غزة | لم تكفِ سبعة أيام من الهدوء لتحقيق أيّ إنجاز يُذكر في عملية إزالة المباني المدمَّرة، لينحصر طموح الأهالي في تلك الأيام في انتشال الآلاف من الشهداء الذين كانوا لا يزالون تحت أنقاض المربّعات السكنية المقصوفة. على أن تلك المهمّة ظلّت متعسّرة، في ظلّ الشحّ الشديد في المعدّات والسولار اللازم لتشغيلها، إذ لم تتبقَّ في أحياء مدينة غزة وشمالها سوى أعداد محدودة من الجرافات والبواقر والآليات الثقيلة التي يمكن بواسطتها إزالة الركام الكبير. وبحسب علاء العطار، وهو رئيس بلدية بيت لاهيا، فإن قوات الاحتلال تعمّدت قصف أكثر من 16 آلية تابعة للبلدية، فيما لم يتوافر الوقود الكافي لتشغيل ما بقي من المعدّات. وأشار العطار، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن «الاحتلال دمّر آلاف الكيلومترات من شبكات المياه والصرف الصحي»، مضيفاً أن «أولويتنا كانت فتح الشوارع المغلقة، وإعادة توصيل المياه إلى المنازل والأحياء شبه المدمّرة. أمّا إزالة الركام، فتلك مهمّة تحتاج إلى جهود دولية، وقد تستغرق أكثر من عامَين. لدينا مدن كاملة ومربّعات سكنية تتكوّن من أكثر من 50 منزلاً تمّ تدميرها». في شوارع بيت حانون، والتي أضحت مساحة جرداء، دار الحديث، طوال مدة الهدنة، عن مئات من الشهداء تحت البيوت المدمّرة. من حارة إلى حارة، كان يتسرّب إلى مسمعنا أن تحت هذا المنزل 40 شهيداً، وأسفل ذاك ثلاثين، فيما رائحة الجثامين المتحلّلة تشير إلى ما هو أكبر من تلك الأعداد. لكن ذلك كلّه لم يمنع عائلة محمد أبو عمشة، من اصطناع خيمة إلى جانب الركام، حيث باتت ليالي الهدنة السبع. «لا يتحدّث أحد الآن عن إزالة الركام وفتح الشوارع»، أكد الشاب الذي يعمل معلّماً في مدرسة حكومية لـ«الأخبار»، مضيفاً أن «الأولوية لدينا هي وقف العدوان. مستقبل هذه المدينة المنكوبة ومنازلنا المقصوفة، الحديث فيهما مؤجَّل إلى إشعار آخر». أمّا في حيّ السكة شرقي مخيم جباليا، والذي استحال مدينة أشباح، فسُجّلت محاولات حثيثة لإعادة الحياة، عبر تكاتف العشرات من الشبان لإصلاح شبكات المياه بشكل شخصي. «انتظار البلدية والجهات المتخصّصة سيطول كثيراً»، قال محمد أبو ركبة، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار»: «إذا عادت المياه إلى الحيّ، فسنترك مراكز الإيواء، ونسكن تحت ما تبقّى من منازلنا، ولْتعُد الحرب وليقصفونا أسفلها».
في شوارع بيت حانون، والتي أضحت مساحة جرداء، دار الحديث، طوال مدة الهدنة، عن مئات من الشهداء تحت البيوت المدمّرة


بالعودة إلى بلدية بيت لاهيا، أوضح رئيس البلدية أن القصف طاول مخازن البلدية التي تحوي المئات من مواسير المياه، ليفوق حجم شبكات المياه المدمَّرة، ما هو متوافر من معدّات. وإلى الشمال الأقصى من المدينة، حيث مدن العودة والندى، لم تصل أيّ مبادرات رسمية أو شخصية لفتح الطرقات وترميم شبكات المياه، فيما الدمار يفوق أيّ محاولات جزئية. وبحسب أبو عاصم، وهو رئيس لجنة حيّ الندى، فإن «ما حلّ ببيت لاهيا أكبر من أيّ جهود يمكن أن تُبذل للإصلاح الجزئي، إذ غابت معالم الشوارع الرئيسية والفرعية، فيما المدينة بحاجة إلى إزالة كلّية، وإعادة بناء مجدّداً».
من جهته، قدّر رئيس تحرير صحيفة «الاقتصادية»، محمد أبو جياب، أن «أكثر من 60% من الوحدات السكنية في مناطق شمال وادي غزة، تعرّضت لتدمير جزئي أو كلّي»، مشيراً إلى أن «كلّ هذا الدمار يحتاج إلى جهود تتجاوز الإمكانات المحلّية». وأضاف في حديثه إلى «الأخبار»: «نحن نتحدّث عن مدن ومخيمات وبلدات بأكملها مُحيت عن وجه الأرض. هذا الجهد يحتاج إلى تدخّل شركات دولية، بمعدّات كبيرة وطواقم فنّية متخصصة، وهذه مرحلة لاحقة لا يتحدّث بها أحد حالياً». وتابع: «كلّ ما كان يمكن أن تفعله طواقم البلديات أو المبادرات الفردية، من شأنه أن يعالج المشكلات الطارئة، مثل فتح الشوارع المغلقة، أو توصيل خطوط المياه، أو معالجة تسريب شبكات الصرف الصحي، وليس أكثر من ذلك».