما سرى أن مصادر رسمية أوحت له بتنفيذ مسيرة لأتباعه في نفس يوم الخروج لمسيرة مؤيدة لفلسطين في وسط لندن، من أجل تخويف المشاركين في هذه الأخيرة.



بوريل يطالب بإنهاء الحرب: «حماس فكرة لا يمكن قتلها»
في ما بدا وكأنه تحوُّل في الموقف الأوروبي، الذي ركّز، على مدى الأسابيع القليلة الماضية، على ضرورة تنفيذ وقفات قتال إنسانية في قطاع غزة من أجل إدخال المساعدات إلى المحاصَرين هناك، دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، من أمام منتدى «الاتحاد من أجل المتوسط» المنعقد في برشلونة، أمس، إلى تمديد الهدنة التي تنتهي اليوم، حتى تصبح «دائمة»، وتسمح بالتقدّم نحو «حلّ سياسي» للصراع، «يمكّننا من كسْر دوّامة العنف نهائيّاً»، مشيراً إلى أنه «لن يكون هناك سلام أو أمن لإسرائيل من دون دولة فلسطينية». وإذ رأى أنه «لا شيء يمكن أن يبرّر وحشيّة حماس العمياء التي أطلقتها ضدّ المدنيين في السابع من أكتوبر»، فهو استدرك بأن «فظاعةً لا يمكن أن تبرّر فظاعة أخرى»، محذّراً، في الوقت ذاته، من «موجات تطرُّف وعنف غير مسبوقَين، إذا لم يتمّ وقف الحرب في غزة». كذلك اعتبر بوريل أن «إسرائيل تجاوزت حدّ الدفاع عن النفس»، حاثّاً إيّاها على «ألّا تفكر في إعادة احتلال غزة»، ومشدّداً على أن «حماس ليست مجرّد مجموعة أفراد، وإنما فكرة وأيديولوجيا لا يمكن قتْلها».