مع اقتراب ملف المحتجزين الأجانب والأسرى المدنيين من الإسرائيليين من مراحله النهائية، وفشل المساعي لإتمام صفقة تبادل شاملة مع المقاومة، تبدو إسرائيل مستعدّة لجولة جديدة من العدوان على غزة. لكنّ الأهم، أن الولايات المتحدة التي وفّرت الغطاء الكامل للجولة الأولى، قد قرّرت المضيّ في سياستها نفسها، متجاهلة كل النداءات الدولية، وغير آبهة بكل مواقف الدول المعارضة للحرب.وبدا ذلك واضحاً في المؤتمر الصحافي الذي عقده وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ليل أمس، وأعلن فيه ما يشبه التوصيات التي يجب أن تلتزم بها العمليات العسكرية الجديدة التي تنوي إسرائيل القيام بها، متبنّياً مطالب العدو «الخيالية»، والمتمثّلة في إطلاق المقاومة سراح جميع الأسرى لديها، وإعلانها الاستسلام، وتسليمها قادتها ومجاهديها بحجّة أنهم شاركوا في عملية «طوفان الأقصى».
وإذ يعني ذلك توفير غطاء أكبر لعملية قد تستمرّ لوقت طويل، فقد علمت «الأخبار»، من مصادر في الأمم المتحدة، أن المنظمات الدولية المعنية بالجانب الإنساني والمساعدات، باتت في أجواء قرار العدو العودة إلى المعارك من جديد، وأن الجانب الأميركي عاد ليتحدث مع تلك المنظمات عن سبل إقامة مناطق آمنة داخل قطاع غزة، يُدفع إليها النازحون، توازياً مع تجدّد العمليات العسكرية الإسرائيلية.
في ثالث زيارة له منذ بدء العدوان، حطّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في تل أبيب، حيث شارك في اجتماع «كابينت الحرب» الإسرائيلي، والذي يشهد نقاشات حاسمة حول شكل المرحلة المقبلة، ما بعد الهدنة المؤقّتة، التي إن لم تنتهِ اليوم، فإنها على أيّ حال لن تدوم لأكثر من أيام قليلة. وأعرب بلينكن عن «أمله في تمديد الهدنة»، مرسلاً في الوقت نفسه إشارات واضحة حول دعم بلاده المستمر لإسرائيل في حربها على قطاع غزة. وقال المتحدّث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، في بيان، إن بلينكن «شدّد خلال اجتماعه مع (رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين) نتنياهو، على ضرورة مراعاة الاحتياجات الإنسانية وحماية المدنيين في جنوب القطاع قبل أيّ عملية عسكرية هناك».
في المقابل، وبحسب التقارير الإعلامية العبرية، قال وزير الدفاع، يوآف غالانت، في المحادثات مع بلينكن، إن «الحرب لن تستغرق أسابيع بل أشهراً»، ليجيبه الوزير الأميركي بالقول: «لا أعتقد أن أمامك شهوراً». لكنّ غالانت عاد وأكّد أن «التزامنا بالنصر غير مرتبط بالوقت، سنستمرّ حتى ندمّر قدرات حماس ونعيد جميع المختطفين». وأشارت التقارير إلى أن بلينكن تحدّث، هنا، عن «ضرورة منع ترحيل سكان غزة من منازلهم في جنوب القطاع»، وهو ما ردّ عليه نتنياهو بأنه «في الشمال كان علينا نقل (تهجير) عدد أكبر بكثير من الأشخاص الذين سنضطرّ لنقلهم في الجنوب». بدوره، أوضح رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، لبلينكن، أن «عدد الأشخاص الذين سيضطرّون لمغادرة منازلهم في وقت لاحق من العملية، أقلّ من الذين غادروا في المرحلة الأولى من الحرب». وإذ طالبه بلينكن بـ«تجنّب إيذاء الأشخاص غير المتورّطين»، معتبراً أن ذلك «في مصلحة جميع الأطراف»، فقد ردّ عليه هاليفي بالزعم أن «إسرائيل تمتنع أحياناً عن مهاجمة أهداف بسبب وجود مدنيين هناك». كما طالب الوزير الأميركي بزيادة كبيرة في المساعدات الإنسانية لغزة عند انتهاء وقف إطلاق النار، وأثار قضية «اليوم التالي»، عندما قال للحاضرين: «أفضل طريقة لقتل فكرة، هي جلب فكرة أخرى مضادّة».
