رام الله | لم يكن للمرحلة الرابعة من صفقة تبادل الأسرى بين المقاومة والعدو، والتي جرت مساء أمس، أن تمرّ من دون أن تضع حركة «حماس» بصمتها في صراع الإرادة والشروط والمتطلّبات، تاركةً إسرائيل في حرج شديد بعدما كادت أن تنسف الاتفاق، مع ظهور خلافات في شأن أسماء الأسرى الإسرائيليين المفترض تسليمهم، ما أخّر الإفراج عنهم لساعات. وعلى رغم هذا التأخير، تمّ تنفيذ المرحلة الرابعة من الصفقة، حيث أفرجت «كتائب القسام» عن 11 أسيراً إسرائيليّاً (امرأتان و9 أطفال)، سلّمتهم لطواقم «الصليب الأحمر»، والتي نقلتهم بدورها إلى سلطات الاحتلال، في مقابل إفراج الأخيرة عن 33 أسيراً فلسطينياً، هم 3 أسيرات و30 طفلاً وفتى. والأسيرات، هنّ: ياسمين شعبان، وعطاف جرادات من مدينة جنين شمال الضفة الغربية، والطفلة نفوذ حمّاد من مدينة القدس، لتتبقّى في سجون الاحتلال إلى الآن، 4 أسيرات اعتُقلن قبل السابع من أكتوبر، وهنّ: نوال محمد فتيحة من القدس، وآية الخطيب وشاتيلا أبو عيادة وأسماء أبو تكفة، من الداخل المحتلّ.على أن خلافاً طرأ منذ صباح يوم أمس، حول الأسماء التي تضمّنتها القوائم من كلا الجانبَين؛ إذ لم تقبل إسرائيل بدايةً بقائمة «القسام» التي تضمّنت 11 أسيراً، بينهم 9 أطفال، رافضةً التجزئة، ومطالبةً بالإفراج عن أمهات الأطفال، فيما رفضت المقاومة من جهتها قائمة الاحتلال، الذي تلاعب أيضاً بالأسماء. وأثارت قائمة الدفعة الرابعة من الأسرى الإسرائيليين، على غرار قائمة الدفعة الثانية التي تأخّر إطلاقها حتى ساعات الفجر الأولى، غضب حكومة بنيامين نتنياهو، واضعةً إيّاها في حالة حرج، أو في «ورطة»، إذا جاز التعبير: فمن ناحية، إذا رفضتها سيتمّ اتهامها بأنها تتخلّى عن الأطفال الواردة أسماؤهم فيها، وأنها لا تريد استعادتهم؛ ومن ناحية أخرى، إذا قبلت بها، فهي بذلك ترضخ لشروط المقاومة.
ويبدو أن «القسام» أصرّت على إطلاق سراح الأسيرة الطفلة، نفوذ حماد، من مدينة القدس، وهي الأصغر سنّاً في سجون الاحتلال، وقد حُكم عليها بالسجن 12 عاماً قبل أيام فقط، وكان اسمها في قائمة المُفرج عنهم في المرحلة الأولى، قبل أن تسقطه إسرائيل لاحقاً. وخلال الساعات الماضية، أكّدت عائلة نفوذ أن ابنتها تعرّضت لاعتداء قاسٍ وبشع من قِبَل جنود الاحتلال، أدّى إلى إصابتها بجروح عديدة جرى على إثرها نقلها إلى المستشفى، وهو ما دفع «القسام» إلى الضغط على الاحتلال من خلال الأسماء الواردة في القائمة. وهكذا، تهدَّد تنفيذ الصفقة، ما أجبر الوسطاء المصريين والقطريين، مرة أخرى، على التدخّل في محاولة لاحتوائها، وساعدهم في ذلك استعداد الطرفين لتمديد الهدنة ليومَين إضافيَّين، وخاصة مع إعلان «حماس»، مساء أمس، أنها استطاعت حصر عدد من الأسرى الإسرائيليين، وأنه بات في مقدورها الإفراج عن مزيد منهم وفق الآلية التي عُمل بها في الأيام الماضية.
تبدو «القسام» حريصة على الاستفادة من عملية التبادل في معركة الوعي وترسيخ السيطرة والتحكّم والنصر أيضاً


وسبق إتمام المرحلة الرابعة، وقرار تمديد الهدنة ليومَين، إعلان منسّق الاتصالات الإستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي، موافقة إسرائيل على مواصلة وقف القتال لتحرير مزيد من الرهائن، ولدخول مزيد من المساعدات إلى قطاع غزة، مشيراً إلى أن واشنطن تعتقد بأن عدد مواطنيها المتبقّين بين المحتجزين في غزة، «في نطاق 7 إلى 10 أشخاص». وأكد كيربي أن بلاده لا تعرف العدد الحقيقي للأسرى في غزة، وإنْ كانت التقديرات «تشير إلى أن هناك 200 رهينة أو أكثر»، وأن «حماس لا تسيطر على جميع الرهائن، بل هناك جماعات أخرى تحتجز بعضهم». وذكر أن «مسؤولية تعقّب هؤلاء الرهائن تقع على حماس»، التي أكّدت بدورها موافقتها على تمديد الهدنة، وسعيها الجادّ إلى زيادة عدد المُفرج عنهم من المحتجزين.
وتبدو «القسام» حريصة على الاستفادة من عملية التبادل في معركة الوعي وترسيخ السيطرة والتحكّم، والأهم من ذلك هو توجيه الرسائل المكثّفة إلى المجتمع الإسرائيلي. وفي هذا الإطار، كُشف النقاب عن لقاء زعيم حركة «حماس» في غزة، يحيى السنوار، بالأسرى الإسرائيليين، وتحدّثه إليهم بالعبرية التي يجيدها، وقوله لهم: «إنكم في المكان الأكثر أماناً، ولن يحدث لكم مكروه»، بحسب وسائل الإعلام العبرية. وفي السياق نفسه، كشفت «الكتائب» عن رسالة وداع كتبتها المستوطنة دانييل ألوني، وابنتها إميليا، موجّهة إلى عناصر «القسام» الذين رافقوهما طوال فترة الاحتجاز، أعربتا فيها عن شكرهما لهم، وأثنتا على حسن معاملتهم لهما، في ما يشكّل ضربةً كبيرة للسردية الإسرائيلية التي سعت كل أجهزة الاحتلال لترويجها منذ بدء العدوان، والهادفة إلى تشويه صورة المقاومة. وكتبت ألوني في رسالتها: «إلى الجنرالات الذين رافقوني في الأسابيع الأخيرة، يبدو أنّنا سنفترق غداً، لكنني أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا، كنتم لها مثل الأبوين (...)». وأضافت السيدة: «شكراً لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحاً. الأولاد لا يجب أن يكونوا في الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق، ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة».