«الواقع معقّد للغاية. وبالنسبة إلى إسرائيل، فإن الهدنة هدفت إلى الإيفاء بالواجب الأخلاقي تجاه المختطفين وإعادتهم إلى بيوتهم، في حين أن مطالبة حماس بوقف إطلاق النار تنبع بالدرجة الأولى من حقيقة أنها أدركت حجم الضربات التي تلقّتها، والتي أفضت إليها المناورة البرية، والضغوط العسكرية التي فرضها الجيش الإسرائيلي على قيادة الحركة». هذا ما قاله رئيس برنامج دراسات الشرق الأوسط في الكليّة الأكاديمية «عيمق يزراعيل»، عيدو زالكوفيتش، في مقابلة مع «إذاعة الشمال»، تناولت صفقة التبادل، واحتمالات إطالة الهدنة. وعلّق زالكوفيتش على مقطع الفيديو الذي نشرته الحركة مساء الأحد، موثّقةً فيه عملية التسليم بالقول: «لست منبهراً بمشهد التلويح بالأيدي»، معتبراً أن اختيار الحركة «دوار فلسطين» موقعاً لتسليم الأسرى «لم يكن اختياراً عبثياً»، وهو يؤشر بحسبه إلى أن «حماس حاولت خلق نوع من الصورة الظرفية، مفادها بأننا نقف على أقدامنا، نحن لا نزال نسيطر»، مستدركاً بالقول إنّ «من المهمّ الالتفات إلى أنه يوجد عدد من الحارات (في شمال القطاع) التي لم تصل قواتنا إليها بعد».وفي الوقت نفسه، أقر زالكوفيتش بأنه «طالما أننا لم نحتلّ قطاع غزة بالكامل، ولم ندخل إلى جنوبه، فإنهم يتمتّعون بقدرة معينة من السيطرة، وخاصة على مستوى القيادة، وتمرير الأوامر، بشأن أهمّ ما يملكونه حالياً وهو المختطفون»، معتبراً أن «حماس» معنيّة بإطالة الهدنة، وهي بحسبه «لن تتعجّل إطلاق سراحهم، فالمختطفون هم بوصلة التأمين بالنسبة إليها بالرغم من أنهم يشكّلون عبئاً عليها؛ إذ إنها بحاجة إلى عدد كبير من الحرّاس لحمايتهم، وأماكن لإيوائهم، وتأمين موقعهم (حيث تحتفظ بهم)». ورأى أن الحركة «تستمتع بلعبة القول إنها لا تحتجز جميع المختطفين، وذلك لكسب المزيد من الوقت وتأجيل عملية إطلاق سراح الأسرى، لأن الوقت في مصلحتها؛ إذ تعتقد أنه كلّما طال أمد الهدنة ستتمكّن من الصمود والبقاء». وعلى المقلب الآخر، فإن الإسرائيليين، بحسبه، «يفتقرون إلى الصبر، وتأسرهم مشاهد المختطفين العائدين لأن ذلك يبعث فيهم الأمل». وتعليقاً على ما قاله بعض ذوي الإسرائيليين المُفرج عنهم بشأن نقص الطعام في الفترة الأخيرة من أسر أبنائهم، اعتبر أن «لحماس مصلحة عليا في إبقاء المختطفين في صحّة جيدة، لأن المختطف حيّاً يساوي أكثر منه جثة هامدة»، معرباً عن اعتقاده «بأننا لا نزال في بداية الطريق ولم نصل إلى منتصفه بعد؛ إذ لن يوقف الجيش الإسرائيلي هذه الحرب حتى تحقيق أهدافها، وعلى الوسطاء القطريين فهم ذلك».