أبلغت إسرائيل الوسطاء بأنها غير معنيّة باستعادة جثث في المرحلة الحالية


أمّا في لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، فعرض عليه الأخير خطّة كاملة لـ«اليوم التالي»، تتضمّن، بحسب التقارير الإعلامية الإسرائيلية، «عدّة مطالب كشروط لسيطرة السلطة الفلسطينية على قطاع غزة»، ومنها أن «يقبل مجلس الأمن فلسطين عضواً في الأمم المتحدة؛ ثم عقد مؤتمر دولي للسلام لتنفيذ "مبادرة السلام العربية"؛ وتشكيل حكومة فلسطينية جديدة مسؤولة عن القدس الشرقية وغزّة؛ ونقل مسؤولية المعابر الحدودية مع الأردن ومصر إلى السلطة الفلسطينية».
ورغم تزايد «النقاط» الخلافية بين تل أبيب وواشنطن، بخصوص «التكتيكات» لا الأهداف، إلا أن واشنطن لا تزال تعلن دعمها للخطوات الإسرائيلية، حتى وإن كانت استئناف العمليات العسكرية. وقال «البيت الأبيض»، أمس، إنه «إذا قررت إسرائيل العودة إلى ضرب حماس فسنواصل دعمنا لها في ذلك»، مؤكداً في الوقت نفسه أن «واشنطن ستواصل جهودها مع إسرائيل وقطر ومصر لتمديد الهدنة في غزة». وفي هذا السياق، نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين توقّعهم «استئناف الحملة العسكرية الإسرائيلية وبدء التحرّك إلى جنوب القطاع»، وهو ما كانت ظهرت مؤشّراته في النقاشات الأميركية - الإسرائيلية أمس، والتي تركّزت حول أسلوب العمل في الجنوب، لا حول أصله.
أما على صعيد المفاوضات بشأن تمديد الهدنة وتبادل مزيد من الأسرى، فبعد ساعات طويلة وحادّة، أُعلن، صباح أمس، تمديد الهدنة ليوم واحد قبل دقائق من موعد انتهائها. وكان الخلاف تمحور بين الطرفين، حول مسألة جثث الإسرائيليين لدى المقاومة؛ إذ عرضت الأخيرة تسليمها إضافة إلى أسرى أحياء، مقابل إطلاق سراح مزيد من الأسرى الفلسطينيين، وهو ما رفضته إسرائيل بحسب «هآرتس»، «مبلغةً الوسطاء بأنها غير معنيّة باستعادة جثث في المرحلة الحالية».
وأمس، بدا الأمر مشابهاً، حيث لم يُعرف، حتى ساعة متأخرة من الليل، ما إذا كان الطرفان مقبلَين على تمديد جديد، فيما تحدّثت تقارير إسرائيلية عن «جُهد مشترك للموساد والوسطاء لتحقيق فوج آخر غداً (اليوم)»، مضيفةً أنه «إذا لم تنجح هذه الخطوة فإن إسرائيل مستعدّة لإطلاق النار على الفور (...) إذا فشلت الاتصالات، فإن المفاوضات المقبلة ستكون تحت النار». كما نقلت وسائل الإعلام العبرية، عن مسؤول إسرائيلي، قوله: «ربما نقترب من نهاية الاتفاق الحالي. وحتى لو واصلنا صفقة النساء والأطفال في يوم أو يومين، فسوف نصل إلى التوقّف من حيث الكمية العددية التي لديهم (المقاومة)». وعن إمكانية إطلاق سراح الرجال، قال المصدر إن المقاومة تطالب في هذه المرحلة بـ«ثمن آخر مقابل إطلاق سراح الرجال»، بينما نقلت شبكة «CNN» عن عضو «الكنيست» داني دانون قوله إن «الحكومة الإسرائيلية مستعدّة لمناقشة إطار مختلف للإفراج عن الرجال والجنود».
وبحسب اتفاق الدفعة السابعة، فإن المقاومة في غزة، ستفرج عن 10 أسرى، بينهم 2 يحملان الجنسية الروسية. ومساء أمس، أطلقت المقاومة الأسيرتَين الإسرائيليتَين ميا شيم (21 عاماً) التي تحمل الجنسية الفرنسية، وأميت سوزانا (40 عاماً). وفي المقابل، ستفرج سلطات العدو عن 30 أسيراً طفلاً وأسيرة، من الأسرى الفلسطينيين.