غزة | مع حلول ساعات المساء في قطاع غزة كلّ يوم، يعود السؤال الذي يتردّد على ألسنة الجميع: «هل ستُمدّد الهدنة؟»؛ فالناس في القطاع يطمعون في المزيد من الهدوء. المتفائل منهم، يرى في أيام التهدئة السبعة مقدمة ستفضي أخيراً إلى وقف كلّي لإطلاق النار. أما المتشائمون فيعتقدون أنهم سيكونون على موعد مع القصف والدم مجدداً. في شمال غزة، حيث تجوّلت «الأخبار»، أمس، ليس ثمة الكثير من الخيارات لدى الأهالي. مَن قرّر الرحيل إلى جنوب القطاع، غادر وانتهى الأمر. أما مئات الآلاف الذين تضجّ بهم الشوارع ومراكز الإيواء، فقد حسموا أمرهم بالبقاء. ثمة الكثير من المبرّرات التي يقدّمها الناس هنا، وأكثرها تداولاً يُسمع على ألسنة كبار السن. إذ تقول الحاجة أم علي لـ«الأخبار»: «لا هجرة مجدداً، الحياة أو الموت هنا»، مضيفة أن «الناس في رفح وخانيونس أهلنا. وفِش فرق بين مدينة ومدينة، لكن هنا بيتنا، مدمّر أو باق، مش مشكلة. الرحيل خنوع وخطأ وقع فيه أهلنا في برير (بلدة فلسطينية هجّرت عام 1948) وكان أشرف لهم أن يبقوا هناك في منازلهم حتى لو استُشهدوا».أما أبو محمود، وهو موظف حكومي تشير قسمات وجهه إلى أنه لم يتجاوز الخمسين من العمر، فلديه مبرّرات واقعية للبقاء: «مليون ونصف مليون إنسان في جنوب القطاع. الناس بتبات في الشوارع، ما فيه مكان يقضوا فيه حوائجهم. البقاء هنا أكرم، المكتوب عليه الموت رح يموت في جباليا أو في رفح».
وفي مدينة الشيخ زايد المدمّرة، التقت «الأخبار» سماح، وهي معلّمة عشرينية في مدرسة حكومية هُدم منزلها بشكل جزئي، واستغلّت أيام الهدوء في تنظيفه وتغطية الحفر التي تركتها القذائف في جدرانه، بقطع النايلون والأقمشة. ترى الشابة التي كانت تخبز على موقد من الحطب، أن «الإسرائيليين مارسوا الوحشية بأبشع صورها، ولم يعد هناك ما يمكن أن يُخشى»، وتضيف: «في ليلة الهدنة، دمروا أكثر من 200 منزل في شمال القطاع. أطلقوا آلاف القذائف. رأينا الموت مراراً. لا شيء نخشاه. الموت في ظروف كهذه نجاة».
ليلة الأربعاء - الخميس، والتي تم تجديد الهدنة فيها قبل عشر دقائق فقط من استئناف إطلاق النار، الساعة السابعة صباحاً، كان المشهد مهولاً. فيض بشري كبير ازدحمت به الشوارع المؤدية إلى مراكز الإيواء. هؤلاء قرّروا منذ بدء الهدنة المبيت في منازلهم في الأحياء الطرفية من شمال غزة، ولما أعلنت حركة «حماس» عن فشل الجهود في تمديد التهدئة، غادروا منازلهم إلى مراكز الإيواء والمستشفيات، ومن بينها «مستشفى كمال عدوان» الذي ازدحم بآلاف العائلات. قطع أبو عمر برفقة زوجته وأبنائه الأربعة، أكثر من 15 كيلومتراً مشياً على الأقدام حتى وصلوا إلى منطقة مشروع بيت لاهيا. يقول لـ«الأخبار»: «استغللنا الهدنة لنحظى بعدة أيام ننام فيها بشكل مريح، ونأكل فيها طعاماً جيداً. بتنا ليلتنا على أمل التجديد. وفي تمام الساعة السادسة صباحاً، نادانا أحد شبان الحي قائلاً: غادِروا فسيبدأ القصف. خرجنا بملابس النوم، وتركنا كل شيء خلفنا».
في مدرسة جباليا الإعدادية شرق دوار الترنس الذي يتوسّط مخيم جباليا، كان الأمر مشابهاً. آلاف الأسر التي تسكن المدرسة التي تحوّلت إلى مركز إيواء هم من سكان مدينة بيت حانون، وكانوا قد ذهبوا لتفقد منازلهم في اليوم الأول من التهدئة، فوجدوها أثراً بعد عين. تقول أم أحمد، وهي مسنّة تبلغ السبعين من عمرها: «ذهب الشبان إلى المنطقة، ولم يتعرّفوا عليها من شدة التدمير. أرسلناهم ليستطلعوا لنا الأمر، فعادوا وعيونهم تغرغر بالدموع .. لا خيارات لدينا سوى البقاء هنا».
مساء يوم أمس، عادت الحكاية ذاتها: هل ستُمدّد التهدئة؟ يتكرّر السؤال آلاف المرّات باستمرار، فيما يبيت الناس وحارسهم الأمل... ولا شيء سواه.