من جهته، اعتبر رئيس «معهد سياسة الشعب اليهودي»، البروفسور يديديا شطيرن، في مقالة في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «السنوار (أصاب) بسهم مباشر كعب أخيل الإسرائيلي»، في إشارة إلى نقطة ضعف إسرائيل، مشيراً إلى أن «الأخيرة كلّها بكت عندما ركض إوهاد موندير (أحد الأطفال المفرَج عنهم) إلى حضن والده»، مستدركاً بأن «النصر بالحرب لا يتحقّق بالدموع، فإسرائيل دولة عظمى على المستويَين المدني والعسكري، فيما حماس هي الأضعف مقارنة بأعداء إسرائيل الآخرين. والجنود وحتى عائلاتهم (هذه المرّة على غير العادة) مستعدّون لمواصلة المهمة (الحرب) حتى الحسم، والدولة العظمى الأقوى في العالم تدعمنا بشكل غير مسبوق». وأضاف شطيرن: «لقد احتللنا نصف أراضي قطاع غزة فوق الأرض (من دون الأنفاق التحت - أرضية) ودمّرنا القطاع. لكن حماس ليس فقط أنها لم تنكسر، وإنما هي تواصل السيطرة على سردية الحرب، فيما أمّة كاملة أوقفت جيشها الهائل وأنفاسها في انتظار قرارات يحيى السنوار»، معتبراً أن ذلك «ليس مفاجأة وإنما نتيجة متوقعة مسبقاً»؛ والسبب، بحسبه، أن «إسرائيل هي البطل اليوناني الأسطوري أخيل، القويّ الذي ليس بإمكان أحد هزيمته، غير أنها مثله لديها نقطة ضعف، وهي كعب أخيل، ومن يتمكّن من توجيه (سهامه) إلى هذا الكعب يمكنه التغلّب عليها. وقد حُرّر السنوار ورفاقه من السجن الإسرائيلي لأن أسلافه أطلقوا سهماً على كعب إسرائيل، بعدما نجحوا في أسر جندي إسرائيلي واحد، جلعاد شاليط، ابننا جميعاً (في الذهنيّة الإسرائيلية)، وعندها (نجحت الحركة في التسبّب) بانهيار المناعة العقلية الإسرائيلية. و1000 ممّن حُرّروا مقابل شاليط، عادوا ليخطّطوا لكمين الموت لغلاف غزة (هجوم السابع من أكتوبر)»؛ و«هذه المرّة أيضاً، يوجّه السنوار السهم إلى كعب أخيل الإسرائيلي بطلقة البداية التي نفّذها. (فالسنوار يعتقد) أن بإمكان إسرائيل أن تفرغ مخازن أسلحتها في غزة، وأن تحوّل الأخيرة إلى أنقاض وخراب، وأن تقتل آلاف المخربين، وتصفي قادة كتائب وألوية حماس، لكن النصر سيكون لحماس، إذا أفضى الضغط الجماهيري الإسرائيلي على القيادة لإعادة المخطوفين بكلّ ثمن، في نهاية المطاف، إلى وقف القتال قبل تحقيق كامل أهداف الحرب».
«الامتحان الأصعب أمام القيادة الإسرائيلية هو ما إذا تبيّن أنّ إسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق هدفَي الحرب»


ونبّه البروفسور الذي شغل أيضاً منصب عميد كليّة الحقوق في جامعة «بار إيلان»، إلى أن «السنوار يفرك يديه مستمتعاً أمام مشاهد البث المباشر (من التلفزة الإسرائيلية)، ومقالات الرأي، والدعايات المحطّمة للقلب، والتظاهرات التي ترفع الكلمة السرية: الآن (إعادة المختطفين حالاً)، فهو يدرك جيداً أن الجمهور الإسرائيلي ليس قادراً على مواجهة قضية الأسرى. ورغم أن القادة (الإسرائيليين) يعدوننا باستئناف الحرب بعد الصفقة، وأن هذه الأخيرة هدفها إعادة أكثر ما يمكن من المختطفين إلى بيوتهم من دون التنازل عن القضاء على حماس، فهل هذا ما سيقومون به حقاً؟»، ليجيب: «أخشى من أن الضغوط من الخارج، والتي ستتزايد كثيراً، والأهمّ الضغوط من الداخل لعدم إبقاء أيّ مختطف بأيدي العدو، ستضعف الإصرار الإسرائيلي»، لافتاً إلى أن «هذا ما بات يظهر على الشاشات في البثّ المباشر». وفي حالة كهذه، اعتبر أن «الثمن سيكون أكبر بكثير؛ فإذا لم تهزم إسرائيل حماس هذه المرّة بحيث لا يعود وجود للأخيرة في القطاع، فإن إسرائيل ستخسر موردها الأهمّ لمستقبلها، وهو قوة الردع تجاه العدو. ففي حين أن حماس لا تشكّل تهديداً وجودياً على إسرائيل، فإن فقدان إسرائيل للردع هو تهديد وجودي»؛ إذ إنه «يعني أن هناك كُثراً، وهم مجهولون حالياً، قد يدفعون حياتهم ثمناً (في حال نشوب حرب وإسرائيل فاقدة للردع)». وإذ أكد أن «إسرائيل ملزمة بالعمل بكلّ قوة من أجل إعادة المختطفين، حتى لو شكّل ذلك خطراً على حياة الجنود من خلال عمليات جريئة على غرار عملية عنتيبي»، فهو شدّد على أنه «يُحظر أن تمتنع عن هزم حماس بشكل كامل من أجل إعادة المختطفين إلى بيوتهم». وبحسبه، بالرغم من أن «إنقاذ الأسرى هو قيمة عليا، إلا أنه ليس قيمةً مطلقة».
وختم قائلاً إن «التعاضد الاجتماعي الإسرائيلي هو رصيد مهمّ لتعزيز الأمن القومي، لكنه لا يحققه. وبمعزل عمّا إذا كان الجمهور الإسرائيلي سيجد صعوبة في قبول ذلك، فإن الامتحان الأصعب أمام القيادة الإسرائيلية هو ما إذا تبيّن أن إسرائيل لن تكون قادرة على تحقيق هدفَي الحرب - هزيمة حماس وتحرير جميع المختطفين - إلّا من خلال الاختيار بينهما، فهل ستتمكّن من الصمود أمام الضغط الشعبي؟ هل يمكننا أن نثبت أن السنوار أخطأ في فهمنا؟ وهل سيدرك أخيل قوّته؟»



الاستعراض «القسّامي»: إصبع في عين الجيش
أثار المقطع المصوّر الذي بثّته حركة «حماس» للإفراج عن الدفعة الثالثة من الأسرى الإسرائيليين لديها، سخطاً كبيراً في دولة الاحتلال؛ ليس بسبب ابتسامات الأسرى لآسريهم وتلويحهم لهم بالوداع - وهو ما يؤكد حسن المعاملة التي لاقوها - فحسب، بل وأيضاً بالنظر إلى أن التسليم تمّ في شمال غزة، حيث قذفت آلة الحرب الإسرائيلية عشرات آلاف الأطنان من المتفجرات، مدمّرةً مئات آلاف المباني، وحاصدةً أرواح آلاف الشهداء والجرحى، قبل أن تدّعي سيطرتها على المنطقة المذكورة. واختصر المحلّل العسكري لموقع «واللا»، أمير بوحبوط، ذلك المشهد بالقول إن «حماس وضعت إصبعاً في عين الجيش الإسرائيلي»، مشيراً إلى أنه «على مرأى مئات الفلسطينيين، ووسط هتافات النصر، حُرّر المختطفون (ليل الاثنين – الثلاثاء) في مدينة غزة، بجانب تمثال على شكل قبضة يد تمسك بقلادتَين عسكريّتَين حديديّتَين، تخليداً لاختطاف الجنديَّين: هدار غولدن وأورون شاؤول، اللذين تحتفظ حماس بجثتيهما منذ عام 2014»، متسائلاً: «من هو صاحب البيت؟»، في إشارة إلى التشكيك في سيطرة الجيش الإسرائيلي عسكرياً على الشمال كما يدّعي.