رام الله | عمّقت العملية الفدائية التي وقعت، صباح أمس، بالقرب من مستوطنة «راموت» في القدس المحتلّة، أزمة حكومة بنيامين نتنياهو، مجلّيةً أيضاً فشل خياراتها الأمنية والعسكرية في مواجهة المقاومة. والعملية المذكورة، وهي الرابعة في القدس منذ بدء العدوان على قطاع غزة، شكّلت صدمةً لأجهزة الاحتلال الأمنية، والتي لم تستفِق بعد من صدمة السابع من أكتوبر، فيما أعادت التذكير بأن الهدنة في قطاع غزة لا تعني إسقاط جبهة الضفة الغربية، وتغييب أدوات فعْلها المقاوِم، وخاصة في ظلّ تصاعُد جرائم آلة القتل الإسرائيلية هناك، في موازاة العدوان على غزة، وآخرها في جنين، حيث استشهد، الأربعاء، 4 فلسطينيين، بينهم طفلان.وفي تفاصيل العملية، قُتل ثلاثة مستوطنين، بينهم الحاخام إليمالك واسرمان، وهو عميد المحكمة الحاخامية في أسدود، وأصيب آخرون، وصفت إصابة بعضهم بالـ«خطيرة»، على يد الشقيقَين الشهيدَين، إبراهيم ومراد النمر، في صور باهر. ووفق إذاعة جيش الاحتلال، فإن منفذَيِ العملية، أسيران سابقان ينتميان إلى حركة «حماس»، استقلّا مركبة خاصة بهما، ثمّ توقّفا بها عند محطّة لانتظار الحافلات في مستوطنة «راموت» عند المدخل الشمالي الغربي لمدينة القدس المحتلّة، وفتحا النار على المستوطنين بمسدّس فردي، وبندقية آلية. ولدى انسحابهما من المركبة اشتبكا مع عناصر الاحتلال ليرتقيا شهيدَين. وأفاد «الشاباك»، من جهته، بأن مراد نمر، من سكان القدس الشرقية، ينتمي إلى «حماس»، وهو كان قد اعتقل بين عامَي 2010 و2020، على خلفية «نيّته» القيام بعملية فدائية بتوجيهات من قطاع غزة، وكذلك شقيقه إبراهيم نمر، الذي اعتقل عام 2014.
وجاءت عملية «راموت» في ذروة الاستنفار الأمني الإسرائيلي العام في منطقة تُعَدّ أصلاً الأكثر استنفاراً، وفي غياب أيّ تحذيرات أمنية من احتمال وقوع عمليات فدائية، علماً أن امتلاك الفلسطينيين للسلاح في القدس، يُعدّ أمراً بالغَ التعقيد نظراً إلى مراقبة الاحتلال الدائمة لتحركّات هؤلاء. ولذلك، فإن ما حصل يُعدّ فشلاً أمنياً من شأنه أن يتحوّل إلى مأزق بالنسبة إلى أجهزة الاحتلال الاستخبارية؛ إذ كيف بإمكان أسيرَين محرّرَين كانا قد خطّطا سابقاً لتنفيذ عملية فدائية، وينتميان إلى «حماس»، أن يتمكّنا من الحصول على سلاح والاحتفاظ به والتخطيط لتنفيذ هجوم به، على رغم كلّ الصعوبات؟ الواقع أن خروج نتنياهو للإشادة بقيام عنصرَين من الجيش بقتل المنفّذَين، ومنعهما من الانتقال لتنفيذ عملية أخرى، ليس، بحسب مراقبين إسرائيليين، سوى تعبير عن هذا الفشل، كون المطلوب، في رأيهم، هو امتلاك معلومات عن العملية، ومنعها قبل حدوثها.
أيضاً، جاءت العملية في وقت يلوّح فيه قادة الاحتلال بالعودة إلى الحرب في قطاع غزة، لاستكمال الهدف الذي وضعته حكومة نتنياهو، والمتمثّل في «اجتثاث حماس»، والقضاء عليها. وفيما تظهر يوماً بعد آخر، استحالة تحقيق هدف من هذا النوع، نظراً إلى وجود «حماس» في كلّ مكان، أعلنت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية للحركة، في بيان رسمي، مسؤوليّتها عن الهجوم، مؤكدة أنه يأتي في إطار الردّ على جرائم الاحتلال، وقتْله الأطفال والنساء في قطاع غزة والضفة المحتلّة، وتدنيسه المسجد الأقصى والمقدّسات، فضلاً عن كونه رسالة تحذير مباشرة ضدّ الانتهاكات التي يمارسها وزير «الأمن القومي»، إيتمار بن غفير، وعصابته، بحقّ الأسرى والأسيرات في سجون العدو، وفق ما جاء في البيان.
