فيما تصرّ حكومة الاحتلال على الاستمرار في رفع سقف أهدافها، وتزعم أنّها تحقق «انتصارات» في عدوانها الهمجي على المدنيين في قطاع غزة، تبدو وسائل الإعلام العبرية والغربية، جنباً إلى جنب عدد من المسؤولين في الجيش الإسرائيلي والمحلّلين الغربيين، أكثر صدقاً وواقعيةً في التعبير عن حجم «الصدمة والعجز» الإسرائيليَّين. وهؤلاء أنفسهم كانوا، قبل الهدنة التي تم التوصل إليها سابقاً، يتخوفون من أنّ الأخيرة، ستكون بمثابة «انتصار عسكري»، لا سياسي فقط، لـ«حماس»، إذ ستسمح لها بإعادة «تنظيم قواتها وضرباتها»، وهي مخاوف أكدتها، على الأرجح، العمليات النوعية التي تستمر المقاومة في شنها ضدّ قوات الاحتلال منذ انتهاء الهدنة. وكان الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، آخر من انضمّ إلى ركب المُعبّرين صراحة عن أنّ إسرائيل لن تنجح في تحقيق انتصار عسكري فعلي في غزة؛ إذ شكك، السبت، في أن تكون لدى تل أبيب القدرة على القضاء على «حماس»، مشدداً على أنّ حكومة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، وصلت إلى مرحلة تحتاج فيها إلى تحديد أهدافها بشكل «أكثر دقة»، وأن تضع «هدفاً نهائياً» نصب عينيها، متسائلاً: «تدمير (حماس) بشكل كامل؛ هل يعتقد أحد أنّ هذا الأمر ممكن؟». كما اعتبر ماكرون، خلال كلمة له في قمة المناخ «Cop28» في دبي، أنّ تحقيق هذا الهدف يتطلب على الأقل «عقداً» من الزمن، معرباً أيضاً عن نيته زيارة الدوحة، وعقد اجتماع مع أميرها تميم بن حمد آل ثاني، في أعقاب انتهاء المؤتمر، لمحاولة التوصل إلى هدنة جديدة بين إسرائيل و«حماس»، ووقف محتمل لإطلاق النار، بعد انهيار الهدنة أخيراً.
من جهتها، ذكرت صحيفة «لو موند» الفرنسية أنّه من خلال تفحّص مقاطع الفيديو التي بثها الجيش الإسرائيلي، منذ احتلال مستشفى الشفاء في غزة، والتي تزعم وجود مركز عمليات واسع تحت الأرض تابع لـ«حماس»، تمكنت الصحيفة من وضع ما هو أشبه بخرائط لـ«الأنفاق» التي تحت الأرض، ليتضح أنّ هذه الأخيرة، التي يبلغ طولها، بحسب «لو موند»، نحو 130 متراً، لا ترقى إلى مستوى أن تكون «مركز عمليات أو مخبأ أسلحة»، كما ادعت إسرائيل.
على أنّ الإعلام العبري، بدوره، لا يخفي على الرأي العام الإسرائيلي والعالمي أنّ العدوان الجوي والبري على غزة، والذي ألحق دماراً كبيراً بالمنازل والمدنيين، فشل، حتى الآن، في «زعزعة» البنية التحتية للمقاومة أو الاقتراب من «تصفية» قادة «حماس». وفي السياق، أوردت «القناة 12» العبرية، نهاية الشهر الماضي، أنّ حركة «حماس» «لم تنهَر بعد»، مشيرةً إلى أنّ الاحتلال «فشل في تصفية مسؤولي الحركة الذين أعلنهم أهدافاً لعملياته». وفي ما يتعلق بهدف «إعادة الأسرى»، رأت القناة العبرية أنّ تبادل الأسرى أكّد «عدم نجاح (الجيش) في إطلاق سراح الإسرائيليين» بالقوة، تماشياً مع ما أعلن عنه سابقاً.
شكّلت مرحلة «ما بعد الهدنة» محور اهتمام العديد من المراقبين


كذلك، نقلت مجلة «نيوزويك» الأميركية عن ضابط مهندس في الجيش الإسرائيلي دهشته من قدرات «حماس»، ولا سيما في ما يتعلق بشبكة «الأنفاق المعقدة»، والتي لا تزال تشكل عائقاً كبيراً، على حدّ تعبيره، أمام القوات الإسرائيلية، فيما نشرت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، أمس، تقريراً جاء فيه أنّ «القضاء» على «حماس» لن يتحقق أبداً من خلال استراتيجية القصف والهجوم البري على غزة، وأنّ هذه الأعمال، حتى لو أدت، في نهاية المطاف، إلى «قتل معظم مقاتلي (حماس) الحاليين، وتدمير هياكلهم الأساسية، فهي ستغذي، في المقابل، الكراهية واليأس في داخل الفلسطينيين، وتخلق حتماً جيلاً جديداً من (حماس)». أمّا مجلة «تايم» الأميركية فكانت قد وصفت، في وقت مبكر من بداية «الرد الإسرائيلي» على عملية «طوفان الأقصى»، طموحات القضاء على «حماس» بـ«غير الواقعية»، معتبرةً أنّ الحل الأمثل، بالتالي، هو «ترحيل (حماس)» إلى دول أخرى، «غير مجاورة لإسرائيل»، ولا سيما عبر الضغوط الخارجية، «وبعض النجاحات الإسرائيلية العسكرية».
كما شكّلت مرحلة «ما بعد الهدنة» محور اهتمام العديد من المراقبين. وفي الإطار، وصف ميك مولروي، نائب مساعد وزير الدفاع السابق للشرق الأوسط، في حديث مع موقع «آي بي سي» الأميركية، الهدنة الأخيرة بأنّها «انتصار عسكري وسياسي صافٍ» لـ«حماس»، فيما أشار محللون في مجال الأمن القومي إلى أنّ الأخيرة «استخدمت على الأرجح الهدنة المؤقتة لتجديد قواتها، وإعادة تسليحها وتمركزها»، ما «أوقف الزخم الإسرائيلي»، ومنح المقاومة «ميزة تكتيكية». تزامناً مع ذلك، يتحدث مراقبون عن أنّ «حماس» أثبتت، في الحرب الأخيرة، أنّ هزيمة الجماعات المسلحة غير المنظمة أصبحت مهمة «معقدة للغاية»، ولا سيما أنّ الأخيرة عرفت كيف تستغل التطور التكنولوجي، في مجالات عدة، ومن بينها وسائل التواصل الاجتماعي، لشنّ عمليات متطورة، ونشر سرديّتها عن الحرب، وحشد «التعاطف والدعم» حول العالم.