غزة | في مدرسة بيت لاهيا الجديدة التي تحوّلت إلى مركز إيواء، يسكنه أكثر من 10 آلاف نازح، تنبئك حالة النظافة والرائحة عن الواقع الصحّي الذي يعيشه أهالي قطاع غزة. هنا، تتفشّى الأمراض الجلدية ومرض الكبد الوبائي، الذي حذّرت "وكالة غوث وتشغيل اللاجئين" (أونروا)، أمس الأحد، من سرعة انتشاره. أمّ حامد، وهي نازحة من بلدة بيت حانون، التقت بها "الأخبار" بينما تحاول تبريد حرارة اثنين من أطفالها اللذين يعانيان حمى شديدة. تقول: "منذ عشرين يوماً، دخل المرض بين أطفالي الخمسة، يشفى واحد، ثم يمرض الآخر، ما فيه دوا، ولا حتى طبيب يشخّص المرض بدقّة". في داخل المدرسة، تنتشر القمامة ومياه الصرف الصحي، فيما يبدو الأطفال في حالة يرثى لها؛ حفاة الأقدام وبملابس متّسخة. تقول الحاجة أم محمود، وهي تجلس بين العشرات من الأطفال: "طلعنا من البيوت بملابسنا اللي على أجسادنا، وهان في المركز ما فيه مياه للاستحمام، بالكاد بنلاقي مياه للوضوء وقضاء الحاجة".
مراكز الإيواء تحوي أكثر من مليون و700 ألف نازح في كلّ مدارس القطاع

في عيادة "غوث وتشغيل اللاجئين" وسط مخيم جباليا، يصطفّ المئات من الأهالي أمام صيدلية العيادة، خالية الرفوف. يقول حمزة طالب، وهو الصيدلي المتطوّع المسؤول: "الأدوية المهمّة لعلاج الأطفال مثل المضادات الحيوية، وخافضات الحرارة، مفقودة تماماً، أدوية الضغط والأزمة والسكري كذلك، في نهايتها". وفي المخيم أيضاً، حيث أقامت جمعية الهلال الأحمر نقطة علاج ميداني، التقينا الدكتور أحمد المصري، الذي أكد أن النقطة الطبية على بساطتها، تتعامل يومياً مع أكثر من 70 مريضاً من النازحين، و100 إصابة من جرحى العدوان. ويضيف، في حديثه إلى "الأخبار": "تفشّت الأمراض الجلدية مثل الجرب والحساسية بين الآلاف من النازحين بسبب عدم توفّر مقومات النظافة الشخصية، وشهدنا أخيراً تفشّي أمراض لم نستطع تشخيصها لأنها بحاجة إلى فحص مخبري وهو غير متوفّر حالياً. تشير الأعراض، مثل اصفرار العيون وتغيّر لون البول، إلى أنها مرض التهاب الكبد الوبائي، وهذا المرض بحاجة إلى بروتوكول علاجي غير متوفّر حالياً". ويتابع: "سكان مراكز الإيواء بحاجة إلى فحص وتطعيم شامل. أكثر من 30 مركزاً في المنطقة المحيطة بنا بحاجة إلى إغاثة طبية عاجلة".
ووفقاً لبيانات "وكالة الغوث"، فإن مراكز الإيواء تحوي أكثر من مليون و700 ألف نازح في كل مدارس القطاع. وتفيد رانية محمد، وهي طبيبة تعمل في مستشفى "الإندونيسي"، في حديثها إلى "الأخبار"، بأن "آلاف الأطفال والأهالي يعانون من سوء تغذية، وعدم توفّر المياه الصالحة للشرب. لأكثر من 50 يوماً، لم يتناول أحد لحوماً أو طعاماً ساخناً، ينحصر الغذاء بالبقوليات والمعلّبات، وهذا كلّه تسبّب في تفشّي الأمراض الباطنية المعدية. كما أن انعدام فرص الاستحمام الدوري بسبب نقص المياه ساهم في تفشّي الأمراض الجلدية. المشكلة أن المستشفيات الحكومية، التي تضجّ بالمصابين من المجازر، غير قادرة على استيعاب العدد الكبير من المرضى. حتى الفحص المخبري للكشف عن المرض متعذّر".