أعادت العملية الفدائية التذكير بالكابوس الإسرائيلي المتمثّل بالضفة الغربية والقدس المحتلّتَين


ولم يمضِ إلا بعض الوقت على وقوع العملية، حتى سارعت قوة كبيرة من جيش الاحتلال إلى اقتحام بلدة صور باهر، في القدس، حيث داهمت منزل الشهيدَين، واعتقلت العديد من أقاربهما، وسط استنفار أمني كبير في عموم القدس المحتلّة، بات معتاداً في حالات كهذه، إذ تحمل العمليات الفدائية تداعيات مختلفة أمنياً وسياسياً على صنّاع القرار الإسرائيلي، وهو ما ينعكس تشديداً في الإجراءات الأمنية، وتكثيفاً لنصب الحواجز، وتصعيداً للاعتداءات على المقدسيّين. وفي الوقت ذاته، تصدّرت العملية اهتمامات وسائل الإعلام الإسرائيلية، وسط عمليات تحريض واسعة على ضرورة استكمال العدوان على غزة، والقضاء على «حماس». وفي هذا السياق، بدت واضحة محاولة اليمين المتطرّف استغلال الهجوم، للدفع إلى مزيد من التصعيد في الضفة؛ إذ دعا بن غفير، المستوطنين، إلى حمل سلاحهم، قائلاً إن «حماس تتحدّث معنا بلسانَين، ويجب ألّا نسمح بذلك»، فيما تعهّد نتنياهو بتوسيع تسليم أسلحة للمستوطنين، قائلاً إن «هذه وسيلة أثبتت نجاعتها مرّة تلو أخرى» في مواجهة المقاومين الفلسطينيين، مهدّداً بقتل كلّ «مخرّبي حماس» أينما كانوا في غزة أو في الضفة.
على أيّ حال، أعادت العملية الفدائية التذكير بالكابوس الإسرائيلي المتمثّل في الضفة الغربية (والقدس)، باعتبار الأخيرة الخاصرة الرخوة لكيان الاحتلال، والتي يمكنها توجيه ضربات قاتلة إلى منظومته الأمنية والاستخبارية نتيجة الاحتكاك المباشر والتداخل بين مستوطنيه وجنوده وبين الفلسطينيين. وأثار انتماء المنفّذَين إلى حركة «حماس»، وكونهما أسيرَين محرّرَين، جدلاً واسعاً في وسائل الإعلام العبرية، وخاصة أن العملية تزامنت مع تواصل تنفيذ عمليات تبادل جزئية للأسرى بين المقاومة وحكومة العدو، وبحث إبرام صفقة تبادل شاملة بينهما، تقضي بالإفراج عن جميع الأسرى الفلسطينيين. كذلك، أعادت وسائل الإعلام التذكير بأن هذه الصفقة ستبعث الكوابيس من جديد لدى الإسرائيليين، كونها ستضمن الإفراج عن أبرز قادة المقاومة، من مثل قائد «كتائب القسام» في الضفة الغربية، إبراهيم حامد، أو مهندسي العبوات الناسفة في «القسام»، عباس السيد، وعبد الله البرغوثي، وقائد «كتائب شهداء الأقصى» ناصر عويص، وأكثر من 450 أسيراً محكومين بالمؤبد واتُّهموا جميعاً بقتل إسرائيليين، فيما من المتوقّع أن يعودوا إلى قيادة العمل العسكري بعد الإفراج عنهم، على غرار الأسرى المحرّرين في صفقة «وفاء الأحرار»، والذين يقودون الآن مرحلة العمل المقاوم ضدّ إسرائيل، وعلى رأسهم يحيى السنوار.
وإذ تبدو عملية القدس متوقّعة من حيث المكان والزمان، كونها تأتي ردّاً على التصعيد الكبير في الضفة الغربية، والعدوان في قطاع غزة، فإنّ من شأن هذا التصعيد أن يدفع الفلسطينيين إلى تنفيذ عمليات مشابهة، طالما استمرّت الوحشية التي يمارسها جيش الاحتلال في قتل الأطفال وقصف المنازل. وشهدت الضفة، بعد ساعات من عملية القدس، عملية دهس في منطقة الأغوار أسفرت عن إصابة جنديَّين بجروح طفيفة، بحسب جيش الاحتلال، فيما استشهد على إثرها الشاب كارم بني عودة بعد إطلاق النار عليه.
يُشار إلى أن حيّ «راموت» الاستيطاني، شهد، في تشرين الثاني من عام 2022، عملية تفجير مزدوجة ونوعية، قرب موقف للحافلات في حيّ «جفعات شاؤول»، وأخرى في حيّ «راموت»، قتل على إثرها مستوطن، وأصيب 19 آخرون.