بغداد | ما زال العراق، مع تجدّد قصف «المقاومة الإسلامية» للقواعد الأميركية، إثر إنهاء العدو الإسرائيلي هدنة غزة، يعيش ثنائية بين فصائل مقاومة تعتبر أن من واجبها مساندة المقاومة في غزة، والعمل لطرد القوات الأميركية من البلاد، وحكومة تتفهّم دوافع الفصائل وتشاركها إياها، وإنما تتعرّض لضغوط أميركية مستمرة تحت عنوان أن عليها حماية ما يُسمّى المستشارين الأميركيين الموجودين في البلاد وفق اتفاق معها. وغداة الاتصال الهاتفي الذي أجراه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أول من أمس، مع رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، نعت «حركة النجباء» العراقية خمسة من عناصرها استشهدوا بالقرب من كركوك، من دون أن توضح ملابسات الحادث، رغم أن وكالات أنباء نقلت عن مصادر أمنية قولها إنهم سقطوا في ضربة لمسيرة أميركية. وأفاد بيان حكومي بأن السوداين أبلغ بلينكن بأنه يرفض انتهاك السيادة العراقية، والذي تمثّل في قصف أهداف لـ«الحشد الشعبي» في منطقتَي أبو غريب وجرف الصخر، ما يعني أنه إذا تأكد حصول ضربة أميركية أمس، فإن مستوى التوتر سيرتفع كثيراً في الأيام المقبلة.
وتدرس فصائل المقاومة العراقية خيار توسيع ميدان المواجهة إلى ما هو أبعد من القواعد الأميركية، حيث تلمّح إلى أن جزءاً من سلسلة عملياتها القادمة سيستهدف مواقع إسرائيلية، وفقاً لاستراتيجية حرب جديدة تتبنّاها. وفي السياق، أعلنت «المقاومة الإسلامية في العراق»، في بيانات عدة، أنها قصفت قاعدة عين الأسد الأميركية غرب بغداد مساء أمس، بعد هجوم نفذته على قاعدة أخرى في مطار أربيل، بطائرة مُسيّرة أصابت هدفها بشكل مباشر. وكانت قد أطلقت قبل ذلك 7 صواريخ على قاعدة مطار «خراب الجير» الأميركية في ريف الحسكة الشمالي، بعد ساعات من وصول دفعة من التعزيزات إليه. ويأتي هذا بعدما انخرطت الفصائل العراقية، خلال فترة «الهدنة القلقة»، في حراك سياسي وإعلامي للضغط على السلطتين التشريعية والتنفيذية لتنفيذ قرار البرلمان السابق القاضي بإخراج القوات الأجنبية، ولا سيما الأميركية، من البلاد.
قصف إيلات تطوّر يُحسب للمقاومة العراقية كتجربة جديدة اكتسبتها في فتح ساحة حرب تتجاوز البيئة المحلية


ويقول المتحدّث باسم «حركة حقوق» التابعة لـ«كتائب حزب الله»، علي فضل الله، لـ«الأخبار»، إن «عودة هجمات المقاومة على قواعد الاحتلال الأميركي، هي ردّ على همجية الكيان الصهيوني»، مضيفاً أن «المقاومة الإسلامية لديها إستراتيجية جديدة لتوسيع ميدان هجماتها في العراق وسوريا». ويؤكد أن «أياً من الفصائل العراقية لم يتراجع عن قضية طرد آخر جندي أميركي من المنطقة، والعمليات المقبلة ستكون بعيدة المدى وربما ستكون داخل أراضي الاحتلال». ويشير فضل الله إلى أن «الحكومة محرجة أمام الإدارة الأميركية لوقف عمليات المقاومة، لكنّ الفصائل لديها استقلالية في اتخاذ القرار. وفضلاً عن ذلك فإن من ضمن قرارات غرفة العمليات أو تنسيقية المقاومة، استمرار قصف القواعد العسكرية الأميركية وتصعيد الهجمات ضدها». ويتابع أن «كتائب حزب الله لم تنسَ الشهداء الذين سقطوا في جرف النصر قبل أيام، فلهذا ستكون ضرباتها موجعة ثأراً لدمائهم وعقيدتهم ومسيرتهم الجهادية».
من جهته، يرى القيادي في «الحشد الشعبي»، أبو أحمد البيلاوي، أن «قصف القواعد الأميركية سيبقى مستمراً إلى حين انسحاب الأميركيين من العراق من جهة، ووقف الحرب في غزة من جهة ثانية»، معتبراً، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «الضربات التي شنّتها المقاومة هي مصدر قلق ورعب للإدارة الأميركية». ويتابع أن «الفصائل لديها الاستعداد والقوة الميدانية لمواجهة الأميركيين، وهناك تنسيق بين المقاومة ليس فقط العراقية، وإنما في عموم المنطقة، لتوحيد هجماتها ضد العدو الأميركي والإسرائيلي في الفترة الراهنة». ويؤكد أن «المقاومة العراقية قرّرت تحرير العراق عسكرياً وقُضي الأمر في ذلك، وهناك عمليات تخطّط لها الفصائل وقد تكون غير مسبوقة»، مضيفاً أن «المقاومة لا تهادن الأميركيين أبداً، لكنها خفّضت هجماتها احتراماً لقرارات المقاومة الفلسطينية التي لدينا معها تنسيق بشأن تحرير المنطقة من الاحتلال».
ويعرب البيلاوي عن رفضه «سكوت الحكومة والبرلمان عن عدم حسم ملف بقاء الاحتلال الأميركي. وللأسف، فقط المقاومة هي التي تتحرّك ولم تسكت. وترد بقوة داخل العراق وخارجه ضد قوات واشنطن»، مشدّداً على أن «ما تقوم به الفصائل يكتسب الصفتين الشرعية والوطنية».
أما الباحث السياسي، علي الجبوري، فيرى «أن الفصائل تخطّط بشكل دقيق لعمليات أكبر من قصف الصواريخ المتوسطة المدى، وتنفيذ عمليات كبيرة في المنطقة بالمشاركة مع حلفائها في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن». ويعتقد أن «أهم شيء تحقّقه في الوقت الحالي، هو مشاغلة العدو وفتح عدة جبهات، لغرض إضغافه وتشتيت الأهداف. وهذا ما يقوم به حزب الله اللبناني كونه يتميز بإستراتيجية عسكرية دقيقة وقوة قتالية هائلة». ويعتبر الجبوري أن «المقاومة في العراق، تعمل على سياسة تكثيف الهجمات الصاروخية ضد عدوها، حتى وصلت إلى إيلات، وهذا تطوّر يُحسب لها وربما تجربة جديدة اكتسبتها في فتح ساحة حرب تتجاوز البيئة المحلية. فبالتالي، المقاومة لديها أهداف تريد تحقيقها ومنها إخراج القوات الأميركية من العراق وسوريا على أقل تقدير».